مــمــــــــرات
كتب الكاتب تحسين يقين :
في ظل اقتراب الوصول إلى هدنة لوقف إطلاق النار، مع أنه من المعيب ربطها بإغاثة غزة، فإن الفرصة ستكون مهيأة للبدء بإغاثة شاملة وسريعة، ومنظمة.
وعليه، ولاحقا لما تحدثنا به وآخرون عن تنظيم جهود الإغاثة، نود هنا أن نؤكد أن ذلك الأمر، وحتى يتم بالشكل المطلوب، فإنه يحتاج إلى منظومة تقوده، وتوزعه، وهي حسب المعطيات، لا يمكن أن تتم هكذا، حيث لا بد من أن تدار إما من وحدات خاصة بالإغاثة من الجيوش، أو من وجود قوات أممية، تبني معسكرات ومخيمات، لتقديم مئات آلاف الوجبات الساخنة، قد تصل إلى المليون ونصف المليون، جنبا إلى جنب مع توفير الماء والدواء. ثم بالطبع، البدء في توفير مخيمات قابلة للعيش أشهرا بل وربما سنوات إلى حين تعمير غزة.
لا ينبغي أن يطول الجدل حول أسلوب إدخال المساعدات، بل إدخالها فورا من أي طرق ممكنة، ومنها بالطبع الرمي من الطائرات.
إن غزة الآن تحتاج مساعدات سريعة وكبيرة، وعليه يمكن:
– إدخال الشاحنات بالشكل العادي عن طريق معبر رفح، فيما يتعلق بالمساعدات التي وصلت عن طريق مصر.
– إدخال الشاحنات عن المعابر العادية المحيطة بغزة، كما كان سائدا من قبل.
– أما عن طريق البحر، وما دام الأمر متعلقا بتقديم مساعدات، فيمكن للسفن القادمة الى غزة الوصول إلى أماكن قريبة من الشاطئ، بما يحافظ على سلامة السفن، ومن ثم نقل المؤن من خلال قوارب إلى الشاطئ. مثال ذلك “السفينة القادمة من قبرص إلى غزة، التي حملت 180 طناً من المواد الغذائية مقدمة من منظمة المساعدات الدولية، على قاطرة تحمل بارجة، ستصل السفينة إلى وسط القطاع إلى نقطة معدة ميدانيا. وهناك ستقترب القاطرة قدر الإمكان من المياه على بعد حوالى 400 متر من الشاطئ”.
– كذلك، وفي حالة وجود قوات أممية، وهي الأفضل لضمان استمرارية تنظيم المساعدات، فيمكن استخدام المروحيات، لتقوم بنقل المساعدات إلى مناطق مختلفة داخل قطاع غزة، ويمكن الاتفاق بشأن تنظيم ذلك إن صفت النوايا.
من المؤمل أن تتحول الهدنة المرتقبة، إلى وقف دائم لإطلاق النار، للبدء بوضع خارطة عمل واضحة المعالم تتعلق بالإعمار، في ظل توفر الدعم السياسي العربي والدولي، لإدارة غزة فلسطينيا، بما يتفق عليه الفلسطينيون، وليس هناك من يخالف ذلك، بمعنى أن إعداد الحكومة الجديدة، سيكون أحد مفاتيح الإعمار، حيث من المنتظر فعلا وجود ترحيب عالمي بهذه الخطوة. حيث سيكون بإمكان الأطراف الفاعلة الدولية والإقليمية المضي قدما في دعم غزة وإعمارها. في هذا السياق، نقرأ ترحيب وزير الخارجية البريطاني ديفيد كاميرون، بتكليف الدكتور محمد مصطفى تشكيل الحكومة الجديدة؛ فقد قال كاميرون في منشور على منصة “إكس”: “إن تشكيل حكومة فلسطينية جديدة للضفة الغربية وقطاع غزة، مصحوبة بحزمة دعم دولية، يشكل أحد العناصر الحيوية لتحقيق سلام دائم”.
وبالطبع يدعم ذلك أن مؤسسات السلطة الوطنية أصلا موجودة، ويمكن أن تتحمل مسؤولة تقديم الخدمات المدنية والشرطية.
لقد صار من شبه المؤكد، أن يتم السير في الطريق السياسي مستقبلا، حيث إن الدول التي ستدعم جهود الإعمار تشترط ربط ذلك بالبدء في تنفيذ حل الدولتين، وهو ما مجمع عليه عالميا.
لن يفيد أهل غزة متابعة جدل الخلاف الإعلامي بين بايدن ونتنياهو، ولا تحليل مستويات صناع القرار في الولايات المتحدة وإسرائيل، بل ولا ما كشفته صحيفة “فايننشال تايمز” البريطانية عن أن الولايات المتحدة أجرت محادثات سرية مع إيران هذا العام في محاولة لإقناع طهران باستخدام نفوذها على جماعة أنصار الله الحوثيين في اليمن لإنهاء الهجمات في البحر الأحمر.
لن يسدّ ذلك لا الجوع ولا العطش، ولن يخف ذلك الألم، فما ينفع الشعب هناك هو وقف الحرب عليه؛ فقد كانت الحرب في معظمها على المدنيين وممتلكاتهم وأرضهم ونباتاتهم ومزارعهم.
أمام كل يدّ فيها نبض إنساني أن تسرع في إنقاذ أهل غزة، لأن ذلك سيمنح الأمل ليس لهم فقط، بل لشعوب العالم، التي أصبحت أقل ثقة بالنظام الدولي برمته.
لنفتح معا، ممرات الإغاثة من كل مكان ممكن، لأن ذلك سيشجع مستقبلا فتح ممرات طال إغلاقها على الأرض وفي المواقف السياسية وفي النفوس.
إن فتح ممرات آمنة لإدخال المساعدات لمحتاجيها في قطاع غزة، سيمنح المتبرعين فرص تقديم تبرعاتهم، ما يعني البدء بالخطوة الأولى وهي الخطوة والهدف الأساس: البقاء، لأنه أريد لشعب غزة غير ذلك.
أما ما يتم التحدث عنه من سياسات استعمارية تجاه غاز غزة، فهو الآن ليس الحديث المناسب فعلا، فإن كان هناك غاز، فمن الطبيعي أن يتم استخراجه من خلال آليات إدارية ومالية وفنية، ويتم تصديره لمن يرغب، فالمسألة عادية جدا، فلا يمكن الآن أن يستولي عليه أحد، فهو سيكون من مسؤولية الشعب الفلسطيني. كما إن ما يتم الحديث عنه من قنوات بحرية وطريق حرير، فإنه ليس منطلقا لوقف الحرب وإنهاء الاحتلال.
نحن بحاجة لنفتح دوما ممرات للتفكير، والشعور، توصلنا إلى العقول والقلوب؛ فخلاصنا مما نحن فيه يعني أولا إعادة الاعتبار للعوامل الذاتية، وتحمل المسؤولية بشكل جديد مستقبلا، والظن أن النخب القائدة تعرف الطريق.
بعد كل هذه التضحيات، لم يعد من المقبول أن تكون ممارساتنا وسلوكنا السياسي بعد السابع من أكتوبر كقبله. صرنا بحاجة ماسّة لروافع وطنية تبني وتعمر، وتستجيب للحاجات الحقيقية، مرتبة الأولويات وفق مقتضياتنا.
ولعل الحكومة الجديدة القادمة الموصوفة بالتكنوقراط، تتحمل هذه المسؤولية، من خلال دعمها وطنيا من قبل فصائل العمل الوطني والإسلامي.
كل شيء هنا مهم، والأهم البدء في العودة التدريجية إلى الحياة اليومية في قطاع غزة، لتأمين الحد الأدنى المقبول من الحياة الكريمة، عبر تحرك سياسيّ يضمن انتهاء الحرب إلى غير رجعة.
ينتظرنا الكثير ما بعد وقف إطلاق النار، وعلينا ما نفعله، فلا وقت لنضيعه، ومن الضروري العمل على تسهيل مشاركة المحافظات الشمالية في الضفة الغربية في إغاثة غزة، جنبا إلى جنب مع أشقائهم هناك. ولعل مبادرة الجامعات في الضفة الغربية فيما يخص طلبة الجامعات في غزة، مبادرة وطنية ذكية في الإغاثة التعليمية، باستخدام التعليم عن بعد، وسيتم كذلك البحث عن أقصر الطرق في إغاثة طلبة المدارس في غزة، باستخدام الخيام التعليمية.
كذلك، فإن مستشفيات الضفة الغربية يمكنها تقديم الخدمات الطبية العلاجية، باستقبال الجرحى والمرضى، من خلال جهود الصليب الأحمر الدولي في ضمان التنقل.
من القطاعات الحيوية التي يمكن أن يستأنف العمل فيها، القطاع الزراعي النباتي والحيواني، خاصة بعد عمليات تجريف الأراضي الزراعية، مع ضمان خلوها من المتفجرات.
ويمكن للدول العربية وغيرها استيعاب الغزيين للعمل فيها، فكل غزيّ سيجد فرصة عمل خارج وطنه، سيستطيع دعم أسرته لتظل وتبقى.
إنها ممرات ضرورية وطنيا وقوميا، وآن الأوان ألا تترك فلسطين وحدها، إنه الفعل النبيل قوميا وعالميا، لعل ذلك يكفّر ذنب من لم يقوموا بواجبهم في وقف الحرب التي بولغ في القتل والتدمير فيها دون مبرر. لقد صار إنهاء الاحتلال حاجة عربية وعالمية ملحة، لأن استمرار الاحتلال سيعني حروبا جديدة تطال بلادا متعددة. ولأن الكل ممتلئ بالسلاح، فستدفع الشعوب أثمانا كبيرة، لذلك، فإن كل من هو منحاز للحياة، عليه جعل إنهاء الاحتلال قضية شخصية، وهذا هو الممر الوجودي الإنساني الأكثر ضرورة ونبلا.