نحن وتداعيات قمة البريكس وتحديات المتغيرات الدولية
الكاتب: مروان اميل طوباسي
رغم أهمية منطقة الشرق الأوسط بما فيها ملف صراعنا مع الأحتلال ، الا اننا لسنا مركز الكون اليوم امام ما يجري من تطورات متسارعة جارية في مناطق مختلفة بالعالم اليوم تقود بجزء من حركتها لمتغيرات ولتحالفات إقليمية جديدة بقيادة روسيا والصين في اطار بناء النظام الدولي الجديد متعدد الاقطاب ، بما فيها المحاولات الجارية في الإقليم الذي نعيش فيه والتي قد تنجح وتتطور أمام فشل بايدن في محصلة زيارته السابقة لمطقتنا وتداعياتها وفشل السياسات الامريكية التي ما زالت تحاول انعاش تحالفاتها في مناطق مختلفة أهمها بمنطقة شرق آسيا والمحيط الهادئ لمواجهة الصين إلى جانب منطقة اوراسيا وما يدور بها من حرب الوكالة باوكرانيا ضد روسيا والشرق ، إلى جانب ما يجري من احداث بالقارة الافريقية .
الولايات المتحدة لم تتمكن من ان تحقق ما كان مرجواً منها بنتيجة مِن ما سُمي بالربيع العربي ، كما واخفاقها في ان تعطي حليفتها “إسرائيل” أي دفع جديد في المنطقة سوى الابقاء على حمايتها ورعايتها . فهي لم تستطع حسم الأمور في سوريا والعراق واليمن وفق مخططاتها ، ولم توقف مفاوضاتها مع إيران حول الملف النووي بل وتوصلت الى صفقة تبادل اسرى معها وافراج عن ارصدة مجمدة لها والتي قد تكون مقدمة لصفقات اخرى بالافق لتمكين دور لاعبين محليين بالمعادلات القائمة ، كما ولم تعلن الحرب على ايران لا سياسياً ولا بالمناورة العسكرية . كذلك فانها لم تنجح في إهداء إسرائيل حلف “ناتو عربي تحت قيادتها ” في وجه طهران ولخدمة هدف التفوق الإسرائيلي .
الولايات المتحدة لن تنجح برأيي من عقد صفة تطبيع سعودية إسرائيلية تتجاوز الإطار العام للمبادرة العربية والقرارات الدولية كما ومطالب السعودية نفسها ، وبوجود معيقات الصهيونية الدينية ومعارضة عدد من اعضاء الكونغرس من الحزب الديمقراطي لاعتبارات مختلفة أمام ابرام تلك الصفقة التي يتم الحديث عنها اسرائيليا خدمة لانقاذ مكانة نتنياهو .
المنطقة حبلى بالمتغيرات ، وتداعيات بدايات نهاية القطبية الواحدة والهيمنة الأمريكية أصبح واضحا في مواقف دول المنطقة بعد الحرب التي افتعلها الغرب في أوكرانيا لمواجهة التمدد الروسي كما والصيني ايضا . والدول العربية لا ترغب في أن تحسم نفسها في سلة قطبية الولايات المتحدة الواحدة المتهاوية الآن بعد أن اعتاد البعض منها على ذلك سابقا ، وهي تتطلع اليوم لعلاقات وطيدة مع الصين وروسيا من جهة وايران من جهة أخرى كدولة جارة لها مع الاحتفاظ بعلاقات غير عدائية مع الولايات المتحدة .
لقد تم قبول عدد من الدول العربية اليوم خلال قمة البريكس المنعقدة بجنوب افريقيا وهنالك البعض الاخر يرغب بالانضمام لاحقا . تجمعات مثل البريكس أو شنغهاي الاقتصادية ستتحول إلى كيانات سياسية في واقع جيوسياسي جديد بتعاملات مالية بعيدة عن هيمنة الدولار ، حيث تشكل دول البريكس حوالي اقل بقليل من نصف مساحة العالم وتعداد سكانه ، كما ان انضمام الدول الجديدة اضافة الى القائمة يشكل تطور نوعي له انعكاساته خاصة في الشرق الاوسط ، وفي موضوع البترو دولار بانضمام ايران ، السعودية ، الامارات وربما الجزائر لاحقا .
كما وتطمح عدد من دول العالم الثالث بشكل عام إلى الانضمام إلى تلك المجموعات والمساهمة في ترسيخ قدرة الجنوب العالمي على مواجهة وتغيير النظام العالمي السائد ، والذي تسيطر عليه الآليات والقواعد الغربية منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، وهو الأمر الذي منع تلك الدول من تحقيق التنمية، ولم يساعد على نمو دول الجنوب التي تتهم دول الشمال الغربية بازدواجية المعايير وممارسة أشكال معاصرة من الاستعمار والسيطرة على الثروات وسرقتها . وهو أمر أصبح العمل من أجل التخلص منه اليوم سمة لعدد من الدول الافريقية كالنيجر وغيرها بقيادة ضباط وطنيين شباب .
وهو ذات التوجه الذي ساد في القارة اللاتينية سابقا وادى إلى نجاح احزاب اليسار الجديد أو الراديكالي بالوصول إلى مقاليد الحكم والنجاح في صد التوجهات الأمريكية وعقوباتها .
في أوروبا ستكون أجواء الشتاء القادمة عاصفة على حكومات الاتحاد الأوروبي التي صعد اليمين الى سدة الحكم في معظمها والذي يقف في مساندة سياسات اسرائيل ، وهي اي دول الاتحاد الأوروبي تدفع ثمن تبعيتها وانجرارها للسياسات الأمريكية . فالشعوب الأوروبية التي تتضامن قواها الشعبية والتقدمية مع قضايا شعبنا وكفاحه ، لن تحتمل الارتدادات العكسية للعقوبات المفروضة على روسيا والصين والتي لم تحقق الغرض منها ، وستخرج الشعوب الأوروبية إلى شوارع عواصمها ، أن لم يكن ذلك قبل الشتاء القادم كما هو حاصل منذ فترة في عدد من دول الأتحاد الأوروبي في مواجهة سياسات حكوماتها النيوليبرالية السياسية،الاقتصادية والاجتماعية التي تؤدي حاليا إلى زيادة الفقر وغلاء المعيشة والبطالة بتورطها العسكري باوكرانيا الذي بات يستنزف مواردها .
وفي أمريكيا تتفاقم أزمة النظام الاقتصادي من تضخم الدولار وازمات البنوك والبطالة والفقر والازمات الاجتماعية التي تتمثل بزيادة الجرائم ومظاهر الفوقية البيضاء
واتساع فوارق الاصول الأثنية المتعددة بتلك المجتمعات ، والتي باتت تهدد استقرار النظام السياسي نفسه هنالك ، خاصة بعد اشكالات الانتخابات السابقة ومجريات محاكمة ترامب الان ، ونتائج انتخابات الكونغرس الأمريكي ، وما سيتمخض من نتائج عن الانتخابات الرئاسية القادمة قريبا امام
تراجع شعبية بايدن وحزبه الديمقراطي والتي قد تساهم في تشجيع اليمين الشعبوي الأوروبي في حال فوز المحافظين الجمهوريين وخاصة مرشحهم دي سانتاس المنتمي للحركة الصهيونية .
من جانب اخر فان الأزمة القائمة منذ سنوات بشأن تكرار الانتخابات في إسرائيل وما يجري اليوم فيها من تصدع يفتح الأبواب أمام احتمالات متعددة من سقوط حكومة نتنياهو الحالية أو إلى تعديلها بدخول غانتس او إلى شكلٍ من الحرب الأهلية وما بينهما من احتمالات اخرى لن يكون حلها سهلاً ، بل وستتعمق أزمة هوية النظام البنيوية والسياسية لتنعكس على الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي فيها التي قد تنتج كيانات متناحرة في اطار ما يسعون له وفق العقيدة التوراتية والصهيونية ، وستزداد الانتقادات الدولية بشأن سياسات الابرتهايد فيها حتى من منظمات يهودية غير صهيونية حول العالم ، مما سيُدخل الحركة الصهيونية التي تعيش المفارقات اليوم بين الليبرالي والديني والشرقي والغربي في أزمة متغيرات تتعلق بالوجه “الأخلاقي الحضاري والديمقراطي” المزعوم لإسرائيل التي ادعته دوماً ، وتأثير ما له علاقة بتراجع الهيمنة الأمريكية وقطبية الغرب الاحادية المساند الرئيسي لإسرائيل والتي ما زالت سياساته تدور في فلك التعاون المشترك اسرائيليا امريكيا وأوروبيا ، رغم مواقفهم اللفظية من الأستيطان والتي لم ترتقي إلى مستوى المحاسبة والعقوبات ، باعتبارها ذر للرماد في العيون ، فاعطت الضؤ الأخضر غير المباشر لاستمرار ذلك ولاستدامة الاحتلال الاستعماري فعليا .
دولة الأحتلال الاستيطاني هذه ستحاول بالتالي تصدير ازماتها الداخلية باتجاه مزيدا من القمع بحق شعبنا ومشاريع الاستيطان والتهويد بحسب رؤيتهم التي يحاولون تنفيذها اليوم ، بأشكال متصاعدة من ارهاب الدولة لخلق حالة من الإجماع القومي الصهيوني الديني حول ذلك بالإضافة إلى الاستعانة بفزاعة العدو الفارسي .
حيث تشمل الخطة الجديدة لحكومة الاحتلال تكثيف البناء في بعض المستوطنات وتحويلها إلى مدن، وبناء مدن جديدة لاستيعاب مليون مستوطن جديد خلال السنوات القادمة .
أمام هذه الوقائع ستأتي الأيام القادمة بايضاحات اكثر حول انعكاسات تلك المتغيرات والتحولات الجارية علينا وعلى العالم ، هذا أن لم تأتي بحروب جديدة خاصة في منطقتنا رغم تدني قدرات الردع الإسرائيلية أمام تطور قدرات الاطراف الأخرى كما والمشاكل التي تواجه جيش الاحتلال ومؤسسته الأمنية في ظل ظروف الانقسام الحاصل وموقف المتدينين من التجنيد .
ربما ستكون تلك مغامرات عسكرية جديدة سيحاول الغرب وإسرائيل إدارتها تنفيذا لسياساتهم الاستعمارية ورؤية الليبرالية المتوحشة ومنع الانهيار السريع للقطبية الأحادية .
الا انني مقتنع بل ومتفائل بالمتغيرات الجارية والقادمة وتصاعد اعمال المقاومة الشعبية والاشتباك التي ما زالت تحتاج إلى توجيه وتنظيم وحضانة جماهيرية اوسع والتي تستهدف قطعان المستوطنين وإمكان الاستفادة منها والبناء عليها ، كما بالارتقاء في إدارة سياساتنا نحو حماية شعبنا وحقنا في تقرير المصير وانهاء الأحتلال اولاً بعيدا عن مشاريع السراب الأمريكية ومحاولات الغرب عموما التي تهدف لإدارة ازمة الصراع فقط دون فرض الحلول وفق القانون الدولي والقرارات الأممية وحقوق شعبنا السياسية التاريخية في وطننا الذي لا نملك سواه .
امام هذه المتغيرات المتسارعة فان تقييم مسيرة كفاحنا الوطني اصبحت ضرورة ملحة من اجل تمتين وحدتنا في إطار منظمة التحرير ورؤيتنا السياسية التي يجب أن تكون متجددة ومتكاملة بعيدا عن مواقف ردود الأفعال . ان تصعيد المقاومة السياسية والدبلوماسية والشعبية على الأرض وبكافة المحافل الدولية بما فيها المحاكم تكتسب اهمية كبيرة اليوم حتى نصل إلى مكانة العضوية الكاملة لدولتنا بالدورة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر القادم حتى كدولة تحت الأحتلال ، كما ومن اجل عزل دولة الاحتلال كنظام ابرتهايد كولنيالي من جهة . بالاضافة الى توسيع سلسلة القرارات المتخذه لتغيير اشغال عدد من المواقع الوظيفية العليا وتدوير عدد اخر في اطار الخدمة المدنية والسياسية كالسفراء والمحافظين وغيرهم وفق معايير وطنية ومهنية تعتمد الكفاءة والخبرة والانتماء الوطني والتي تشكل استجابة لنصوص القوانين المرعية ورغبات ابناء شعبنا من حيث أهميتها كظاهرة مهنية ووطنية صحية لخدمة ابناء شعبنا وقضيتنا من جهة اخرى .
كما وضرورة وضع الاليات العملية التنفيذية اللازمة لقرارات المجلس المركزي واستكمال ما يستجيب لمتطلبات المرحلة السياسية الفارقة على المستوى الوطني العام والداخلي في حركة فتح باعتبارها العمود الفقري لمنظمة التحرير حتى يساهم ذلك باستنهاض دور الحركة الوطنية عامة .
إضافة إلى ضرورة الإصرار على اجراء الانتخابات العامة المستحقة ديمقراطيا بكافة اشكالها امام المجتمع الدولي لاحراجه بدلا عن قيامه باحراجنا ، ووضعه أمام مسوؤلية ايجاد حلول عملية لاجرائها بما يشمل العاصمة القدس . الأمر الذي أصبح ملحاً ليس فقط كمطلب دولي الذي بات يربط جانب من المساعدات بذلك ، بل ايضا من جانب اصدقاؤنا في احزاب اليسار بالبرلمان الأوروبي وغيرها ، بل ومن أجل ضمان التكامل الشعبي والرسمي المطلوب وطنيا لحماية الإنجازات التي شكل بناء السلطة جزء منها كمحطة على طريق الدولة.
المتغيرات القائمة بالصراع الدولي القائم الآن ربما تكون الأكثر أهمية منذ الحرب العالمية الثانية ، فبينما سيواصل الناتو اصراره من أجل استمرار اعتباره الاداة للهيمنة الامريكية والغربية ، من جهتهم ستستثمر روسيا والصين ودول أخرى من البريكس التي تتوسع عضويتها في مختلف البنى التحتية الاقتصادية والسياسية وحتى العسكرية والتي اصبح مجموع ناتج دولها الاجمالي يفوق ناتج مجموعة السبعة الكبار . كما وأهمية اطلاق بنك التنمية الجديد التابع لمجموعة البريكس على أمل تطوير الاصلاحات بالنظام المالي الدولي وكسر احتكار وهيمنة البنك الدولي وصندوق النقد الدولي الذي عمل على افقار دول كثيرة حول العالم ، ومن اجل خلق توازن دولي مستدام امام الهيمنة الغربية نحو نظام جديد لتحقيق العدالة والمساواة التي تنتظرها الشعوب ومن ضمنها شعبنا الفلسطيني أمام عجز مجلس الأمن الدولي على حل المشكلات الدولية .
ومن المرجح أن تشكل نتيجة هذا الصراع الدائر الآن رغم صعوباته ملامح المستقبل القادم للبشرية ومن ضمنها مستقبل قضية شعبنا الفلسطيني في إطار التموضعات الجيوسياسية الجارية التي يجب أن نحسن تموضعنا نحن فيها .