بقلم: حمزة حماد
صحفي من غزة
«اغضب على وطنك واحزن، وازعل إذا ساءت شؤونه، وهاجر إذا ضاق الوطن بيك، بس لا تكرهه ولا تخونه». لقد جاءت هذه المقولة للشاعر الراحل كريم العراقي وصفًا حيًا لحالة المعاناة والقهر والظلم التي يعيشها الشباب في قطاع غزة جراء الأزمات المتفاقمة، والتي أدت إلى زيادة معدل الهجرة وحالات الانتحار خلال بحثهم عن الحياة الكريمة والآمنة.
وأمام تردي الأوضاع المعيشية في القطاع وتزايد الضغوطات النفسية بسبب الحالة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الصعبة التي حرمت الشباب من ممارسة حقوقهم المشروعة، تناول النشطاء والصحفيين عبر منصات التواصل الاجتماعي هذه القضية باعتبارها تهديدًا سيجعل المجتمع أكثر خطورة في المستقبل القريب، مما يستدعي تدخل وطني وحكومي ومؤسساتي، ليتمكن الفرد من بناء مستقبله وممارسة حقوقه داخل وطنه.
أصبح المشهد الغزي أكثر تعقيدًا إزاء فقدان الأمل لدى الشباب وانسداد الأفق، هؤلاء الذين سئموا الشعارات الوطنية التي يستخدمها أطراف الانقسام أصحاب «السلطة المطلقة» لتحقيق مصالحهم الفئوية والحزبية والشخصية.
حيث تعددت العوامل المُهددة لحياة الشباب ومستقبلهم، إلى أن أصبحت تُشكل مقصلةً على رقاب هذه الفئة التي تعد عمادًا للوطن، بدءً بسياسات الاحتلال الفاشية وحصاره لقطاع غزة منذ سنوات، مرورًا بالانقسام الأسود، وصولًا للسياسات الحكومية الخاطئة التي تنتهك حقوق المواطن، فالهجرة من وجهة نظرهم هي الخيار الأنسب وهذا حقهم، طالما بقي الانقسام مُغذيًا لجيوب الانقساميين الذين ينتفعون من هذا الواقع، وما زالوا صامتين أمام نداءات مكونات الشعب بضرورة استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام المدمر.
الخطير أن قرار هجرة لا يخدم سوى الاحتلال الذي يشن حربًا واسعةً ضد شعبنا، كما بات يُتخذ ويُنفذ عن قناعة راسخة لدى الشباب بعد أن تحول قطاع غزة إلى مُستنقع للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، دون الاستجابة لصوتهم على مدار أعوام من الحراكات المطلبية لتقديم حلول جذرية لأية مشكلات يعانون منها وتلبي أدنى مُتطلبات العيش الكريم.
هذه المظاهر السوداوية جزءًا من التحذيرات التي أطلقتها الأمم المتحدة خلال العامين الماضيين، حين أعلنت أن قطاع غزة لن يكون مكانًا ملائمًا للعيش، حيث كشف تقرير للجزيرة في شهر مارس2023، أن أكثر من 378 شخصا لقوا مصرعهم أو فقدوا في أثناء محاولتهم الهجرة من غزة منذ عام 2014، وتوفي 3 حتى الآن في عام 2023م، كما ذكرت إحصائيات الأمم المتحدة أن أكثر من 2700 فلسطيني وصلوا إلى اليونان عن طريق البحر في عام 2022م، وأن نسبة البطالة بين شباب غزة تصل لـ70%. في حين أوضح محللون أن قرابة الـ10% يحصلون على وظائف من مجموع خريجي كل عام، علمًا أن نسبة البطالة العام الماضي قد بلغت 48%، بواقع 28% في الضفة الغربية و74% في قطاع غزة.
وذكرت تقارير نُشرت مطلع هذا العام، أنه حتى عام 2021م غادر القطاع أكثر من 860 ألفاً من دون عودة، قضى بعضهم في حوادث غرق لقوارب الهجرة غير الشرعية، وأن 6 من كل 10 عائلات في قطاع غزة تعاني انعدام الأمن الغذائي بحسب مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية «أوتشا»، وأن معدل الفقر وصل إلى 64%، وقرابة80% يعتمدون على المساعدات الإنسانية، إضافة إلى مشكلات تلوث المياه وانقطاع الكهرباء وانتشار الأمراض، واختفاء الأدوية والأجهزة الطبية.
مثلما تقع المسؤولية على الشباب في مواصلة انتزاع حقوقهم، أيضًا تقع مسؤولية أخلاقية ووطنية على المؤسسات والاتحادات والأحزاب في تبني هذه القضايا والدفاع عن هؤلاء المظلومين، الذين زهقت أرواحهم وهم أحياء، ويرون الموت ألف مرة، بل باتوا يعانون من أمراض نفسية واجتماعية، فهل مطلوب الانتظار أكثر وأكثر كي نعتاد على خبر الانتحار وكأنه خبرًا عاديًا؟
يُشهد للشباب الفلسطيني أنه صبور وطموح وقادر أن يتحدى الصعاب لكنه بحاجة إلى قرار جريء من ولاة الأمر في غزة والضفة، من خلال تقديم حلول اسعافية تخفف من حدة الأزمات الموجودة وتمنحهم فرصة البناء في وطنهم دون اللجوء للهجرة أو الانتحار هربًا من مواجهة الواقع، لا أن يتم زيادة الضغط عليهم من خلال سياسات مدمرة تجعلهم يغادرون الوطن حبًا وطواعية.
فآن الأوان لإنهاء الانقسام السياسي وتوفير فرص عمل للشباب وتطبيق سيادة القانون نحو تأمين الحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، والعمل الجاد على إنشاء صندوق وطني للشباب، وعودة الكفاءات العلمية لأرض الوطن، وهذا يتحقق عبر خطة إستراتيجية وطنية داعمة للشباب من أجل بناء مجتمع قادر أن يحقق أهدافنا الوطنية العليا في الحرية والعودة وتقرير المصير.