أقلام

على أبواب ذكرى ” أوسلو “

كتب صادق الشافعي :

المقصود بالعنوان هو ذكرى توقيع اتفاقية أوسلو في 13 أيلول 1990. وقد وقّعتها القيادة الفلسطينية (اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير) مع حكومة دولة الاحتلال بقيادة حزب العمل ورئيسها في ذلك الوقت إسحق رابين.
لقد دار جدل واسع وعميق حول الاتفاقية، ووجدت معارضة ورفضاً قويين من قوى سياسية بعضها رئيس في كلا الطرفين، وإن بوتائر متفاوتة وبتعبيرات وأولويات مختلفة.
وكان من النتائج والتعبيرات السريعة المعارضة للاتفاقية في دولة الاحتلال اغتيال رئيس وزرائها إسحق رابين، من قبل اليمين الصهيوني المتطرف.
ودون الدخول في دوامة التفاصيل وتناقض الخلفيات والأهداف، فإنها تفرض نفسها وحضورها بشكل شديد الوضوح وربما لدرجة الفجاجة.
فمنذ زمن تلك الاتفاقية ومجريات مفاوضتها وملاحقها، ظل واضحاً أن دولة الاحتلال لم تكن بأي شكل ومستوى في وارد القبول والموافقة على قيام سلطة وطنية فلسطينية حقيقية بكامل أو حتى معظم مكوناتها وهياكلها ومؤسساتها، وسلطاتها بالدرجة الأولى. ثم والأهم مناطقها ومساحاتها، وبحيث تكون سلطة وطنية حقيقية بكل صلاحياتها ومؤسساتها وامتداداتها وعلاقاتها، وعلى المساحة والمناطق التي يتفق عليها من أرض الوطن الفلسطيني.
كان واضحاً أن دولة الاحتلال كانت وظلت حريصة كل الحرص على بقاء خيوط السلطة الفلسطينية الرئيسة والحاسمة تحت سيطرتها. وظلت دولة دولة الاحتلال حريصة أكثر على عدم قيام سلطة وطنية بكامل مكوناتها ومؤسساتها وأجهزتها وبكامل صلاحياتها وحقوقها، وبالدرجة الأولى، لجهة سيطرتها على الأرض وقدرتها على التحكم بها والاستفراد في إدارتها ومنع الاعتداء عليها، أو التصرف بها من أي طرف غيرها. وبشكل أخص وأدق لا يمنع أو يعيق من قدرة دولة الاحتلال على التصرف بالأرض والاستيلاء على المساحات منها التي تتطلبها سياساتها وتطلعاتها ومشاريعها بالتوسع الاستيطاني. وثم، بناء المستوطنات فوق أي قطعة أرض تتطلبها حاجتها وخططها للتوسع أو لأي حاجة أو ضرورة أخرى.
وفي مواجهة التنامي الملحوظ في تمسك الفلسطينيين بكافة أطيافهم وقواهم السياسية والمجتمعية بمبدأ وهدف قيام الدولة الفلسطينية ذات السيادة على الأرض الفلسطينية وتعاظم فعلهم في هذا الاتجاه، وفي مواجهة التنامي الملموس في تأييد ومساندة هذا الهدف على كل المستويات من الدول ومن القوى السياسية والهيئات والمنظمات الدولية، في مواجهة هذا التنامي بكل مستوياته.
في مواجهة كل ذلك، خرج رئيس وزراء دولة الاحتلال (نتنياهو) بشكل متحد بفكرته ومشروعه الداعي إلى قتل فكرة وهدف قيام دولة فلسطينية وإخراجه من عقول أصحابه والداعين له. وليكون ذلك عنواناً أساسياً في معاركة السياسية على كل المستويات وبالذات مع أهل الوطن الفلسطيني وقواهم السياسية والمجتمعية.
وبالطبع فقد لاقى مشروعه ترحيباً وتأييداً من حكومته وأعضائها خصوصاً أنهم ينتمون إلى القوى الأكثر يمينية وتطرفاً.
والغريب أن نتنياهو أقرن مشروعه المذكور مع التبرع، ودون أي اتفاق مسبق، بإعلان استمراره وحكومته في التمسك بنفس القوة والحماس لاستمرار الوضع السياسي الفلسطيني القائم بمؤسساته وسياساته وحكومته. بل وأبدى استعداده واستعداد حكومته لدعم وإسناد هذا الوضع وبعض مؤسساته وأجهزته في مواجهة بعض الصعوبات أو الأزمات، واستمراره أيضاً بقيادته وأجهزته وسياساته القائمة.
والغريب أنه أعلن عن ذلك، أو وعد به، دون أي تفاعل أو تشاور علني ومسبق مع القيادة الفلسطينية الرسمية المسؤولة أو أي جهة أو مؤسسة فلسطينية أخرى.
الغريب أن كل ما تقدم حصل ويحصل والوضع الفلسطيني السياسي العام بقواه ومؤسساته وأجهزته غارق في نفس الدرجة المعروفة من الانقسام.
وهذا بالتأكيد ما يفرض آثاره السلبية على الحال الوطني والنضالي العام وبالذات لجهة وحدة الرؤيا ووحدة الموقف. والأغرب أنه لا توجد مبادرة جادة وواقعية من أي طرف للخروج من هذا الحال.
وتبقى الأنظار والآمال متجهة نحو القيادة الرسمية – قيادة السلطة ومنظمة التحرير- لأخذ المبادرة المسؤولة والمنطقية والواقعية لإخراج الوضع الوطني العام بمنظماته ومؤسساته وأجهزته من هذا الحال.

زر الذهاب إلى الأعلى