أقلام

هل ساهمت التسهيلات الاقتصادية في تحسين اقتصاد قطاع غزة؟

الكاتب:
الباحث في الشأن الاقتصادي: محمد عبد الهادي نصار

يعيش قطاع غزة ظروفاً اقتصادية واجتماعية صعبة، وذلك نتيجة لسنوات طويلة من الحصار والانقسام، والعدوان “الإسرائيلي” امتدت منذ العام 2006، قامت خلالها “إسرائيل” بإضعاف الأنشطة الاقتصادية في قطاع غزة، وكانت سبباً في زيادة معدلات الفقر والبطالة، واعتماد اقتصاد قطاع غزة على المساعدات الإغاثية، وتلاشي أي أمل في التنمية.

وفي أعقاب عدوان مايو 2021 قدمت الحكومة “الإسرائيلية” ما يعرف بالتسهيلات الاقتصادية لسكان قطاع غزة، ضمن استراتيجية “الاقتصاد مقابل الأمن”، وقد شملت هذه التسهيلات حصول عدد من عمال قطاع غزة على تصاريح عمل في “إسرائيل”، السماح بإدخال بعض السلع والمعدات ذات الاستخدام المزدوج وفق التصنيف “الإسرائيلي”، السماح بتصدير المنتجات الزراعية والأسماك إلى الضفة الغربية و”إسرائيل”، زيادة مساحة الصيد أمام الصيادين قبالة بحر غزة، إضافة إلى منح المئات من سكان قطاع غزة تصاريح زيارة ولمّ شمل لذويهم في الضفة والقدس المحتلتَين.

بعد أكثر من عامين على إقرار هذه التسهيلات الاقتصادية، سنناقش في هذا المقال هذه التسهيلات الاقتصادية، وسنحلل مدى تأثير هذه التسهيلات الاقتصادية على اقتصاد قطاع غزة من خلال مؤشرات اقتصادية مختارة.

عودة العمال من غزة إلى “إسرائيل”

بعد توقف دام 15 عام أعادت “إسرائيل” العمالة من قطاع غزة في قطاعات البناء والزراعة والخدمات ضمن إجراءات محددة، ووفق تقرير منسق الأمم المتحدة الخاص لعملية السلام في الشرق الأوسط مايو 2023، حيث تم إصدار ما يقرب من 21,000 تصريح لعمال وتجار فلسطينيين من قطاع غزة للعمل أو ممارسة الأعمال التجارية في “إسرائيل”، وكانت هذه التصاريح أحد عوامل الاستقرار في قطاع غزة، حيث يمكن للعمال الفلسطينيين من غزة الذين يعملون في “إسرائيل” الحصول على أجور عشرة أضعاف أجورهم في غزة، كما تقدر مساهمتهم في اقتصاد غزة بحوالي 400 مليون دولار أمريكي سنوياً.

الصادرات الزراعية وصادرات الأسماك من غزة

كان أحد العوامل المهمة في زيادة حجم البضائع الخارجة من غزة في عام 2022 تخفيف القيود على صادرات المنتجات الزراعية والتي زادت بنسبة 700٪ مقارنة بعام 2021، مع تحقيق فائدة اقتصادية صافية لاقتصاد قطاع غزة قدرها 56 مليون دولار أمريكي في عام 2022، أي أكثر من ضعف قيمة الصادرات الزراعية في عام 2021. وتتوقع وزارة الزراعة الفلسطينية أن تنمو العمالة في الزراعة في غزة بنسبة 25٪في عام 2022 في حال استمرار تصدير المنتجات الزراعية من غزة.

زيادة في عدد الشاحنات من وإلى قطاع غزة:

زادت حركة الشاحنات التجارية من وإلى قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم بين قطاع غزة و”إسرائيل” وعبر معبر بوابة صلاح الدين بين قطاع غزة ومصر، حيث ارتفع إجمالي حجم البضائع الخارجة من قطاع غزة عبر معبر كرم أبو سالم إلى إسرائيل بنسبة 43٪ في عام 2022 عن العام 2021، بالإضافة إلى ذلك، تم إحراز تقدم فيما يتعلق بتخفيف القيود المفروضة على دخول بعض المواد التي تصنفها “إسرائيل” على أنها “مزدوجة الاستخدام” إلى قطاع غزة، بما في ذلك في قطاعي الصحة وصيد الأسماك.

ومن خلال متابعة بيانات مؤشرات اقتصادية مختارة صادرة عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني خلال العامين 2021 و2022 لمعرفة التغير في هذه المؤشرات من أجل تحليل تأثير التسهيلات الاقتصادية على هذه المؤشرات الاقتصادية فقد وجدنا ما يلي:

أولاً: نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي

تظهر البيانات بأن نصيب الفرد من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2022 في قطاع غزة بلغ 1,213.4 دولار، بينما في العام 2021 بلغ 1,256.8 دولار، أي أن هناك زيادة طفيفة بحوالي 3.57% في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بين عامي 2021 و2022.

ثانياً: معدل البطالة

تظهر البيانات بأن هناك تراجعاً بسيطاً في معدل البطالة في قطاع غزة بنسبة 1.7% في العام 2022 حيث بلغ 45.3%، بينما كان في العام 2021 حوالي 46.9%، وهذا يفسره التأثير الضعيف للعمالة من غزة في “إسرائيل”، مقارنة بعدد العاطلين عن العمل، حيث يبلغ عدد المسجلين للحصول على فرصة عمل في “إسرائيل” لدى وزارة العمل حوالي 140,000 عامل، بينما من حصلوا على تصريح عمل لا يزيد عددهم عن 20,000 عامل.

ثالثاً: متوسط الأجر اليومي

بلغ متوسط الأجر اليومي في قطاع غزة في العام 2021 حوالي 60.3 شيقل يومياً، بينما بلغ في العام 2022 حوالي 60.6 شيقل، وبالتالي لم يحدث أي تحسن يذكر على صعيد متوسط الأجر اليومي في قطاع غزة بين عامي 2021 و2022 على الرغم من وجود عمالة من غزة في “إسرائيل”، وزيادة حجم الصادرات الزراعية.

رابعاً: نسبة الفقر

وفق البيانات الصادرة عن البنك الدولي ما تزال معدلات الفقر في قطاع تتجاوز 60%، وما يزيد الأوضاع صعوبة هو صرف دفعات مجتزأة لمستفيدي برنامج التحويلات النقدية (شيك الشون) والذي يستفيد منه حوالي 74,600 أسرة يمثلون حوالي 22% من سكان قطاع غزة، وقد أدى تأخر دفع مساهمة الإتحاد الأوروبي للبرنامج (يمثل 75% من التمويل المخصص لقطاع غزة) إلى تخفيض الدفعات للأسر الفقيرة في الأعوام 2021 و2022 حيث تم صرف ما نسبته 20٪ و30٪ على التوالي مما كان مخطط لهذه الأعوام مما زاد معاناة الأسر الفقيرة.

الخلاصة

ما زالت التسهيلات الاقتصادية التي منحتها “إسرائيل” لسكان قطاع غزة محدودة الأثر على الاقتصاد وهذا ما تم استنتاجه من خلال مقارنة المؤشرات الاقتصادية المتعلقة بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ومعدل البطالة ومتوسط الأجر الشهري ونسبة الفقر بين عامي 2021 و2022، ومن الملاحظ أن هذه التسهيلات لم تأتي لتحسين الظروف المعيشية لسكان قطاع غزة كما تروج حكومة “إسرائيل” في العالم، وإنما هي تسهيلات اقتصادية مقابل الهدوء على جبهة قطاع غزة، وتحويل قضية الشعب الفلسطيني من قضية سياسيةإلى احتياجات اجتماعية خدماتية، وما تزال هذه التسهيلات مرهونة بيد دولة الاحتلال ولا يوجد أي ضمانات لاستمرارها، فالاحتلال يتحكم فيها وفقاً للظروف الأمنية والعلاقة مع الفصائل في قطاع غزة.

التوصية

ضرورة العمل على مراجعة التسهيلات الاقتصادية مع الوسطاء والعمل بشكل جدي على تحسين مستوى معيشة السكان في قطاع غزة من خلال زيادة عدد العمال في “إسرائيل”، والعمل على توسيع قائمة السلع المصدرة من قطاع غزة، وإيجاد حل لإدخال المواد الخام المصنفة ثنائية الاستخدام من أجل دعم الصناعات المختلفة في قطاع غزة، وبالبحث على حلول أكثر استدامة في التخفيف من معدلات الفقر والبطالة في قطاع غزة من خلال الدول العربية والإسلامية.

زر الذهاب إلى الأعلى