هل ستصرف وزارة المالية برام الله راتب كامل لموظفيها عن شهر أغسطس الحالي..؟
رام الله – المواطن
تشير الأرقام الصادرة عن وزارة المالية والتخطيط إلى أن حجم إيرادات السلطة الوطنية على أساس التزام وصلت مع نهاية تموز الماضي إلى 10.56 مليارات شيقل أما على أساس نقدي أي ما وصل السلطة الوطنية نقدا هو 9.99 مليارات شيقل أي أن هناك فارقا بين الالتزام والنقد أكثر من 600 مليون شيقل، فمن أين جاء هذا الفرق؟
وبلغت حصيلة الأموال من ضريبة المقاصة وهي المورد الرئيسي لخزينة السلطة الوطنية قرابة 6.8 مليارات شيقل خلال الشهور السبعة الأولى من العام الجاري، لكن السلطة الوطنية لم تتلق هذا المبلغ، فما وصلها نقدا هو 5.67 مليارات شيقل أي أن الفارق هو 670 مليون شيقل، وهي عبارة عن اقتطاعات إسرائيلية لما يسمى “صافي الإقراض” أي الديون المترتبة على السلطة الوطنية من كهرباء وماء وعلاج وغيرها، بالإضافة إلى اقتطاعات إسرائيلية غير شرعية والتي وصلت وحدها خلال الأشهر السبعة إلى 308 ملايين شيقل (احتجازات إسرائيلية بسبب صرف السلطة الوطنية لرواتب أسر الشهداء والأسرى).
ووفقاً لتقرير الحياة الجديدة، بلغت نفقات السلطة الوطنية منذ بداية العام حتى شهر تموز على اساس التزام 10.2 مليارات شيقل، أما على أساس نقدي فقد وصل المبلغ إلى 8.35 مليارات شيقل، وإذا ما احتسبنا إيرادات السلطة الوطنية نقدا فإنها بلغت 9.99 مليارات شيقل أي أن هناك فائضا نقديا مقداره 1.66 مليار شيقل مع عدم الأخذ بإيرادات شهر آب التي لم تعلن بعد.
أما نفقات السلطة الوطنية على أساس التزام فقد بلغت 10.2 مليارات شيقل، ولو دفعت السلطة الوطنية ما عليها من التزامات(معظمها مستحقات لصالح الموظفين) فإنها ستكون عاجزة ماليا خلال هذه الفترة بنحو 210 ملايين شيقل، علاوة على أن العجز سيكون مرشحا للارتفاع خلال الفترة المقبلة فيما لو قررت صرف رواتب كاملة.
بلغت قيمة أجور موظفي السلطة الوطنية على أساس التزام خلال هذه الفترة أي سبعة أشهر 4.86 مليارات شيقل، لكنها دفعت منها على أساس نقدي 4.06 مليارات شيقل أي أن لدى الموظفين ديونا على السلطة الوطنية خلال 7 أشهر قرابة 800 مليون شيقل.
بينما وصلت نفقات الأجور على أساس التزام خلال إجمالي العام الماضي إلى 8.11 مليارات دولار بينما دفع نقدا قرابة 6.87 مليارات دولار أي أن هناك متأخرات قيمتها 1.24 مليار شيقل لصالح الموظفين(عن العام الماضي)، يضاف إليها قرابة 361 مليون شيقل لم تدفع عن آخر شهرين من عام 2021 ليصل إجمالي مستحقات الموظفين لدى الحكومة قرابة 2.4 مليار شيقل.
لكن هذا لا يشمل أيضا متأخرات على الحكومة لصالح المساهمات الاجتماعية (مساعدات للأسر الفقيرة) والتي تصل بالمجمل إلى قرابة 383 مليون شيقل(254 مليون شيقل عن الشهور السبعة الأولى من هذا العام و75 مليون شيقل عن العام الماضي و54 مليون شيقل عن العام 2021). ويبلغ عدد الأسر المستفيدة من مخصصات الشؤون الاجتماعية 116 ألف أسرة في فلسطين، منها 81 ألف أسرة في قطاع غزة، وتضم 53 ألفا من ذوي الإعاقة، و28 ألفا من كبار السن والمرضى، و37 ألفا من المطلقات والأرامل، بينما تصل نسبة الأسر المنتفعة من شيكات الشؤون الاجتماعية وأولادها دون سن الخامسة عشرة إلى 40.5%..
ديون متراكمة
يستنتج مما تقدم أن مجمل ديون السلطة الوطنية في بند الرواتب وأشباه الرواتب تصل عمليا إلى 2.6 مليار شيقل.ولكن لماذا لا تصرف السلطة مستحقات الموظفين طالما أن لديها فائضا نقديا مقداره 1.66 مليار شيقل خلال الشهور السبعة الأولى؟
الجواب باختصار لأن التزامات السلطة وديونها تظل أعلى من هذا الرقم بكثير(أي أكثر من مستحقات الموظفين)، إذ تقدر المتأخرات لصالح القطاع الخاص حتى تموز الماضي بنحو 11.27 مليار شيقل، يضاف إليها أذونات دفع تتعلق بالقطاع الخاص وصلت إلى 514 مليون دولار مع نهاية تموز، أي أن المجموع يصل عمليا إلى قرابة 12 مليار شيقل. أما فيما يتعلق بالاقتراض، فإن الدين المحلي أي الاقتراض من البنوك المحلية وصل إلى نحو 7.9 مليارات شيقل مع نهاية تموز، والدين الخارجي إلى نحو 4.8 مليار شيقل أي أن حجم الاقتراض محليا وخارجيا وصل إلى 13 مليار شيقل.
وبالمحصلة فإن الديون والمتأخرات المتراكمة على السلطة الوطنية (اقتراض محلي وخارجي، ومتأخرات القطاع الخاص، ومستحقات موظفين ومساعدات اجتماعية) وصلت مع نهاية تموز إلى قرابة (24) مليار شيقل أي نحو 6.7 مليارات دولار.(مع عدم احتساب ديون هيئة التقاعد والمعاشات والتي تقدر بـ 5-6 مليارات شيقل) ما يعني أن حجم الدين العام يصل عمليا إلى أكثر من 30 مليار شيقل أي نحو 8.4 مليارات دولار.
وبالنظر إلى مجمل الاقتطاعات الإسرائيلية غير الشرعية والتي فرضت منذ عام 2019 نتيجة صرف السلطة الوطنية لرواتب أسر الشهداء والأسرى، فإنها فرضت بشكل شهري وصولا إلى 100 مليون شيقل شهريا ارتفاعا من 50 مليون شهريا، ليقترب حجم الاقتطاعات إلى قرابة 3 مليارات شيقل بالإضافة إلى أكثر من مليار شيقل عبارة عن رسوم تجبى على الجسور ترفض إسرائيل لغاية اليوم تحويلها إلى السلطة الوطنية.
تراجع للمساعدات تزامن مع طرح صفقة القرن
لا يمكن فصل السياسة عن الاقتصاد بأي حال، فرغم النمو المطرد عاما بعد عام في إيرادات السلطة الوطنية وبخاصة الضريبية منها، غير أن العجز في الموازنة العامة بدأ يسجل أرقاما تصل إلى نحومليار شيقل سنويا، تاريخيا كانت مساعدات المانحين تشكل نحو 20% من إيرادات السلطة الوطنية التي أنشئت لتكون نواة لدولة فلسطينية مستقلة بموجب الشرعية الدولية، غير أن هذه المساعدات التي كانت تصل إلى قرابة مليار دولار سنويا (3.6 مليارات شقل تقريبا) بدأت تتناقص شيئا فشيئا، وقد تزامن تجفيف المساعدات مع طرح ما يسمى صفقة القرن عام 2019 إذ تراجعت المساعدات منذ ذلك العام، فقد وصلت في عام2017 إلى 1.96 مليار شيقل، ثم تراجعت قليلا في عام 2018 إلى 1.8 مليار شيقل، ثم انخفضت في عام 2019 إلى 1.7 مليار شيقل لتواصل التراجع بشكل لافت في عام 2020(أي بعد عام من طرح صفقة القرن ورفض القيادة الفلسطينية لها) لتصل إلى1.2 مليار شيقل، ثم لتنخفض بنحو النصف أي إلى 601 مليون شيقل مع نهاية العام 2021 لتتحسن بشكل طفيف في العام 2022 وصولا إلى 881 مليون شيقل، ومع نهاية شهر تموز هذا العام وصلت مساعدات بقيمة 538 مليون شيقل.
تشديد الخناق على السلطة الوطنية
التزامن بشكل واضح بين تراجع المساعدات الأجنبية وبين قرار حكومة الاحتلال اقتطاع أموال المقاصة حرم الخزينة العامة خلال السنوات الخمس الماضية من قرابة 10 مليارات شيقل على الأقل (4 مليارات شيقل اقتطاعات اسرائيلية وحجز أموال و6 مليارات شيقل تراجع في المنح الأجنبية)، ما أدخل السلطة الوطنية في أزمة مالية عميقة لم تستطع معها الإيفاء بكامل التزاماتها وفي مقدمتها صرف رواتب كاملة خاصة بعد استنفاد السلطة لخيار الاقتراض من البنوك المحلية الذي وصل إلى مداه الأقصى (2.4 مليار دولار). ولو افترضنا أن أموال المانحين بقيت تصل بنفس الوتيرة السابقة بحدها الأدنى، بالإضافة إلى الإفراج عن أموال السلطة الوطنية المحتجزة لدى الاحتلال لامتلكت السلطة الوطنية هامشا واسعا للإيفاء بالتزامتها بل لاستطاعت سد قرابة ثلث دينها العام.
ماذا عن راتب هذا الشهر؟
بالأرقام يتبين وجود مبلغ نقدي مقداره 1.66 مليار شيقل مع نهاية شهر تموز الماضي في انتظار أرقام وزارة المالية والتخطيط بخصوص إيرادات ونفقات شهر آب الجاري، لكن ذلك لا يعني توفر هامش لتغيير دراماتيكي في آلية صرف الرواتب مع توفر إمكانية لصرف راتب كامل أو جزء بسيط من المستحقات لمدة شهر واحد مع عدم ضمان استمرارية ذلك خلال الفترة المقبلة .
يقول أستاذ الاقتصاد في جامعة النجاح الوطنية في نابلس د. بكر اشتية إن المعطيات المالية الحالية تشير إلى أن حجم نفقات السلطة الوطنية أكبر من إيراداتها رغم وجود تحسن في الجباية المحلية وفي أموال المقاصة.
ويتوقع د. اشتية أن تستمر السلطة الوطينة بوتيرة صرف الرواتب الحالية اي نحو80-85% مع إمكانية صرف بسيط للمستحقات، لكنه استبعد وجود تحول كبير في آلية الصرف إلا إذا حدثت انفراجة بخصوص الأموال المحتجزة لدى “إسرائيل” أو تدخل المجتمع الدولي لتوفير مساعدات إضافية وهو أمر غير متوقع في المدى القريب.
بدوره، استبعد المحلل الاقتصادي د. نصر عبد الكريم صرف رواتب كاملة وجزء كبير من المستحقات، قائلا “وزارة المالية تمتلك هامشا ضيقا إما صرف راتب كامل لمرة واحدة أو الحفاظ على نسبة الصرف الحالية مع صرف جزء بسيط من المستحقات”، مستبعدا حصول تغيير كبير في آلية الصرف في ظل المعطيات المالية الحالية.