رغم مرور عام وشهرين على الحرب في غزة، إلا أن الوضع في الداخل الفلسطيني مازال مشتعلا، فما بين غزة والضفة الغربية يحاول الاحتلال الإسرائيلي إشعال الأوضاع هناك وزعزعة استقرار الوضع الأمني حتى تنتج فوضى عارمة تمكنه من تحقيق أهدافه واحتلال بقية الأرض.
ومؤخرا، تصاعدت الحوادث الأمنية في الضفة الغربية، بقصد من سلطات الاحتلال، خاصة في مناطق مخيم جنين وطولكرم، فازداد نشاط المجموعات المسلحة الخارجة عن سيطرة السلطة الفلسطينية، لتظل الفوضى قائمة ومستمرة دون أي تهدئة.
وفي الأشهر الأخيرة، شهدت الضفة الغربية مواجهات متكررة بين المجموعات المسلحة والسلطة الفلسطينية، ونشطت هجمات تلك الفصائل في جنين وطولكرم، وهما منطقتان أصبحتا رمزًا للتوتر الأمني المتصاعد، حيث تتواجد مجموعات مسلحة تتبنى نهج المقاومة وتشكل تحديًا عن فرض سيادة القانون، كما تشتبك بشكل متكرر مع قوات الاحتلال الإسرائيلي وكذلك السلطة الفلسطينية، وتنفذ عمليات عسكرية، وهو ما زاد من تعقيد الوضع الأمني في الضفة الغربية.
وكل هذا ساهم في زيادة حالة الفوضى وعدم تحقيق الأمن للسكان، ولكن إذا نظرنا عن الطرف المستفيد من هذا الوضع، فهو إسرائيل بالتأكيد لأنها لا تريد أي استقرار لفلسطين، كما ترغب في إظهار السلطة الفلسطينية في وضع ضعيف حتى يخلو لها الجو في تنفيذ أغراضها واحتلال الضفة هي الأخرى، كما فعلت في غزة ودمرتها بالكامل ثم احتلتها.
ولكن، تدرك السلطة الفلسطينية جيدا أن هناك عوامل خارجية تحاول زعزعة استقرار الوضع الأمني في الضفة الغربية وتدفع الفصائل المسلحة إلى الاشتباك مع السلطة، مما قد يؤدي إلى فوضى من شأنها صرف الانتباه عن الوضع في غزة، فيما حثت فصائل مختلفة داخل فلسطين، الجماعات المسلحة على وقف المواجهات مع السلطة الفلسطينية، لأن مثل هذه الصراعات لا توفر سوى الشرعية للاحتلال لغزو الأراضي واحتلالها.
وعلى الفصائل الفلسطينية، أن تدرك أن تصاعد المواجهات مع الأجهزة الأمنية الفلسطينية، تفتح الطريق أمام إسرائيل لغزو الأراضي وتعزيز وجودها على الأراضي الفلسطينية لتنهي ما أسمته بالمواجهات المسلحة التي قد تؤثر سلبا على أمن إسرائيل، وبالتأكيد هذه ليست إلا حيلولة من الكيان المحتل لبقاء قواته في داخل مناطق الضفة الغربية، وتفويت الفرصة على الفلسطينيين بالتوحد وتجنب الانقسام حتى لا يتكرر سيناريو غزة في الضفة مستقبلا!.
أيضا هناك بعض الأطراف الإقليمية، التي تسعى إلى دعم مجموعات معينة داخل الضفة الغربية، ما يعمّق حالة الانقسام ويزيد من هشاشة الوضع الأمني، وهذا بالتأكيد يخلق حلقة مفرغة من العنف المتبادل، ويزيد من التوتر الداخلي الفلسطيني، ويؤكد مدى غياب الوحدة الوطنية بين مختلف الفصائل الفلسطينية، ويُضعف من الموقف الفلسطيني الداخلي ويفسح المجال أمام تصاعد الفوضى الأمنية، وتعزيز وجود الاحتلال بل وتوسع عملياته على أراضي الضفة.
فمن المهم أن يعي الجميع ضرورة وجود سلطة قوية في الضفة الغربية، لأنها الإطار الشرعي والوحيد القادر على إدارة شؤون الضفة الغربية وتحقيق الأمن والاستقرار للشعب الفلسطيني، بل وحماية الأمن القومي الفلسطيني، لأن السلطة الفلسطينية هي الجهة الوحيدة المخوّلة بالدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني وحمايته من الفوضى والانفلات الأمني. ومحاربتها يعني إفساخ المجال أمام مجموعات متعددة الأجندات لتهديد السلم المجتمعي، وزيادة الانقسام الفلسطيني بل وفتح الأبواب أمام الاحتلال لاحتلال كل شبر من أرض فلسطين.
فوجود سلطة موحدة في فلسطين ستكون ورقة رابحة، قادرة على إفشال أي محاولات خارجية لاستغلال الفراغ الأمني من أجل تحقيق أجندات لا تخدم المصلحة الفلسطينية العليا، وبالتالي تعزيز الدعم السياسي والشعبي للسلطة، وحفط مقدرات الشعب الفلسطيني.
كما أن وجود سلطة موحدة في فلسطين سينهي الفوضى وستعيد تذكير الجميع بممارسات الاحتلال الإسرائيلي في غزة، والتي امتدت إلى تشريد الأهالي وتجويعهم وتركهم في مناطق الإيواء يصارعون الموا بدون أي حقوق إنسانية تذكر، فوجود السلطة وتعزيز دورها يؤكد على وجود بوق رسمي يعبر عن أزمة أهالي غزة وضرورة إنقاذهم من الموت المحدق بهم كل يوم، مع أهمية دورها في حشد الدعم العالمي تجاه فلسطين، خاصة من المنظمات العالمية الحقوقية والإنسانية على ما يرتكبه الاحتلال في حق الشعب الفلسطيني.
أيضا، وجود السلطة لها دور كبير في استعادة الاستقرار في الضفة الغربية مجددا، ومن ثم البدء في العمل على القضايا الملحة، كانسحاب الاحتلال من مناطق الضفة بشكل تدريجي، ثم تعزيز الاستقرار بها وبعد ذلك إعادة بناء الاقتصاد من جديد، فيبدوا أن كل ذلك بمثابة أجندة تسعى السلطة الفلسطينية لتنفيذها في الفترة المقبلة.. ولكن هل تعي الفصائل المسلحة أهميتها وضرورة إعلاء مصلحة الوطن على حساب أي شيىء آخر؟!.