أقلام

غلق معبر كرم أبوسالم.. “إسرائيل” تقتل غزة بإسفكسيا الغرق

فادي حمدان الصاوى

كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لندن

عندما تدفع بمن أمامك نحو الحائط فلا تنتظر منه سوى المقاومة.. قاعدة مبسطة يبدو أن إسرائيل تجهلها أو تتجاهله عن عمد أو غرور في السياسة التي تتبعها تجاه قطع غزة أو القضية الفلسطينية عموما، لتدفع بالمنطقة كلها نحو اشتعال جديد بسبب قراراتها غير الإنسانية
فسنوات الحصار والقصف الذي فرضها الكيان الصهيوني على قطاع غزة لم ترضي الغرور الإسرائيلي لتدفع بمزيد من القرارات العنترية غير المحسوبة ( سواء على مستوى النتائج أو التطبيق) إلى الساحة دون أن تدرك حجم رد الفعل الذي ستولده، ونحن هنا نتحدث عن إغلاق معبر كرم أبو سالم شريان قطاع غزة الاقتصادي

معبر كرم أبو سالم كان بالنسبة لسكان القطاع الذي يعانون من حصار اقتصادي مضروب عليهم منذ 2007 هو شريان الحياة الوحيد ومن خلاله يستطيعون تصدير بضائعهم إلى المدن المحتلة القريبة منهم مقابل أموال قليلة بالكاد تكفيهم للتشبث بالحياة

وبقرار غير مدروس وعنجهية منقطعة النظير قرر الكيان الصهيوني غلق معبر كرم أبو سالم بحجة العثور على كمية من المتفجرات الموجودة بالقرب منه، وهي الحجة التي وصفتها وزارة الاقتصاد في غزة بالواهية

المدرك للأرقام لن يحتاج الكثير ليدرك حجم الكارثة التي تلقيها إسرائيل بقرارها على القطاع، فعدد السكان بالداخل قرابة الـ2 مليون شخصًا، يصدرون القليل من المنتجات الزراعية والبضائع للجوار، ويحصلون على الأموال لتدبير نفقة الحياة داخل قطاع محاصر برا وبحرا، لصير أشبه بالجزيرة المعزولة .. فماذا لو قطع الممر الوحيد المتبقي لهم
والأرقام أيضا تخبرنا أن حجم عمليات التصدير والاستيراد لسكان القطاع من خلال المعبر بلغت قيمتها نحو 134 مليون دولار، أغلبها متمثل في المنتجات التي تخرج منه سواء عن طريق التجارة أو المنتجات الزراعية.. فماذا لو قطع الممر الوحيد المتبقي لهم
إسرائيل بررت خطوتها عن طريق بيان لوزارة الدفاع قالت فيه بانها لن تسمح بأن تتحول القناة المدنية والإنسانية في قطاع غزة آداة لتعزيز الأعمال المعادية لها

فإسرائيل – بحسب التصريحات الصادرة منها – تدرك أهمية المعبر الإنسانية بكونه المتنفس الوحيد لسكان القطاع إلا أنها تصر على عدم فتحه إلا عندما يحلو لها، لإثبات أنها الطرف الأقوى أمام طرف في الأساس محاصر ومعزول عن محيطه كله

أمريكا الشاهد الذي لا يرى

والغريب في الأمر أنه حتى الآن لم نرى أي مناشدات دولية لتل أبيب لكي تتراجع عن القرار المتعمد بقتل القطاع المتداعي من الأساس، والذي أنهكته سنوات الحصار والقصف، وأصبح كل أحلام سكانه أن يحصلوا على أموال تكفيهم لإطعام أسرهمفرغم المناشدات الفلسطينية العديدة للحكومة الأمريكية بالتدخل للوقوف بوجه الكيان الصهيوني المحتل إلا أن أمريكا وكعادتها تواصل سياسة التجاهل، وعدم الالتفات لأي من الأفعال الإسرائيلية إلا بعد فوات الأوان

القيادة الأمريكية قد تكون تغيرت على راس السلطة من الجمهوريين إلى الديمقراطيين إلا أن السياسات المتبعة تجاه تل أبيب لازالت واحدة لم تتغير مطلقا، فالرئيس الأمريكي لم يضغط حتى لفك حصار القطاع المفروض لسنوات حتى وإن كان بدافع من الإنسانية التي يبدوا وأنها موجودة في البيانات الرسمية فقط أما بأرض الواقع فمجرد أحلامولكن مع انتهاء المركزية الأمريكية في صنع القرار العالمي مع تنامي بارز للمحور الروسي الصيني كلاعب جديد على الساحة، يجب أن يكون لدى القيادة الفلسطينية الانفتاح الكافي للبحث عن داعم ليقف إلى جوارها في وجه التعنت الإسرائيلي، خاصة وأن دعم واشنطن للكيان الصهيوني غير مشروط
وعلى مدار السنوات الماضية فقد أمريكا دورها كوسيط للسلام بالشرق الأوسط بعدما فشلت في كبح جماح إسرائيل في أكثر من قرار تسبب باشتعال الأوضاع انفجار قريب بوجه الاحتلال

وبعد مرور الأيام الثلاثة الثقال على سكان القطاع اندفعت التصريحات الفلسطينية المحذرة مما يحدث لأهله من حصار، ومن دفع الوضع في الداخل المحتل نحو اشتعال لن يحمد عقباه ولكن أحدا قادرا على إيقافه أو استيعابه، وهو السيناريو الذي لا يريد أحد أن يحدث

فعلى لسان الاتحاد العام للصناعات الفلسطينية بالقطاع وصف القرار الإسرائيلي الأخير بأنه عقاب جماعي لسكان غزة وأن الأوضاع الاقتصادية لأهالي المخيم أصبحت في خطر داهم يزيد من تدهورها بفعل الحصار الأكبر

ولفت إلى أن غلق المعبر سينعكس بالطبع على المصانع العاملة بداخل القطاع المنهك، وبالتالي تسريح عدد من الأعمال لترتفع نسبة البطالة المرتفعة من الأساس في غزة كقطع الأحجية المتكاملة تندفع إلى جوار بعضها البعض لترسم صورة لانفجار المشهد دافعها الأول انقطع مصدر الحصول على القوت اليومي، لتتحطم أمام الجوع والفقر كافة القرارات، ويندفع كل شخص للحصول على ما يريد بقبضة يده

وتخبرنا الأرقام من جديد بان البطالة داخل القطاع المحاصر وصلت إلى 48% من إجمالي السكان المتواجدين بالداخل المحاصر، فماذا لو زادت تلك النسبة أكثر بفعل العنجهية الإسرائيلية

فهل ستتراجع العنجهية الصهيونية أمام التحذيرات المتتالية من الانفجار أن تقف بوجه العاصفة لتحاول أن تقتل سكان القطاع إسفكسيا الغرق، إلا أن لن تدرك بأن الغريق لن يكون أمامه سوى التشبث برقبتها من أجل النجاة من موت محتوم

زر الذهاب إلى الأعلى