أخــبـــــار

فرحة العمر ابتلعتها ساعات الانتظار الطويل على الحاجز

نابلس- المواطن

مدلين خلة

بكامل زينتها وردائها الأبيض خرجت من بيت والدها، على صوت أهازيج شعبية وزغاريت وأصوات البوق والطبلة تضج عاليا، الأم فرحة وترحب بالضيوف والأقارب بمن جاءوا لمشاركة صغيرتها فرحة عمرها، الأب والأخوة والجيران جميعهم ارتدوا ما يليق بهذا الفرح من لباس شعبي وتأهبوا للمشاركة في “زفة العروس”.

منذ عام ومن لحظة أن وضع المحبس في بنصر يدها اليمين وهي تعد الخطط وتسهر الليالي وتفكر بينها ونفسها كيف ستكون هذه الليلة؟ هل ما يقال في الكتب والقصص الخيالية صحيح؟ ترى هل سيأتي لبيت والدي على حصان أبيض؟ أم سيل من السيارات الفارهة؟ تصرح في خيالها وحلمها الذي تحلم به كل فتاة وجمال تلك اللحظة.

تعلقت كثيرا ورسمت يوما لن يكون مثيل له، ولن يقدر أحدا على صنع مثله، ليس من نسج خيالها بل من وعودات من اقترن قلبها بقلبه وستصبح بعد فترة وجيزة “زوجه”، محادثات طويلة ليلا ونهارا وهما يخططان كيف ستكون “ليلة العمر”.

تسارعت الأيام والساعات وجاء اليوم المنتظر من سنين، استيقظت صباحا وكانت قد أرسلت ملابسها “جهاز العروس”، إلى بيت الزوجية، تنظر على يمينها وتلقي نظراتها الأخيرة في بيت والدها الذي كبرت وترعرعت به، تعلمت به كيف ستعامل زوجها وبيت أهله، لحظة حملت في قلبها إلى جانب الفرحة الكبرى غصة وألم بوجع الرحيل عن والدها ووالدنها.

إلى أين اليوم يا عائدة؟ تجيب بصوت فيه من الخجل والحياء، اتفق والدي ووالد “راسم” أن تكون “الصمدة” الفرح في بيت فوريك، لازم نتجهز بكير عشان “لان” بدنا نمشي مسافة 50مترا من بيتنا لبيت راسم وفي حواجز وما بنعرف “لا ندري” شو ممكن يصير.

ساعات قليلة على اللقاء المنتظر والفرحة الكبرى، خرجت السيارات وتزينت بالورود والأشرطة اللامعة والأكاليل تعلو الأناشيد والأغاني الشعبية التصفيق والزغاريد، وسار الموكب من منزل عائدة خطاب متجها لبيت العريس راسم خطاطبة، ولكن دون علم بما سيجري لهم.

تمنوا أن يكون فرحهم لا مثيل له فكان ما تمنوا فما أن وصلت العروس وأهلها إلى الحاجز ما بين نابلس وبيت فوريك فوجدوه مغلقا في وجه المارة ذهابا وايابا، يمنع لاي أحد من المرور، هذا ما لم يتوقعه أحد ولم يكن بالحسبان نهائيا، ماذا سيحدث الآن؟ محاولات عديدة للسماح بمرور موكب الفرح ولكن دون جدوى، إيجاد طريق بديل يربط العروس بعريسها، عبثا جميع المحاولات فهذا هو الطريق الوحيد.

جلست في سيارتها على الحاجز وأخذت تنتظر أن يفتح ولكن دون جدوى، وقع نظرها على ساعتها المزخرفة على معصم يدها، يا الهي إنها الثالثة لدينا موعد مع جلسة التصوير ويجب ألا نتأخر وإلا ستلغى، تواصلت مع عريسها الذي اعتذر عن الحضور وطالبها بعقد جلسة التصوير بمفردها وأن “رنلي وحكالي تصوري وانبسطي وما تنكدي ولا تزعلي”.

الساعة الآن الرابعة، الخامسة، انتظرنا على الحاجز على أمل أن يفتح أمامنا بالساعة ال6 كما قالوا لنا إلا أن الوقت تجاوز السادسة والسابعة، “يمكن رن علي أكثر من ألف مرة يتطمن عن وضعي، وحكالي كمان شوي بفتح الحاجز، وقبل ما نوصل القاعة بنعيد التصوير عنا بالبلد… والحاجز ما فتح .. رجعت عبيتنا.. استقبلت قرايبي.. الكل حكالنا رح يفتح الحاجز عالـ6، والـ6 صارت 7، وظلينا للـ11 عالحاجز”.

لم يعد هناك مجال لاقامة حفل العرس كما كان مخطط لقد انقضى الوقت ودخلت الساعة على منتصف الليل، حتى بدأ الجميع حولي بإقناعي والضغط علي لتأجيل حفل الزفاف، “انتظرت طويلا قبل أن أقرر العودة لمنزل والدي، لكني كنت مصرة على عدم التأجيل، وبقيت بفستان الزفاف إلى الواحدة فجرا، عندما قدم راسم واصطحبني إلى منزلنا في بيت فوريك”.

لم تكن ليلة زفاف عائدة خطاب الأولى لها في انتزاع الاحتلال لفرحتها فقد قامت بتأجيل حفل الحناء الذي قرر عقده يوم الأربعاء الماضي، إلى يوم السبت، احتراما لدماء الشهداء الذين ارتقوا برصاص الاحتلال خلال اقتحامه لنابلس الأسبوع الماضي”.

التقت عائدة بعريسها خطاطبة بمراسم استثنائية ربما هي الأولى ولكنها لن تكون الأخيرة فطالما هناك احتلال يجب الاعتياد على كافة السيناريوهات الذي يأبى إلا أن ينغص علينا فرحنا في كل وقت”.

راسم لم يترك عائدة بحزنها على ضياع ليلة عمرها فقد كتب على صفحته على مواقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، “ياجماعة احنا مصيبتنا كانت أقل بكثير من مصائب غيرنا ..في ناس انحرقت دورهم… وبنات جامعة لل2 لحتى قدرو يدخلو بيوتهم ومرضى لولا شوي توفوا على الحواجز.. وكثير كثير قصص.. بنشكّر كل حد تواصل معنا وعرض علينا عرس أو قاعة، وطبعا انا رح أعوض العروس بجلسة تصوير ما صارت.. وبشهر عسل”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى