مقاربات بين الرؤية والرواية في توصيف حالة دولة الاحتلال الاستعماري
الكاتب: مروان أميل طوباسي
بغض النظر عن من ساهم بتنفيذ المشروع الصهيوني من مسيحين ومسلمين “بالقول” خدموا الحركة الصهيونية بالفعل باشكال سياسية ومالية وغيرها ، بل وكانوا جزء من مكونات فكرها حين ساهموا في اضطهاد اليهود ووضعوا عراقيل أمام حق مواطنتهم وفق ما كانت ترغب به الحركة الصهيونية من عدم حل المسألة اليهودية في مجتمعاتهم الأصلية لاجبارهم على الهجرة الاستيطانية إلى فلسطين وتهجير شعبنا الأصلي صاحب الأرض منها . رغم ان اليهود العرب شكلوا جزء أساسي من الشعوب العربية وان الديانة اليهودية هي نتاج هذه المنطقة كغيرها من الديانات ، كما كان أيضا يهود أوروبا جزء من مجتمعاتها تعرضوا إلى نفس الحالة بفعل المؤامرة والاتفاقيات مع الحركة الصهيونية .
والاَن فانه من الطبيعي أن “دولة” قامت على أساس التطهير العرقي وفكر الأستعمار الأستيطاني بعد ٧٥ عاما دون مسائلة من النظام الدولي القائم بل وبتشجيع على ارتكاب جرائمها ، أن يَتسم النظام السياسي فيها الاَن بجوهر الفكر الصهيوني الديني العنصري بأشكال فاشية وتصاعد أزماتها الداخلية والفوضى السياسية وبالأصرار على تطويع تشريعاتها ونظامها القضائي على هذا الأساس.
ووفقا لعدد من التوجهات التي من أبرزها ، “أن للشعب اليهودي حقاً حصرياً وغير قابل للتصرف في جميع أنحاء أرض إسرائيل، بحيث تشجع الحكومة توسيع الوجود اليهودي في جميع أنحاء أرض إسرائيل – في الجليل والنقب والجولان ويهودا والسامرة”، وفق أقوال نتنياهو .
فان التوجهات تلك اصبحت ترسم الأسس وتساهم في تنفيذ تصورات الحل النهائي للقضية الفلسطينية على طريقة سموتريتش وبن غفير وأمثالهم ، وهي مأخوذة من سفر يشوع بالتوراة ، حيث يُقدم “سفر يشوع” نظرة عامة على الحملات العسكرية لإمتلاك الأرض التي “وعد بها الرب” حسب اعتقاداتهم بعد الخروج من مصر والسنوات الأربعين من التوهان في البرية . فيقول أن الأمة المشكَّلة حديثاً اصبحت جاهزة لدخول أرض الموعد، والإنتصار على سكانها وإحتلال الأرض.
حيث ووفق روايتهم التي ترسم معالم رؤيتهم ، يقوم الإسرائيليون الغزاة بتنفيذ عملية إبادة ضد الكنعانيين الأصليين، حتى لا تُترك روح واحدة تتنفس ، بحسب توصيف حاخاماتهم ومفكري الصهيونية الدينية.
فبحسب هؤلاء ، فقد أرسل يشوع وهو من ورث القيادة بعد موسى، إلى الكنعانيين رسالة نصحهم فيها بالفرار، ثم يمكن للذين بقوا أن يقبلوا بمكانة المواطنة الدنيا وباستعبادهم، وأخيراً، إذا قاوموا، سوف تتم إبادتهم.
وكان سموتريتش وغيره قد قدموا هذه الرواية كخطة ورؤية علناً باعتبارها التحول المطلوب إلى المرحلة الحاسمة من الصراع، فإذا لم يهرب الفلسطينيون ورفضوا القبول بمواطنة أدنى ، كما يفعل أي شخص ذو كرامة، “سوف يعرف جيش الدفاع الإسرائيلي ما الذي يجب عمله”، كما يقول هذا العنصري .
لذا فان برأي العديد من المتابعين ، فإن مصطلح الفاشية فقط، ليس المصطلح الصحيح لوصف جوهر إسرائيل الحالي كدولة استعمار عنصرية ودولة نظام أبارتهايد قائم على الفوقية اليهودية واسسها ، فالعديد من المصطلحات الأخرى من الممكن أن تفي بالغرض أكثر من مصطلح فاشية رغم انه يعبر عن شكل قائم الآن فيها أكثر من أي وقت مضى حتى بحق مواطنيها من اليهود أنفسهم .
فما يحصل اليوم ، هو أن نظام دولة الاستعمار هذه لم يعد يخفي كونها دولة الشعب اليهودي فقط، بالإضافة إلى أنها لم تعد تُظهر أي اهتمام بأن تكون أو تبدو كدولة ديمقراطية أو أن تجاهر بتقويض حتى الفكر الليبرالي الصهيوني فيها .
فالسؤال الممكن هنا ، عما إذا كانت إسرائيل تتحوّل الان إلى دولة فاشية ؟ أنا أفضل أن يكون السؤال هل من الممكن أن لا تكون إسرائيل دولة فاشية؟
ان الأمر لا يقتصر على الدولة او شكل النظام السياسي فيها ، فالمجتمع الإسرائيلي أصبح فاشياً ينزلق إلى وحل العنصرية المطلقة التي أصبح يعيش بها منذ فترة ليست قريبة .
فإسرائيل هي دولة فاشية منذ ان قامت على أساس من التطهير العرقي وتمارس الاحتلال الاستيطاني ، وهي دولة إثنوقراطية حيث اليهود يحتكرون كافة الحقوق وفق قانون القومية العنصري نفسه .
فوصف إسرائيل بدولة فاشية أو دولة مارقة فوق القانون الدولي حتى ، هو نتاج قراءة تجزيئية قد تنطبق على دولة قامت وفق أسس طبيعية. فالفاشية ومفهوم الدولة المارقة هما عرضان وتفسيران ممكنان لجوهر الصهيونية باعتبارها حركة عنصرية استعمارية استيطانية حتى وفق قرار الأمم المتحدة الذي تم التواطئ على إلغائه عام ١٩٩١.
أما الإصرار على صفة الفاشية وحدها فهو يشير إلى عملية تضليل تمهد الطريق للتعامل معها كدولة طبيعية لديها إشكالات محلية تتعلق بمعاداة الديمقراطية والليبرالية ومناهضة حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وهي سمات مشتركة مع أنظمة عالمية انحدرت نحو الفاشية . بل إن الإصرار على صفة الفاشية فقط قد يكون هو جواز عبور لاندماج دولة الاستعمار الصهيوني في المنطقة العربية التي هي محكومة بعدد من الانظمة غير الديمقراطية اصلاً والتي جاز وصفها بالفاشية في مراحل من تكونها ، وهو ما يهمش مقاربة الطبيعة الصهيونية كحركة استعمارية تقوم على محاولات المحو والإبادة للسكان الأصليين ويجعل من اتفاقيات التطبيع التي ترعاها الولايات المتحدة التي تتمحور سياساتها بمقاربات مع جوهر الفكر اليهودي الصهيوني ، ويشجعها الاتحاد الاوروبي الذي أصبحت الفاشية تصعد في بعض دوله اليوم امراً طبيعيا .
ان مقاربات الصهيونية مع النهج السياسي الأمريكي والغرب بشكل عام يرتبط بمحددات متعددة منها مصادر الفكر الصهيوني نفسه والتفسيرات المُبتدعة للديانة المسيحية ، والتي كنت قد اشرت لها بمقالات سابقة ، وهي تهدف بتطويعها بحسب رؤية الغرب إلى استبدال الحقوق الفلسطينية الوطنية التاريخية والسياسية بحوافز مالية وحلول اقتصادية قي مناطق من الكانتونات أو شبه الأقاليم أو البلديات الموسعة تستند في عملها وصلاحياتها إلى فكرة الحكم الذاتي المحدود ، ومعظمها سوف يقع فى خانة الوعود والأوهام تحت استمرار تبني مبدأ حل الدولتين لفظيا ، الذي تم تقويضه اساسا ، بهدف استدامة الاحتلال دون كلفة عالية .
ومن هنا فإن رؤية حكومة نتينياهو الحالية والتي ستعمل دون مواجهة صلبة مع الولايات المتحدة خاصة مع سيطرة اليمين الجمهوري على الكونغرس ، سوف تركز على تصعيد الجرائم اليومية التي اصبحت تجاوز معدل ارتقاء شهيد يوميا وزيادة القهر والضم والاستيطان متحملة للبيانات اللفظية التي قد تصدر بحقها من الغرب دون مسائلة حقيقية في محاولة منها لاذابة الحقوق الوطنية الفلسطينية التاريخية او التي اقرتها الشرعية الدولية ، تحت شعار تحسين شروط الحياة ، إلى حين انتهاء الأربع السنوات القادمة من حكم نتينياهو الذي سيترافق مع ازمات داخلية مختلفة أو تغيرات في التركيب الحكومي حيث ينتظر غانتس على أبوابها ، وذلك أمام ضعف الحال العربي وبطئ التحولات الجارية بالنظام العالمي التي قد تأخذ وقتا طويلا ً لانهاء نظام الهيمنة احادي القطب ، ما يهدف إلى محاولة تحقيق الخطوة الأخيرة من برنامجه وهو برنامج الحركة الصهيونية العالمية من إدارة الصراع الحالي الى إغلاق الملف الفلسطيني والإعلان عن انتهاء قضية فلسطين كمحطة أساسية فى المخطط الصهيوني الأمريكي – الإسرائيلي ، بالمقابل الدفع نحو مزيدا من اتفاقيات التطبيع دون أن يكون هناك اي عقبات خطيرة أمام المخططات والأحلام الصهيونية بالمنطقة .
والنقطة القادمة والأخطر هي اعتراف اميركا بقانون القومية اليهودي بعد اعترافها بالقدس كعاصمة لهم وضم الجولان ، والذي تم اقراره سابقا بالكنيست الإسرائيلي زمن حكومة نتنياهو السابقة ، الذي يقول أن إسرائيل دولة قومية يهودية، والشعب اليهودي هو صاحب الأرض ، رغم ان اليهودية لبست بقومية ولا اليهود يشكلون مفهوم شعب .
اما السؤال الوارد أمامنا نحن ، فهو هل سننجح وكيف في استثمار النفور العالمي وتحديدا على المستويات الدولية الشعبية وحتى بعض الأوساط اليهودية من دولة الأحتلال جراء ما هو جاري من تصعيد لجرائم ولتحولات تحمل اشكال الابرتهايد والاستيطان والفاشية معا فيها ، من اجل محاصرة وعزل دولة الأحتلال ولجم عدوانها المستمر والمتصاعد وصولاً الى حقنا بتقرير المصير والأستقلال الوطني واسقاط نظام الابرتهايد ، ولهذا حديث اَخر في مقال قادم .