هل تنطلق شرارةُ التغيير في العلاقات الإسرائيلية و الأمريكية ؟
الكاتب: د اسلام البياري
ماذا حصل للعلاقات ، يسأل كثيرون من الجمهور الإسرائيلي و الأمريكي . ماذا حصل لنتنياهو، الساحر، ملك الحملات، الخطيب العظيم، ذاك الذي تسير كاريزميته وسحره الشخصي أمامه؟ما ذا حصل لجوزيف روبينيت بايدن الابن ويُطلق عليه جو بايدن؟
نجد مرة العلاقات بين دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية بعده مراحل لعبه فيها اللوبي الصهيوني دورا هاما وبالغاً في توجيهات السياسة الأمريكية وخاصه في منطقه الشرق الأوسط، حيث تم وضعها عبر مفاهيم وقواعد أساسية وأهمها ضمان أمن و بقاء إسرائيل لأنها تشكل الهدف الاستراتيجي للولايات المتحدة، اعتبارها الشريك الرئيسي الإقليمي لها بالمنطقة، واعتبار أن إسرائيل من حقها الدفاع نفسها و دفع تعويضات مالية لها من أجل إقامة الوطن القومي لليهود و الحافظ على بقائه وفاء من الولايات المتحدة لما تعرضت لها إسرائيل من ألمانيا على يد هتلر. هذا ما يدفع الولايات المتحدة أن تلتزم مع إسرائيل بدعمها عسكريا و اقتصاديا و سياسيا، واستخدامها كامل ردع لها بالمنطقة ؟
على الرغم من أن الولايات المتحدة كانت دائما أوثق حليف لدولة الاحتلال ، إلا أن العلاقة بين الدولتين لم تخل من توترات أيضا. استعرض كيف تطورت علاقات الدولتين منذ عام 1948؟
رغم أن إسرائيل كانت على خلاف مع العديد من جيرانها طوال معظم فترات تاريخها، إلا أن الولايات المتحدة كانت الحليف الأكثر ثباتاً وأهمية لإسرائيل. على مدى عقود، أوضحت الإدارات الأمريكية المتعاقبة أن العلاقات مع إسرائيل شكلت في كثير من الأحيان الأساس لسياستها في الشرق الأوسط.
لذلك نجد إعلان ديفيد بن غوريون، الذي كان الشخصية الأولى بدولة الاحتلال ، عند قيامه بتأسيس دولة الاحتلال الإسرائيلي في 14 أيار/مايو 1948، اعترف الرئيس الأمريكي هاري ترومان رسمياً بالدولة الجديدة. وبعد ثلاثة أيام، اعترف بها الاتحاد السوفيتي أيضاً، وبعد عام، أصبحت إسرائيل عضواً في الأمم المتحدة.
هناك العديد من المسؤولين الأمريكيين باعتقادهم أن على الولايات المتحدة واجباً أخلاقياً في الدفاع عن إسرائيل، وهو ما تُرجم على شكل مساعدات سياسية وعسكرية ومالية. ساهمت المساعدات والأسلحة المتطورة التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل على تطوير أحد أكثر الجيوش تقدماً في العالم.
مند تأسيس دولة الاحتلال، قدمت الولايات المتحدة حوالي 150 مليار دولار من المساعدات لها بمختلف الأشكال. فإن إسرائيل هي أكبر دولة حليف يأخذ مساعدات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية، على الرغم من أن دولة الاحتلال تقدّم نفسها (تاريخياً وقانونياً وممارسة) على أنها «البيت القومي للشعب اليهودي»، فإن أغلبية اليهود (55 في المئة) (من حيث الديانة) لا تزال تعيش خارج دولة الاحتلال ، ووفقاً لأحدث المعطيات، فإن نحو 14,7 مليون يهودي، حتى نهاية سنة 2018 وبداية سنة 2019، يتوزعون بين إسرائيل وخارجها وبلغ عدد اليهود في أمريكا أكثر من ستة ملايين يهودي، كذلك أن اليهود الأميركيين يشكلون بُعداً سياسياً استراتيجياً فائق الأهمية بالنسبة إلى إسرائيل، وأدوا هذا الدور خلال حقب تاريخية متعددة، ولا سيما بعد حرب سنة 1967.، شغل 38 يهودياً أميركياً، في سنة 2017، مقاعد في الكونغرس الأميركي، الخامس عشر بعد المئة: 30 مندوباً في مجلس النواب (6/9 في المئة من مجمل أعضاء المجلس) – 28 ديمقراطيون واثنان من الحزب الجمهوري – و8 سيناتورات (8 في المئة)، كما يوجد المؤسسات التمثيلية الأساسية لما يمكن تسميته «قيادات الشتات في أميركا»، والتي تعمل عادة في ثلاثة مجالات: دعم إسرائيل واليهود فيها؛ دعم المجتمع اليهودي في أميركا وتمكينه؛ دعم دولي لمجتمعات يهودية حول العالم، مثل: منظمة أيباك)، أو ما يعرف باسم اللوبي من أجل إسرائيل، وهو منظمة تعمل منذ سنة 1951، وتتكوّن من يهود أميركيين، وتشكل واحدة من أهم منظمات الضغط والتأثير اليهودية داخل الولايات المتحدة الأميركية، وفي الكونغرس تحديداً؛ لذلك نجد أيباك واجهت تحديد خلال الفترة (1991- 2001م) ، إحدى «أشرس» معاركها خلال حقبة التوتر الذي شهدته العلاقات الإسرائيلية – الأميركية في أعقاب حرب الخليج الثانية، والضغط الأميركي على الإسرائيليين من أجل تجميد الاستيطان في مقابل حصولهم على اعتمادات قروض بقيمة 10 مليارات دولار، تساعدهم على استيعاب الهجرة اليهودية السوفياتية. ورفض يتسحاق شمير (رئيس الحكومة الإسرائيلية حينذاك) هذا العرض، وتوجه إلى الاستعانة بأيباك، التي حاولت تفعيل ضغوطها من أجل إلغاء الشروط الأميركية على إسرائيل، لكن من دون نجاح.
ولكن ماذا عن نقاط الخلاف حول العلاقة فيما بينهم؟
نجد أن المطالب الفلسطينية أحيانا بطرق دبلوماسية تكون محل خلاف وخاصة عندما يتمكن الحزب الديمقراطي الأمريكي بالسيطرة على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ و النواب. خاصة عندما تريد الولايات المتحدة دعم مفاوضات السلام مع السلطة الفلسطينية على سبيل المثال، وكذلك حول توسيع المستوطنات في الضفة الغربية والقدس الشرقية، الأمر الذي تعتبره الأمم المتحدة انتهاكاً للقانون الدولي. نددت معظم الإدارات الأمريكية بسياسة الاستيطان الإسرائيلية وسعت إلى التوسط في سبيل الوصول لحل الدولتين، في أحد المحطات الخلافية، في حزيران/ يونيو 1990، وبسبب الإحباط من الجمود في مفاوضات السلام، ذكّر وزير الخارجية الأمريكي جيمس بيكر برقم هاتف البيت الأبيض في مؤتمر صحفي وقال: “اتصلوا بنا عندما تكونون جادين بشأن السلام”، مخاطباً الإسرائيليين. وأيضا خلال زيارة قام بها جو بايدن عام 2010، عندما كان نائباً للرئيس أوباما، أعلنت إسرائيل عن بناء المزيد من الوحدات الاستيطانية حول القدس. فوصفت وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك هيلاري كلينتون الخطوة بأنها “إهانة”.
ولكن على صعيد سيطرة الحزب الجمهوري على البيت الأبيض كانت العلاقات تزاد توطينا وقوة ، فطرح ترامب لصفقة القرن، نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وإغلاق القنصلية الأمريكية في الجزء الشرقي من المدينة التي كانت تقدم خدمات للفلسطينيين في القدس الشرقية، فمثلا في عام 2019، أعلنت إدارة ترامب أن الولايات المتحدة لم تعد تعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، مما شكل قطيعة دراماتيكية مع السياسة الأمريكية وفرقت بين واشنطن والعديد من حلفائها. كما عمل ترامب أيضاً على التوسط في سلسلة من الصفقات لتطبيع، أو على الأقل تحسين، علاقات إسرائيل مع أعداء سابقين مثل الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب والسودان. لكن هذه الصفقات عمقت بالفعل الخلافات الجيوسياسية الأخرى في المنطقة وتعرضت لانتقادات لأنها تركت الفلسطينيين خارج المفاوضات، إلى جانب تجاهل قضية المستوطنات غير القانونية.
كما نجد أن الموضع ملف ايران النووي كان دائما محل خلاف مع الإدارة الأمريكية ويأتي هذا الخلاف في إطار مساع إسرائيلية للتدخل في المحادثات التي تجريها القوى العالمية مع طهران، رغم أنه ساهم إلى حد كبير في توتير العلاقة إبان حقبة بنيامين نتنياهو مع باراك أوباما، فيما حصل توافق نسبي مع دونالد ترامب، لكن الفترة الحالية التي يحكم فيها بايدن، الرئيس الديمقراطي، أمام بنيامين نتنياهو عاد التوتر من جديد .
مع العلم أن العامل العسكري والأمني والاستخباري الإسرائيلي يشكل الأكثر حسما في تقديم التصور الأكثر توافقا عليه تجاه إيران، صحيح أن نتنياهو لم يكن على توافق تام مع الجنرالات إزاء النظرة لإيران وتطلعاتها الإقليمية وطموحاتها النووية، بل إنه حاول إجبارهم على الانحياز لموقفه الصقري منها و فرض وجه النظر الإسرائيلية بكيفه منع ايران بالامتلاك للسلاح النووي و عدم جعل لها نفود بالمنطقة و خاصة علاقتها مع حزب الله.
ولكن ماذا عن الخلاف حول الإصلاحات القضائية، نجد تصريح بايدن القوي بأن نتنياهو لن يتلقى دعوة إلى زيارة البيت الأبيض في الوقت القريب، جعل كل الساسة والمفكرين أن المسافة بين البيت الأبيض و دولة الاحتلال ستكون في غاية الصعوبة ، هذا نتنياهو للرد على الرئيس الأمريكي بصورة غاضبة على تويتر في وقت متأخر من الليل قائلاً: “إسرائيل دولة ذات سيادة تتخذ قراراتها بإرادة شعبها وليس بناءً على ضغوط من الخارج، بما في ذلك من أفضل الأصدقاء، فربما يكون نتنياهو قد استخدم الضغط كوسيلة لجعل شركائه في الائتلاف اليميني المتطرف يوافقون على وقف الإصلاحات القضائية مؤقتًا، محذرا من أزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، وبالتالي الحد من قيمة مطالبهم.
في ختام المقال أعتقد أن العلاقات بين أمريكا و دولة الاحتلال راسخة ، لأنه في كلا الدولتين مؤسسات دولة تقرر كيف تحقيق الأهداف و المصالح المشتركة ، فالولايات المتحدة تؤيد معظم خطوات إسرائيل بسبب قوة اللوبي اليهودي في الحكومة الأمريكية حيث تشارك إسرائيل في عدم رغبتها بالاعتراف بدولة فلسطين وإدارة القضية الفلسطينية ، وهي مع إسرائيل في معاداتها للمشروع النووي الإيراني، كما العلاقات بينهما حافل، و أمريكا لا تريد أن تتخلى عن حلفيها الاستراتيجي و الأول في منطقة الشرق الأوسط، فالولايات المتحدة أول دولة اعترفت بإسرائيل كدولة مستقلة في 14 مايو 1948 عندما أصدر الرئيس هاري ترومان بيان اعتراف عقب إعلان إسرائيل الاستقلال في نفس التاريخ. تم تأسيس العلاقات الدبلوماسية عندما قدم السفير الأمريكي جيمس غروفر ماكدونالد أوراق اعتماده في 28 مارس 1949.