أقلام

ماذا لو عادت فلسطين إلى الخريطة؟

خاص المواطن – غزة

كتبت : نور الحلو

ماذا لو عادت فلسطين الى الخريطة ؟ الحديث عنها في حدودها التاريخية الأصلية هو أشبه بفتح نافذة على حلم طال انتظاره حلم يشغل قلوب الملايين ويتجاوز حدود فلسطين ليصبح قضية عالمية وإنسانية.

حين نتخيل فلسطين وقد عادت إلى خريطتها نتخيل تحولات شاملة في النواحي السياسية الاقتصادية الاجتماعية والثقافية.

لكن كيف سيبدو العالم لو عاد الحق إلى أصحابه وعادت فلسطين الى الخريطة ؟ وتحررت الأرض من الاحتلال؟ هذه الرؤية تنطلق من تساؤل جوهري حول تأثير هذا التغيير على المنطقة والعالم وعن فرص تحقيق العدالة والتنمية المستدامة في شرق أوسط عانى طويلاً من النزاعات والأزمات.

المشهد السياسي: نهاية الاحتلال وبداية حقبة جديدة

لو عادت فلسطين ستكون الخطوة الأولى إعادة ترتيب السياسة الإقليمية والعالمية مع انتهاء عقود من الاحتلال الذي شكل عبئاً دائماً على استقرار المنطقة ستكون النتيجة انفتاحاً جديداً على علاقات بناءة بين الدول حيث سينتهي التوتر الذي كان دوماً ذريعةً للتدخلات العسكرية والسياسية الخارجية وبعودة فلسطين إلى حدودها ستتضاءل فرص الصراع المسلح ويصبح بالإمكان توجيه الجهود نحو شراكات إقليمية تركز على التنمية بدل المواجهة.

ستكون فلسطين بعد استعادتها لسيادتها داعماً للسلام في المنطقة وركيزة لقيام نظام عربي قوي حيث سيصبح الصوت العربي أكثر اتحاداً وستقف الشعوب معاً في سبيل حقوقها وستبرز فلسطين كمثال على قدرة الشعوب على تحرير أرضها واستعادة حقوقها مما سيلهم حركات التحرر الأخرى في العالم خاصة في البلدان التي تعاني من الاحتلال والنزاعات.

التأثير الاجتماعي: عودة اللاجئين ولمّ شمل العائلات

من الناحية الاجتماعية فإن عودة فلسطين تعني عودة ملايين اللاجئين الفلسطينيين إلى وطنهم بعد أن عانوا لعقود من الشتات والتشرد ستشهد المدن والقرى الفلسطينية عودة للحياة مجدداً وستُعاد بناء المنازل والقرى المدمرة وستعود العائلات التي تم تفريقها إلى لمّ شملها في أرض الأجداد هذه العودة لن تكون مجرد عودة للأجساد بل عودة للهوية والثقافة وإحياء للتراث الفلسطيني المتجذر في أعماق التاريخ.

إن استعادة الفلسطينيين لأرضهم تعني أن الشباب الفلسطيني الذين كبروا في المخيمات سيكبرون ليبنو وطنهم ويتعلمون في مدارسهم الوطنية دون أن يشعروا بأنهم غرباء في أرضهم سيعودون ليحيوا تقاليدهم ويعيدوا بناء مجتمعهم بروح وطنية تملؤها العزيمة والأمل ستكون فلسطين بعد التحرير مثالاً حياً على كيف يمكن للشعوب أن تبني وتزدهر رغم سنوات النضال والتضحيات.

الاقتصاد: إمكانيات النمو والتنمية المستدامة

تحرير فلسطين وإعادة تشكيل خريطتها يعني بداية مرحلة جديدة للنهوض بالاقتصاد الفلسطيني إذ سيكون للشعب الفلسطيني حرية استغلال موارده الطبيعية من مياه وأراضٍ خصبة وثروات معدنية مما يمكّنه من بناء اقتصاد مستدام ومستقل سيؤدي تحرير الأرض إلى انتعاش الزراعة والصناعة وسيكون لدى الفلسطينيين فرصة لتطوير صناعات محلية تسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقلل من الاعتماد على المساعدات الخارجية.

كما ستصبح فلسطين مركزاً إقليمياً للتجارة والنقل مستفيدة من موقعها الاستراتيجي بين آسيا وأفريقيا وأوروبا وسيكون تحرير فلسطين خطوة أولى نحو بناء شبكة تجارية قوية مع الدول العربية المجاورة مما يسهم في تعزيز التجارة الإقليمية وخلق فرص عمل للشباب مما سيؤدي في النهاية إلى تحسين مستوى المعيشة وتطوير البنية التحتية للبلاد.

الثقافة والهوية: عودة للتراث الفلسطيني وازدهار الإبداع

العودة إلى فلسطين هي ليست مجرد تحرير للأرض بل هي إعادة إحياء للثقافة الفلسطينية التي حافظت على أصالتها رغم الشتات ستكون فلسطين بعد التحرير مركزاً للفن والأدب والتراث حيث يمكن للفنانين والكتاب والشعراء الفلسطينيين أن يعبروا عن هويتهم بحرية دون قيود وأن يعرضوا أعمالهم للجمهور دون خوف من قمع الاحتلال.

الاحتفاء بالتراث الفلسطيني من الدبكة الشعبية إلى الأغاني التراثية سيعزز من الهوية الفلسطينية ويعيد بناء الشخصية الوطنية التي تضررت على مدى سنوات النضال سيساهم التحرير أيضاً في تطوير التعليم والفكر حيث سيتمكن الشباب الفلسطيني من الوصول إلى الجامعات والمعاهد الأكاديمية المحلية والدولية دون معيقات تفرضها سلطات الاحتلال مما سيعزز من انتشار الإبداع والمعرفة.

أثر عالمي: قضية العدالة والسلام في العالم

إن تحرير فلسطين هو أكثر من مجرد انتصار إقليمي بل هو شهادة على قدرة الشعوب على تحقيق العدالة رغم كل التحديات عودة فلسطين إلى خريطتها ستكون رسالة قوية إلى العالم بأن الظلم لا يدوم وأن الحق سينتصر مهما طال الزمن ستعيد هذه العودة الثقة في قدرة المجتمع الدولي على تحقيق العدالة والالتزام بحقوق الإنسان وستشكل درساً لبلدان أخرى تحارب من أجل حريتها واستقلالها.

إن تحرر فلسطين سيشجع الدول والشعوب التي تعاني من الاحتلال على الاستمرار في نضالها وسيعيد الأمل للعديد من المجتمعات التي فقدت الثقة في النظام العالمي الحالي كما ستشهد حركات التضامن مع فلسطين تحولاً كبيراً وستنتقل من مجرد دعم رمزي إلى دعم فعلي من خلال تعزيز العلاقات الثقافية والتجارية والاقتصادية بين فلسطين والدول المتضامنة معها.

البيئة والتنمية المستدامة: أرض خضراء ومستقبل آمن

عودة الفلسطينيين إلى أرضهم ستعيد للبيئة الفلسطينية رونقها الطبيعي حيث سيتمكن الفلسطينيون من إدارة أراضيهم بحكمة واستدامة بعيداً عن سياسات الاحتلال التي أدت إلى استنزاف الموارد وتدمير البيئة ستشهد الأراضي الزراعية في فلسطين اهتماماً أكبر وستُستخدم التقنيات الزراعية المستدامة للحفاظ على الأرض والموارد المائية مما سيؤدي إلى تحقيق الأمن الغذائي والاستقلال الاقتصادي.

كما أن التحرير سيسمح للفلسطينيين بتنفيذ خطط بيئية شاملة تهدف إلى إعادة تأهيل الأراضي المتضررة وزراعة الغابات وحماية المحميات الطبيعية ستكون فلسطين بعد التحرير مثالاً للدول المجاورة على كيفية الاستفادة من الموارد البيئية بطريقة مستدامة تحافظ على حق الأجيال القادمة في العيش في بيئة صحية وآمنة.

فلسطين في قلوبنا وأحلامنا

في النهاية تبقى عودة فلسطين إلى خريطتها هي الحلم الذي يحمله الفلسطينيون في قلوبهم أينما كانوا هذا الحلم هو أكثر من مجرد عودة للأرض بل هو عودة للكرامة والهوية والانتماء هو فرصة للعالم أن يشهد على انتصار الحق على الظلم وانتصار الإنسانية على القمع.

عودة فلسطين إلى خريطتها لن تعني نهاية المعاناة فقط بل ستكون بداية لعصر جديد يعكس القيم الحقيقية للعدالة والتضامن والحرية ستكون فلسطين بعد التحرير رمزاً حياً على قدرة الشعوب على تحقيق أحلامها مهما واجهت من صعاب وستظل مصدر إلهام للأجيال القادمة تعلمهم أن الوطن ليس مجرد أرض بل هو روح تحيا فينا وتجعلنا أقوى.

زر الذهاب إلى الأعلى