“نصف الكرة الشماليّة يختنق” بفعل موجات الحرّ
وكالات – المواطن
اشتدّت اليوم الثلاثاء موجة القيظ التي تضرب نصف الكرة الأرضيّة الشماليّ، دون أن يلوح في الأفق أيّ مؤشّر على قرب انحسارها، في الوقت التي دقّت فيه السلطات الصحيّة في دول عدّة في أوروبا وآسيا وأميركا الشماليّة ناقوس الخطر، مع استمرار حرائق الغابات في اليونان وكندا.
ووصلت درجات الحرارة في إيطاليا وإسبانيا والولايات المتّحدة إلى مستويات خانقة.
وفي أوروبا أطلق على موجة الحرّ التي تلفّ الساحل الشمال للبحر المتوسط اسم “خارون” تيمّنًا بشخصية من الميثولوجيا الإغريقية مهمّتها نقل الأموات في العالم السفلي.
وفي تذكير صارخ بآثار الاحتباس الحراري، حذّرت الوكالة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة من موجات حرّ أكثر شدّة”.
وقال جون نيرن، المستشار الرفيع المستوى لشؤون الحرارة الشديدة في الوكالة إنّ “شدّة هذه الظواهر ستستمرّ في الازدياد، وعلى العالم أن يستعدّ لموجات حرّ أكثر شدّة”.
وأضاف في تصريح للصحافيين أنّ “ظاهرة إل نينيو التي أُعلن عنها مؤخرًا لن تؤدّي إلا إلى زيادة وتيرة موجات الحر الشديدة هذه وشدّتها”.
وأشار نيرن إلى أنّ “إحدى الظواهر التي لاحظناها هي أنّ عدد موجات الحرّ المتزامنة في نصف الكرة الشمالي زاد ستة أضعاف منذ الثمانينيات، وليس هناك أيّ مؤشّر على أنّ هذا المنحى سيتراجع”.
وأضاف “لذلك أخشى أنّنا لم نصل إلى نهاية مشاكلنا وأنّ هذه الموجات سيكون لها تأثير خطر على صحة الإنسان وسبل عيشه”.وفي اليونان، واجه عناصر الإطفاء لليوم الثاني على التوالي “يومًا صعبًا” مع مواصلة جهودهم لمكافحة العديد من حرائق الغابات، على الرّغم من أنّ الوضع تحسّن في عدد من المناطق الساحلية المهدّدة بالقرب من أثينا.
واندلع الحريق الأعنف في غابة ديرفينوريا على بُعد خمسين كيلومترًا شمال أثينا حيث يحاول 140 عنصرًا من فرق الإطفاء تؤازرهم ستّ قاذفات مياه ومروحية السيطرة على الحريق.
وأعلنت فرنسا أنها سترسل قاذفتي مياه للمساهمة في إخماد النيران، وقالت أثينا إنّها تلقّت وعدًا مماثلًا من إيطاليا.
وفي إيطاليا وُضعت 20 مدينة في حالة إنذار قصوى، من بولسانو عند سفوح جبال الألب إلى باليرمو في جزيرة صقلية، مرورًا بالبندقية وبولونيا وفلورنسا وروما ونابولي وكالياري.
ويتوقع أن تتجاوز الحرارة في روما، “المدينة الخالدة”، 40 درجة مئوية علمًا بأنّ الرقم القياسي المسجّل فيها حتى اليوم هو 40.5 درجة مئوية ويعود إلى آب/أغسطس 2007.
وقرابة الثانية بعد الظهر بلغت الحرارة في العاصمة الإيطالية 39 درجة مئوية.
وقالت إميلي (24 عامًا)، وهي سائحة بريطانية تزور روما “كنت أعلم أنّ الجوّ سيكون حارًّا لكن ليس بهذه السخونة. لدينا مكيّف هواء في شقتنا المستأجرة لذا سنأخذ استراحة طويلة بعد ظهر اليوم”.
وإيطاليا هي صاحبة الرقم القياسي في أوروبا القاريّة على صعيد القيظ، إذ وصلت درجة الحرارة في راغوزا في جزيرة صقلية في 11 آب/أغسطس 2021 إلى 48,8 درجة مئوية.
وعصر الثلاثاء أكّدت هذه المنطقة مجدّدًا أنّها الأكثر حرًّا في البلاد، إذ بلغت درجة الحرارة فيها 44 درجة مئوية.
ودفعت موجة الحرّ الشديد العديد من السيّاح في إيطاليا إلى تعديل برامجهم.
وقالت السائحة الفرنسية أنطوانيت دوس (42 عامًا) إنّ الخيار الأمثل بالنسبة لها كان بالانتقال من روما إلى شاطئ البحر.
وأضافت لفرانس برس على شاطئ فريغيني التي تبعد عن روما مسافة ساعة بالسيارة “بدلًا من زيارة المناطق الداخلية من روما، قلنا لأنفسنا سنأتي لتنشّق بعض الهواء والاستمتاع بالبحر. هنا لدينا الهواء الذي نحتاج إليه، بصراحة إنه رائع”.
وحذّرت السلطات الصحّية من أنّ الأطفال وكبار السنّ هم الأكثر عرضة للخطر. وقالت لفرانس برس مورغانا كوكا، وهي مديرة مركز رياضي في لانوسي بجزيرة سردينيا الإيطالية “نحن لا نسمح للأطفال بممارسة الرياضة ونقسّم وقتهم بالتناوب: ثلاثة أيام في البحر وثلاثة أيام في الغابة”.
بدوره يرزح جنوب إسبانيا تحت وطأة موجة الحرّ الشديد.
ووضعت السلطات الإسبانية الثلاثاء عددًا من المناطق في حالة إنذار قصوى بينما واصلت فرق الإطفاء مكافحة حريق في أرخبيل الكناري أتى حتى الآن على 3500 هكتار من المساحات الخضراء.
وقرابة الظهر، بلغت الحرارة 41.7 درجة مئوية في مقاطعة جيرونا بإقليم كاتالونيا.
حتّى سويسرا لم تفلت من موجة الحرّ الاستثنائية هذه.
وتمّ إجلاء أكثر من 200 شخص من قرية بيتش في الألب السويسرية بسبب حريق غابات كبير اندلع الإثنين قريبًا منها.
واعتبر روبير فوتار، مدير معهد “بيار سيمون لابلاس” والمتخصّص بعلوم المناخ، في تصريح لفرانس برس أنّه إذا لم تكن هناك روابط مناخية بين مناطق العالم المختلفة، فإنّ التغيرات المناخية تغذّي ظواهر الطقس المتطرّف في جميع أنحاء الكوكب وتزيد وطأتها.
وأضاف “بالنسبة لجنوب أوروبا على سبيل المثال، الأمر يتعلّق بإعصار عكسي قويّ للغاية هو عبارة عن مرتفع جوي ومع الرياح الضعيفة التي تصاحبه يحول دون حدوث اضطرابات جوية. مناطق الضغط الجوي المرتفعة هذه تحبس الهواء الدافئ مما يؤدّي إلى ارتفاع درجات الحرارة. هذا الأمر تغذية رياح جنوبية على الجناح الغربي تجذب كتلًا هوائية حارقة من الصحراء”.
وفي الولايات المتّحدة، حذّرت الأرصاد الجوية من موجة قيظ في جنوب البلاد، متوقّعة أن تحطّم درجات الحرارة المرتفعة الأرقام القياسية في العديد من المناطق.
وفي وادي الموت الشهير في كاليفورنيا، أحد أكثر الأماكن حرًّا على كوكب الأرض، بلغت الحرارة 52 درجة مئوية الأحد.
وأدّت حرائق عنيفة في أنحاء من جنوب الولاية إلى عمليات إجلاء سكّان.
وأكبر هذه الحرائق، رابيت فاير، التهم حتى الآن حوالي 3200 هكتار من الأراضي.
وصعدت الحرارة في فينيكس، عاصمة ولاية أريزونا، إلى ما فوق 43 درجة مئوية الإثنين لليوم الـ18 على التوالي. حتى إنها سجلت عصر الإثنين في المدينة 45 درجة مئوية لتعادل بذلك الرقم القياسي المسجّل فيها.
وبحسب الأرصاد الجوية الوطنية فإنّ ولايات عديدة قد تواجه أحوالًا جوية سيّئة.
وفي كندا، أتت الحرائق منذ مطلع العام على أكثر من عشرة ملايين هكتار.
والإثنين كان لا يزال هناك 882 حريقًا مستعرة في كندا، بينها 579 حريقًا خارج نطاق السيطرة، بحسب مركز حرائق الغابات.
وقالت السلطات إنّ اثنين من عناصر الإطفاء لقيا مصرعهما أثناء مكافحتهما هذه الحرائق الضخمة.
وفي اليابان حذّرت السلطات سكّان 32 من مقاطعات البلاد الـ47 من مخاطر التعرّض لضربة شمس بسبب درجات الحرارة التي اقتربت الإثنين من أعلى مستوياتها على الإطلاق.
وسجّلت أعلى درجة حرارة في اليابان في 2018 وقد بلغت 41.1 درجة مئوية.
وقال تومويا آبي (50 عامًا) إنّ “المناخ تغيّر بشكل واضح. من قبل، لم تصل درجة الحرارة أبدًا (في مقاطعة ياماناشي قرب طوكيو) إلى 30 درجة. الآن، يمكن بلوغ هذه الدرجة بسهولة”.
وعاد آبي لتوّه إلى شقّته في طوكيو بعدما فرّ منها بسبب القيظ ذلك أنّ الحرارة في العاصمة “يمكن أن تصل إلى 37 درجة مئوية”.
ويواجه الأرخبيل أيضًا أمطارًا غزيرة أودت بحياة ثمانية أشخاص على الأقلّ.
وحطّم الحرّ في الصين يوم الأحد رقمًا قياسيًا إذ بلغت درجة الحرارة 52.2 درجة مئوية في منطقة شينجيانغ في غرب البلاد.