ذي نيشين : على أمريكا التدخل ومنع إسرائيل من تحويل غزة إلى مقبرة جماعية بدون شاهد قبر
لندن – المواطن
لندن – “: نشرت مجلة “ذي نيشن” تقريراً أعده جيمس بامفورد أشار فيه بدايةً إلى لوحة برتقالية أمام جدار مكهرب: “ممنوع المرور، التعدي على الجدار أو لمسه خطر على حياتك”، و”هو ما لا يترك مجالاً للشك: المسه وستموت”. وتقع اللوحة أمام جدار إسمنتي طوله 40 قدماً، ويمتد على طول 18 قدماً، وعزز بأسلاك شائكة في الجزء العلوي منه، وبدت وكأنها تاجٌ من الأشواك، و”تقع خلف أبواب الجدار المكهرب جدران سجن ومجموعة من بالونات الرقابة والمراقبة العسكرية وأبراج المراقبة والدبابات والمسيّرات عند مدخل مدينة رفح في أقصى جنوب غزة”.
ويقول بامفورد إن نقطة الدخول هذه تقع في مصر، ولكن من يسيطر عليها هي إسرائيل، وأصبحت “بوابة الجحيم، ومعسكر احتشاد ضخم في القرن الحادي والعشرين، يزدحم فيه أكثر من مليون شخص محطمين وجياع ومغتصبين من الأطفال والمواليد الجدد والنساء الحوامل والمرضى والكبار في العمر ومن هم على حافة الموت. وهو محتشد دفع الجياع من المدنيين للبحث عن الكلاب والقطط الضالة في الشوارع لكي تكون طعاماً، وذلك حسب منظمات الإغاثة التي زارت المكان”.
ففي كانون الأول/ديسمبر، توقعت الأمم المتحدة مواجهة كل سكان القطاع 2.2 مليون نسمة نقصاً حاداً في الطعام، بحلول شباط/فبراير 2024. وهو أكبر عدد من سكان العالم يواجه انعدام الأمن الغذائي تم تسجيله على الإطلاق.
وفي نهاية شباط/فبراير، وفي غياب التحرك من الولايات المتحدة أو أي دولة، فقد تدهورت الأوضاع لدرجة أصبح فيها 576,000 شخص في غزة على بعد “خطوة من المجاعة”.
وفي 27 شباط/فبراير، وصل عددُ الضحايا 30,000 معظهم من الأطفال النساء الأبرياء.
ويقول الخبراء إن هناك عدداً كبيراً لم يتم إحصاؤه بسبب صعوبات البحث عن الجثث تحت أنقاض البنايات المحطمة ودفنها. وفي نفس اليوم أخبر منسق الشؤون الإنسانية راميش راماسينغام مجلسَ الأمن الدولي أن واحداً من كل ستة أطفال في غزة، وتحت سن العامين، يعاني من “نقص حاد في التغذية، ويذبلون، حيث يصبح الجسد هزيلاً”.
وبعد يومين، في 29 شباط/فبراير، انفجر الجوع والقمع القاسي بقوة، مخلفاً 112 شخصاً و760 جريجاً، في إشارة لمجزرة الطحين التي فتح فيها الجيش الإسرائيلي النيران على الذين تجمهروا حول قافلة مساعدات.
وقال يحيى المصري، الطبيب في مستشفى الشفاء: “لقد وصلنا إلى حالة المجاعة والوضع لا يمكن وصفه” وقالت منظمة “هيومان رايتس ووتش” في تقرير لها نشرته في كانون الأول/ديسمبر: “تستخدم الحكومة الإسرائيلية تجويع المدنيين كوسيلة حرب في قطاع غزة، وهو جريمة حرب”، و “تقوم القوات الإسرائيلية وبشكل متعمّد بمنع وصول المياه والطعام والوقود، وتعمل في الوقت نفسه على عرقلة المساعدات الإنسانية، وتدمير المناطق الزراعية وحرمان المدنيين من الأدوات الضرورية للنجاة”.
وأضافت المنظمة الحقوقية أن هذه السياسة تجد دعماً وموافقة من القيادة الإسرائيلية العليا. والسؤال هل يمكن وقف إسرائيل قبل أن تتحول غزة إلى مقبرة جماعية بدون شاهدة قبر؟
ويشير الكاتب إلى أن الحصار بدأ في 9 تشرين الأول/أكتوبر 2023 عندما أعلن وزير الدفاع يواف غالانت: “نحن نقاتل حيوانات بشرية”، وعليه “أمرت بحصار كامل على قطاع غزة، ولن يكون هناك كهرباء ولا طعام ولا وقود وكل شيء مغلق”.
وأصدر وزير الطاقة يسرائيل كاتز، حينذاك، أمراً “بقطع مباشر للكهرباء عن غزة”. وفي الوقت الذي قصفت الطائرات الإسرائيلية معبر رفح أكثر من مرة، يعرف عن غالانت أن لديه نزعة انتقامية ضد الفلسطينيين. ووجد تحقيق سابق للأمم المتحدة أن القوات الإسرائيلية تحت قيادته في غزة قامت بـ “تصميم حملة عقاب وإهانة وإرهاب السكان المدنيين”. وبعد فرض الحصار مباشرة أجبر أكثر من مليون مدني وتحت تهديد السلاح على مغادرة قراهم وبلداتهم ومدنهم في شمال غزة. وفرّ الكثيرون مشياً على الأقدام وليس عليهم سوى ملابسهم الممزقة، حيث حذرت الأمم المتحدة من أن هذا سيقود إلى “تداعيات إنسانية كارثية”. وبدلاً من السير نحو الأمان فقد مضوا نحو مصيدة موت، حيث قاد غالانت “حيواناته” نحو رفح، وهي بلدة صغيرة، وعرضهم لقصف دائم ليلاً ونهاراً وقتل منهم المئات.
وفي ليلة 11 شباط/فبراير، قامت إسرائيل بسلسلة من الغارات الجوية أدّت لمقتل 67 شخصاً، ودمّرت 14 بيتاً وثلاثة مساجد. وفي مناطق أخرى قتلت العائلات، بمن فيها من كانت تحمل الرايات البيضاء وبدم بارد. ووجد الناجون من القصف أنفسهم أمام منظور الجوع، حيث تناولوا الأعشاب وشربوا المياه الملوثة، ذلك أن القوات الإسرائيلية قصفت مراكز إمداد الطعام والمخابز ومحطات معالجة المياه. وتوقفت الكهرباء ما أدى لتوقف إنتاج الطعام. وقالت منظمة “سيف ذا تشيلدرن”، يوم الأحد، إن العائلات “أجبرت على التفتيش عن الطعام في ما تركته الفئران، وتناولت الأعشاب”. وقالت أسماء، وهي أم لأربعة أطفال، لصحيفة “هآرتس”: “نموت ببطء”، و”لم أتناول أي شيء منذ يومين، وأشعر بالعطش طوال الوقت، لا يوجد مياه صالحة للشرب ولا غاز ولا طعام. ونصحو كل يوم، ونسأل إن كنّا سنموت من الجوع أو القصف”.
وفي كانون الثاني/يناير، أشار تقرير للأمم المتحدة أن ربع سكان غزة يعيشون في “ظروف كارثية”، وهو أعلى مستوى لانعدام الأمن الغذائي، حيث هناك “نقص حاد في الطعام، وجوع، وعدم توفر الإمكانيات”.
وبنهاية شباط/فبراير، وصل عدد الأطفال القتلى إلى 12,500 نتيجة للقصف والجوع ونقص التغذية. ومات 16 طفلاً في الأيام الأخيرة بمستشفى كمال عدوان، نتيجة الجوع وسوء التغذية. وقالت أديل خضر، مديرة اليونيسيف في الشرق الأوسط: “الآن، أصبح موت الطفل الذي خفنا منه هنا، أمامنا، وهناك احتمالات للمزيد، إلا إذا توقفت الحرب، وأزيلت المعوقات أمام المساعدات الإنسانية”.
واتهمت أغنيس كالامار، المديرة التنفيذية لأمنستي انترناشونال، السلطات الإسرائيلية بـ “هندسة المجاعة” في قطاع غزة، وقالت: “كانوا يعرفون النتيجة لأفعالهم، ولكنهم واصلوا عمل هذا على مدى الأسابيع والأشهر”.
وانهارت المستشفيات التي داهمتها القوات الإسرائيلية وأطلقت النار عليها، حيث قال مارتن غريفيثز: “تنتشر الأمراض المعدية في المخيمات المزدحمة”.
وقال مايكل فخري، المقرر الخاص لحقوق الإنسان: “المجاعة أصبحت قريبة في الزاوية”. ولا غموض عندما يتعلق الأمر باستخدام التجويع كوسيلة غير قانونية في الحرب. وبحسب ميثاق روما الذي أنشأ محكمة الجنايات الدولية، فإن تجويع المدنيين بشكل متعمد و”حرمانهم من الأشياء التي تعتمد عليها حياتهم، بما في ذلك العرقلة المقصودة لمواد الإغاثة” جريمة حرب خطيرة.
واستخدم النازيون هذا السلاح أثناء الحرب العالمية الثانية، في ما عرف بـ “خطة الجوع”، وبدأت بإجبار أسرى الحرب السوفييت على الجوع حيث “حشدوا في مخيمات كبيرة بدون عظاء، ومات أكثر من 1,3 مليون منهم في أربعة أشهر بعد الغزو، وحوالي 2,5 مليون ماتوا بهذه الطريقة مع نهاية الحرب”، بحسب أليكس دي وال مدير مؤسسة السلام في جامعة تافتس.
وفي مقال نشرته مجلة “لندن لمراجعة الكتب” قال إن “خطة التجويع هي جريمة حرب تقارن بطرق عدة مع الحل النهائي. وبالتأكيد، فالتجويع القسري كان واحداً من أدوات الهولوكوست. ومات 80,000 يهودي جوعاً في غيتو وارسو”.
ويجب منع إسرائيل الآن، وخاصة أنها تواجه اتهامات جرائم حرب في محكمة العدل الدولية وجرائم أخرى. والخطوة الأولى هي النظر إلى استخدام حكومة نتنياهو المستمر للجرائم الذي ارتكبت ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية كمبرر لقتل الفلسطينيين. وقالت المعلقة في صحيفة “هآرتس” كارولينا لاندزمان: “لا يزال العالم يعيش أسيراً لعقدة الذنب التاريخية تجاه إسرائيل بدون فهم أن هذا قد انتهى. فقد انتهى عهد الهولوكوست”. وأضافت: “أصبح الفلسطينيون هم المعذبون في الأرض، وليس حماس، فلا أحد يشفق على حماس. 30.000 ضحية فلسطيني وتدمير غزة هي المناسبة”. والطريقة الوحيدة لوقف الحرب هي قيام الولايات المتحدة بوقف الدعم العسكري الضخم وغير المشروط وتقديم القنابل بمليارات الدولارات واستبدالها الجزر الماسي بعصي قوية: عقوبات ومقاطعات وعزلة.
ومع تورط إسرائيل عميقاً في رمال غزة، أظهر تحليلٌ لمجلة “تايم” الأمريكية، في كانون الثاني/يناير، أن الدعم لإسرائيل على مستوى العالم بمعدل 18.5%، وذلك ما بين أيلول/سبتمبر وكانون الأول/ديسمبر، ويتراجع في 42 من 43 دولة شاركت في الاستطلاع.
وفي استطلاع “نيويورك تايمز/سيينا”، بنفس الشهر، كشف أن الجيل الشاب الأمريكي، الذي سيحتل يوماً مقاعد في الكونغرس والبيت الأبيض، لا يريد أي شيء له علاقة بإسرائيل.
وكشف عن تعاطف كبير مع الفلسطينيين (47%) مقابل (26%) مع إسرائيل. وإن لم تبدأ إسرائيل بتغيير مسارها، كما فعلت جنوب أفريقيا في القرن الماضي، فإن الدولة اليهودية تسير لكي تصبح دولة منبوذة في عيون الكثيرين في الولايات المتحدة وبقية العالم، إن لم يكن هذا قد حدث أصلاً.