حياة المخيمات.. ومقلوبة أهالي غزة
بقلم: مسك محمد
تحولت الحياة في غزة إلى سجن كبير أشبه بالمقبرة ورغم هذا يحاول المدنيين ممارسة حياتهم اليومية، فنجد نازح يطبخ المقلوبة لعائلته وسط الركام والدمار، فبقليل مم أدوات الطبخ البسيطة وحفنة خضروات يعد وجبة إنسانية يطعم بها الأطفال والشيوخ والنساء محاولًا سد رمقهم.
وعلى الرغم من تعود الفلسطينيون على الحروب والنكبات إلا أنهم يحاولون ممارسة حياتهم وسط كوم الحجارة والدمار وفي خيام الإيواء في رفح التي تفتقر أبسط مقومات الحياة، فيوميًا يخرجون في ساعات الصباح لجمع الحطب وأوراق الشجر والبحث عن دقيق أو “طحين” لإعداد الخبز، فيلتف الجميع بما فيهم الأطفال والشباب لإعداد وجبات يومية ويوزعونها على الخيام في مشهد يرسم مدى الوحدة الفلسطينية التي تجسد معاناة شعب يُطرد ويُباد على مرأى المجتمع الدولي.
ويخرج الأطفال من مراكز الإيواء المزدحمة في رفح حاملين ما يسد رمقهم في الأواني، ربما لبضع ساعات فقط حتى يداهمهم الجوع مرة أخرى، فيما تظهر الأمهات لتعد “الكعك” داخل المخيمات لترسم روح التعاون والبهجة بين الجميع، وتعكس روح الحياة التي يمتاز بها الغزيون والتي تشير إلى أن الحرب على الرغم من قساوتها إلا أنها ستظل ذكرى تخلد أنهم متشبثون بالأرض ولا يفرطون في شبر واحد من وطنهم.
شاهدنا عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مقطع فيديو لزواج الشاب الفلسطيني محمد عبدالعال من ابنة عمه “ياسمين” في مدرسة تأوى النازحين فى رفح، والتي أشعلت وسائل التواصل الاجتماعي بعد تداول صور الإشهار بشكل واسع، وهذا إن دل على شيء فيؤكد مدى تمسك أبناء الشعب الفلسطينى بالأمل والحياة رغم القتل والإبادة الجماعية التي يتعرضون لها كل يوم.
ورغم الظلمة التي يعيشها النازحون يظل هناك ضوءًا أبيض في آخر النفق، قد ينبئ بفرحة ورغبة من الفلسطينيين في الانتصار على الاحتلال الغاشم، وذلك بالصمود والثبات على الأرض وزرع بذرة جديدة من جيل جديد مقاوم قادر على تحرير الأرض والعرض من المحتلين.
ربما يعيش النازحون من غزة إلى رفح، وخاصة سكان أحياء التفاح والشجاعية والزيتون والذين يقدر عددهم بـ100 ألف نازح، هربوا من معاناة وحصار إلى خيام تفتقر أبسط ألوان الحياة في مراكز الإيواء، أجواءً صعبة في شهر رمضان الكريم، فبينما يتناول المسلمون حول العالم وجبات رمضان التقليدية والحلويات على الإفطار، يكون حظ أهالي غزة تناول الحشائش والخبيزة ورشفات مياه ملوثة، وقليل من الوجبات التي يعدها الشباب والمكونة من الطحين وقليل من “الطبيخ واللحم” إن وجدت.
هؤلاء النازحين خاصة الأطفال الأبرياء يفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل عليهم بعد أن هجرتهم من بيوتهم ورمتهم وسط الدمار، لكن ربما أكثر ما أضفى البهجة داخل هذه المخيمات، هو استمرار الحياة رغم صعوبتها، فيحتفل الأطفال بقدوم شهر رمضان والعيد، كما يشاركون في إعداد وجبات الإفطار والسحور، فضلًا عن الاحتفال بخطبة أو كتب كتاب، ما يؤكد أنه هناك على أرض غزة ما يستحق الحياة.
مشهد آخر ل “المقلوبة” التي حرص نازح فلسطيني على إعداداها لأطفال المخيمات في رفح، فاستعان بقليل البطاطا أو الجزر أو البندورة وما يتوافر من مكوناتها لمحاولة إسعاد الصغار الذين يتجمعن حولها، ولهذه الوجبة تاريخًا مع الفلسطينيين، فتعتبر رمزًا وسلاحا ضد الاحتلال، فهي متعلقة بتحرير القدس، حيث كان يتم إعداد طبخ أو أكل أو قلب المقلوبة، في القدس والمسجد الأقصى، وهذا يحمل معاني رمزية، وهي قلب المقلوبة على أبواب الأقصى بعد إبعاد اليهود عنه.
ويبدو أنه رغم قسوة الحياة في مخيمات الإيواء، فإن الفلسطينيون يصرون على البقاء على أرضهم دون الاستسلام لسلاح “الموت البطيء” الذي يوجهه الاحتلال صوبهم كل لحظة، ففي النهاية “على أرض غزة ما يستحق الحياة”.
*كاتبة صحفية ومحللة سياسة مصرية