نعم لقد خدعنا في حماس !!! وهم الانتصار ونظرة الى الواقع .. كتب ماجد الفاعوري

في اللحظة التي توهّم فيها البعض أن ما حدث في السابع من أكتوبر كان انتصاراً، بدأت غزة تدفع الثمن الحقيقي من دماء أبنائها ومن دمار شوارعها ومنازلها ومن الحصار الجائر الذي ما فتئ يشتد يوماً بعد يوم، ومن تجار الدم الذين تحولوا إلى أبطال على شاشات السوشيال ميديا بينما يواصلون المتاجرة بالموت والدمار. إن وهم الانتصار الذي رُوّج له منذ اللحظة الأولى كان خدعة كبرى، خدعة انطلت على الشارع العربي وعلى شعوب تبحث عن كرامة غائبة ونصر رمزي، ولكن الواقع اليوم يثبت أن حماس لم تكن سوى رأس حربة في مشروع أكبر، مشروع تُحرق فيه غزة لأجل حسابات سياسية ومكاسب حزبية وتوازنات إقليمية، بينما يُدفن الأبرياء تحت الركام وتُقطع الكهرباء والمياه ويُحرم الناس من لقمة العيش وجرعة الدواء.
قيادات حماس اليوم لا تدفع الثمن، إنهم في أماكن آمنة، يتنقلون بين الفنادق والمؤتمرات ويعقدون الصفقات بينما يَعدّ سكان غزة شهداءهم ومفقوديهم ويبحثون عن فتات الخبز، لقد تحولت المقاومة من حالة تحرر وطني إلى أداة بيد القيادات التي تتاجر بالدم الفلسطيني، فجميع التبرعات تمر عبر قنوات مشبوهة لا يعرف الناس إلى أين تذهب الأموال، ومجرد تحويل مبلغ مالي بسيط إلى داخل غزة يخضع لاقتطاعات واستغلال من قبل تجار الحرب الذين يتقاضون حصصاً مقابل تصريف الدولار مقابل الشيكل بأقل من قيمته الحقيقية، في مشهد يوحي بأن أهل غزة أنفسهم باتوا أسرى منظومة احتكار واستغلال يهيمن عليها من يدّعون أنهم يحملون راية المقاومة.
أين هي حكومة حماس من هذه الفوضى؟ أين هي الحماية المجتمعية التي يجب أن تكون أولوية في مثل هذا الظرف؟ هل من المعقول أن تصبح تحويلة مالية لإنقاذ مريض أو لإطعام طفل وسيلة للاستنزاف؟ لقد غابت الدولة وتحولت إلى شركة سياسية، بينما يُترك الناس يواجهون المجازر وحدهم، ويُواجه الأطفال الصواريخ دون ملاجئ، والنساء بلا حماية، والشيوخ في العراء، ولا يخرج من حماس سوى خطابات صاخبة عن “صمود الأسطورة” و“خيارات استراتيجية” لا توجد إلا في نشرات الأخبار.
لقد تحدث قادة حماس طويلاً عن “السلاح الاستراتيجي” و”الخيار النووي” الذي سيغيّر مجريات المعركة، ولكن أين هو هذا السلاح؟ هل نُدمر غزة بكاملها ثم ننتظر أن يقول لنا ناطق باسمهم: نحن بخير ما دام الجبهة الداخلية للاحتلال تعاني من الرعب؟ هل يعقل أن تُختزل القضية في مقاطع فيديو دعائية وأغانٍ وطنية، بينما يموت الناس في المستشفيات؟ هل ما زالت الأسرى الذين تحتجزهم حماس ورقة ضغط؟ إن استمرار احتجازهم لم يعد يعني شيئاً أمام سيل المجازر التي تُرتكب يومياً في رفح وخان يونس وغزة المدينة، مجازر وصلت إلى حد الإبادة، وآخرها مشاهد المجازر في مخيم الشاطئ ومجمع ناصر ومخيم جباليا، حيث تهدمت الأحياء كاملة على رؤوس من فيها، ولم نسمع من حماس سوى “سنسحق العدو”.
المعركة التي بدأتها حماس في السابع من أكتوبر أصبحت اليوم نقمة على أهل غزة، تحولت إلى مأساة إنسانية تتجاوز كل ما يمكن وصفه، ولم يعد أحد يجرؤ على السؤال: إلى أين نمضي؟ لأن السؤال نفسه أصبح تهمة، والمساءلة أصبحت خيانة، والتشكيك في “القيادة” صار طعناً في “المقاومة”، هكذا ضاعت الحقيقة بين قصف الطائرات وبين شعارات تعجز عن إنقاذ طفل تحت الأنقاض.
إن الخيار الاستراتيجي كما عرفه المفكرون الدوليون مثل كيسنجر وبرانز في أدبيات السياسة الدولية، لا يُقاس بعدد الضحايا، بل بميزان القوة والقدرة على تحقيق مكاسب استراتيجية، بينما حماس اليوم تراهن على استنزاف الشعوب وتفجير المشاعر، لكنها لا تمتلك أي مشروع سياسي حقيقي، ولا استراتيجية خروج، ولا أفق تفاوضي، ولا حتى قدرة على حماية عناصرها، فكيف لها أن تحمي شعباً بأكمله؟
نعم، لقد خُدعنا في 7 أكتوبر، خُدعنا عندما اعتقدنا أن النصر ممكن وأن العالم سيتغير، خُدعنا عندما ظننا أن المقاومة يقودها من يعيش همّ الناس، فإذا بها تدار من فنادق الدوحة وبيروت وإسطنبول، بينما غزة تدفع الثمن، المقاومة الحقيقية لا تكون عبر ترك الناس يموتون تحت القصف لأجل خطاب ناري أو صورة يتداولها الناشطون، ولا تكون المقاومة بحصار الناس وتجويعهم وجباية الأموال منهم، ولا تكون في بيع العملة بأقل من سعرها، ولا تكون في توظيف التبرعات لبناء سلطات موازية داخل القطاع.
هذه ليست مقاومة، بل مشروع موت يُفرض على الناس باسم العزة والكرامة، بينما من يقتلون لا يجدون حتى من يدفنهم، إنها خديعة كبرى يجب أن تنتهي، ويجب أن تُفتح الملفات ويُحاسب كل من تاجر بالدم الفلسطيني، فالتاريخ لا يرحم، وغزة أكبر من كل هذه الخدع، وغزة التي صمدت سنوات لا تستحق هذا المصير المأساوي ولا هذه القيادة التي باعت كل شيء باسم المقاومة.