هل يمكن الإفادة من صراع المعسكرين الإسرائيليين؟ مهند عبد الحميد
قال الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ «في السنوات ما بين عيد استقلال إسرائيل الـ75 واليوم الـ80، نواجه اختباراً مصيرياً. أرى الانقسامات بيننا، أصبحت أعمق وأكثر إيلاماً في هذا الوقت، ولا يسعني إلا التفكير بجدية في حقيقة أن دولة يهودية نشأت مرتين في التاريخ في أرض إسرائيل وانهارت مرتين قبل أن تصل إلى 80 سنة. ولهذا يتقدم هيرتسوغ بمبادرة للتوفيق بين المعسكرين المتخاصمين.
البروفيسور أفرايم عنبرفي يرى أن خطورة الأزمة الحالية كبيرة ومن مظاهرها التآكل في مكانة الأجسام الرسمية، والمس بالتراص القومي، واحتمال وقوع الضرر بمصالح إسرائيل الأمنية والسياسية. ويعرض مع جنرالين رسالة لا لبس فيها عن خطورة الساعة، ويدعون إلى تخفيض مستوى اللهيب في الجمهور.( معاريف 19/2 )
ثمة ما هو مشترك بين القطبين المتصارعين هو التعامل مع القضايا المتعلقة بالفلسطينيين والأسرى، تعاملاً بإجماع صهيوني، فقد صادق الكنيست الإسرائيلي بالقراءة الثالثة، على قانون يقضي بسحب الجنسية والإقامة من الأسرى الفلسطينيين من داخل الخط الأخضر والقدس المحتلة ممن تتهمهم إسرائيل بتنفيذ عمليات ضد إسرائيليين وتتلقى عائلاتهم مقابلاً مالياً من السلطة الفلسطينية. وصوّت لصالح قانون سحب الجنسية والإقامة 94 نائبا من معسكر نتنياهو- بن غفير والمعارضة الإسرائيلية على حد سواء، وعارضه 10 نواب من القوائم العربية بينهم عضو يهودي إسرائيلي فيما تغيب أربع أعضاء من حزب العمل. الموقف الإسرائيلي يكون موحداً في قضايا كبقاء الاحتلال ورفض القانون الدولي، وبناء نظام أبارتهايد استعماري، وفي مفهوم أرض إسرائيل والحق الحصري لليهود، والضم الزاحف، وضم مدينة القدس العربية، وزحف الاستيطان، والتنكر لحق اللاجئين في العودة، ورفض حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة فلسطينية، ورفض حقه في مقاومة الاحتلال، والتنكر لحقوق الأسرى، ومنظومة القوانين المطبقة على شعب تحت الاحتلال، ورفض القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية في كل ما يتصل بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي. هناك اتفاق في المضمون بين المعسكرين وخلافات في الدرجة لجهة أكثر وأقل تزمتاً وأكثر وأقل مرونة. حتى محكمة العدل العليا حامية الديمقراطية، أقر قضاتها تهجير ألف فلسطيني من بيوتهم في مسافر يطا لإنشاء ميدان رماية لجيش الاحتلال، وقررت المحكمة العليا الإسرائيلية هدم تجمع “الخان الأحمر” البدوي، شرق مدينة القدس المحتلة، فضلاً عن الهدم الدائم للبيوت في القدس وفي مناطق ج.
أما في القضايا الإسرائيلية المحضة فتوجد فروق في المواقف، كموقف الدمج بين الدين والقومية المتطرفة او تضخيم البعد الديني القومي الشعبوي المتطرف على حساب البعد الليبرالي كما يقول آفي شيلون (هآرتس29 /1) يوجد فعلاً شعبوية يمينية عنصرية ترقى الى فاشية، وليبرالية قيدت منظومات القوة التعسفية للنظام الإسرائيلي كما يقول ساند. لكن الصحافي الإسرائيلي أولي نوي في أوبزيرفر”- القدس العربي» يشكك في مقاصد الرموز العسكرية المحتجة عندما يقولون: علينا مقاتلة الإصلاح القضائي، وإلا لكان لدى المجتمع الدولي فرصة لإرسال أبنائنا إلى المحكمة الجنائية الدولية.
ويتساءل ساند «هل يمكن الدفاع عن ليبرالية تستنسخ منذ 55 عاماً وضعاً كولونيالياً واضحاً؟ ويضيف: إسرائيل لم تكن ديمقراطية قبل عام 67، فلا يوجد ديمقراطية واحدة لا تتفاخر بتمثيل وخدمة وتحقيق للمساواة بين كل مواطنيها بدون تمييز، كيف يمكننا اليوم النضال من أجل الديمقراطية والليبرالية وفي الوقت نفسه السيطرة على مجموعة سكانية محتلة ليس لها اي حقوق؟ المعسكر الكبير الذي يحارب ضد تقليص الأسس الليبرالية في دولة اليهود يتجاهل بالمطلق تقريباً الاحتلال ومصادرة الحقوق الأساسية لشعب كامل .لا يمكن التفاخر بالديمقراطية ومواصلة السيطرة على شعب آخر وسلبه الحقوق الأساسية منذ 55 سنة. ولكن الاحتلال لم يكن السبب الوحيد، إذ يعود ساند الى جذر التحول بالقول: اليسار الصهيوني وقع على تنازل عميق للأحزاب الدينية وامتنع عن فصل الدين عن الدولة مع منح هيمنة المؤسسات الدينية على القوانين الشخصية، وعزز بذلك المعسكر المناهض لليبرالية في السياسة المحلية، وتبني الاساطير العميقة بشأن الشعب المختار التي تملأ المناهج التعليمية ووسائل الاعلام التي ترى في كل نقد لاسرائيل تعبيراً عن اللا سامية. الشباب الاسرائيلي يميل أكثر فأكثر الى انغلاق متطرف انعكس في الانتخابات الاخيرة.
كما نرى المشكلة في الثقافة والفكر السائدين اللذين أضفيا على الاستعمار عنصرية دينية بلبوس قومي، وجعلا من اسرائيل مركزا استعماريا راعية للرجعية وعلاقات التخلف والاستبداد في طول وعرض المنطقة وبخاصة في فلسطين.
لا يفضل المحتجون بأكثريتهم مشاركة فلسطينيين في التظاهرات، ما يجعل الفلسطينيين يشعرون بالتهميش من المعارضين في الوقت الذي يتعرضون فيه لهجوم عنصري من معسكر نتنياهو -بن غفير. بل إن المعارضين يعتبرون أن العمليات الفلسطينية العفوية تعيق معارضتهم للانقلاب القضائي وتعزز الهستيريا الشعبوية المناهضة للعرب، بالرغم من كون العمليات ما هي الا ردود فعل مرتجلة على الاستباحة والجرائم الإسرائيلية.
يبقى سؤال: هل نتقاطع كشعب تحت الاحتلال مع قطب الصراع الإسرائيلي المناهض للانقلاب القضائي؟ وذلك باعتباره قطباً أقل تزمتاً وتطرفاً وأقل عنصرية؟ في السياسة وفي صراع مصيري معقد بحاجة الى قشة والى الإفادة من هكذا صراع حيثما كان ذلك ممكناً، مع الإمساك جيدا بالبوصلة، وبهذا المعنى نعم نتقاطع وينبغي البحث جيدا في آليات الإفادة من صراع المعسكرين.