في هذه الأيام .. آثار التغيرات المناخية تزداد وتتعمق
كتب عقل أبو قرع :
في هذه الأيام، تزداد وتتوسع الحرائق في كندا بدون أي آفاق للسيطرة عليها، ونتيجة لذلك أصبح الهواء ملوثاً ولدرجة خطيرة في ولايات أميركية عديدة مجاورة، وفي نفس الوقت تجتاح عواصف استوائية مصحوبة بأمطار غزيرة أجزاء من أوروبا، من هولندا الى ألمانيا، محدثة أضراراً بشرية ومادية، وتبلغ درجات الحرارة مستويات قياسية في دول مثل الباكستان والهند مسببةً المئات من الوفيات والآلاف من المرضى، وكذلك تنفق الأسماك ويتضاءل مستوى الأنهار في العراق، وتنتشر آفات وأوبئة جديدة تدمر المحاصيل الزراعية في دول عديدة في العالم، وينتشر التصحر والفيضانات وبالتالي الهجرات القسرية والعنف، وما لذلك من تداعيات على الأمن الغذائي والصحة والمياه والاقتصاد والنسيج المجتمعي.
وفي نفس الوقت يشير تقرير صدر مؤخراً من الامم المتحدة، الى الخطر الحقيقي الذي يواجه العالم بسبب التغيرات المناخية المتصاعدة التي تجتاح العالم في مختلف بقاع الأرض، واشار الى الخطر الداهم على الامن والسلام في العالم بفعل التزايد الملحوظ في درجة حرارة الأرض، وما لذلك من تداعيات وخيمة على الناس في بقاع متعددة في العالم، وأن السنوات الخمس القادمة ستكون أكثر فترة شديدة الحرارة يشهدها كوكب الأرض على الإطلاق، في ظل التأثير المتصاعد لغازات الدفيئة التي ما زالت نشاطات البشر تبثها الى طبقات الجو.
وحسب تقارير دولية متعاقبة فإن ارتفاع مستوى المياه في المحيطات يهدد فعلاً باختفاء مدن مثل شنغهاي في الصين وميامي في الولايات المتحدة والإسكندرية في مصر، ويشكل خطراً داهماً على دول مثل بنغلادش والهند والصين وهولندا، وذلك بسبب الفيضانات المتوقعة، وفي نفس الوقت سوف يؤدي الى تسرب المياه المالحة من البحار والمحيطات الى خزانات المياه الجوفية ومصادر المياه الحلوة.
ومن ضمن الصورة القاتمة التي سوف يؤدي اليها التغير المناخي خلال السنوات القادمة، إلحاق المجاعة بحوالي 200 مليون شخص، حيث تكون المرأة هي الأكثر هشاشة، ويحذر التقرير من تصاعد انتشار الحرائق والفيضانات وفقدان التربة الزراعية أي التصحر وشح المياه وإحداث التلوث بمختلف أنواعه، والتصاعد الكبير في نسبة الأمراض وحتى ظهور آفات جديدة وبالتالي أمراض أو أوبئة جديدة، والإخلال بالتوازن الطبيعي البيئي والتنوع الحيوي.
وتعصف التغيرات المناخية بنا منذ عدة سنوات ولكن تزداد وتتعمق حدتها عاماً بعد الآخر، هذا رغم قمم المناخ العالمية السنوية المتعددة التي تم عقدها، وفي ظل التحضير لقمة المناخ العالمية الدورية السنوية، والتي سوف تنعقد في دبي نهاية هذا العام، والتي سوف تستمر في المناقشات وعرض الأدلة والبيانات ونتائج الأبحاث التي قام ويقوم بها المختصون والباحثون.
وبغض النظر عن الآلية التي تم أو سوف يتم وضعها للتطبيق العملي لقرارات هذه القمة وكما تم مع القمم السابقة، والتي تهدف في الأساس الى تقليل كمية الغازات الملوثة التي يتم بثها الى الجو، والى التوجه أكثر نحو مصادر الطاقة النظيفة أو الخضراء، الا أن الآثار والتداعيات البيئية والصحية التي أحدثتها وما زالت تحدثها الدول الصناعية بفعل الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية قد شملت معظم دول العالم، وبالأخص الدول الفقيرة التي لا تساهم بشكل ما في إحداث التغيرات المناخية ولكن تتحمل العواقب والآثار بشكل أكثر إيلاماً أو بدون إنصاف أو عدل، في ظل غياب عدالة مناخية في العالم.
وهذه الدول فقيرة أو ضعيفة ولا تملك المصادر أو الإمكانيات للتعامل مع تداعيات بيئية ومناخية وربما صحية، بسبب النشاطات التي تقوم بها دول أخرى، حيث بتنا هذه الأيام نلمس هذه التداعيات على أشكال مثل قلة الأمطار وارتفاع حرارة الأرض، وذوبان الجليد وبالتالي ارتفاع منسوب المياه والفيضانات، والتصحر اي فقدان قدرة التربة على الزراعة والتلوث وانتشار بعض الأمراض بسبب ظهور آفات جديدة، وما ينتج عن ذلك من التداعيات الإنسانية والسياسية والاجتماعية، والتي تأتي إفرازاً أو نتاجاً لغياب العدالة المناخية.
وتحقيق العدالة المناخية يعني الحد من الغازات التي تلوث الجو والبيئة، وهذا يعني الحد من النشاطات الاقتصادية، او الى التوجه نحو الاستثمار أكثر في نشاطات اقتصادية صديقة للبيئة، او نشاطات صناعية نظيفة وخضراء، وهذا يعني او يؤثر على المال والاستثمار والعمل والتشغيل، وهذا يعني بالضبط السياسة وتداخل المال مع السياسة، أو تداخل وتأثير رجال المال والاقتصاد على السياسيين، وهذا يعني مدى صعوبة نقاش موضوع التغيرات المناخية في قمم العالم وبالأخص قمم الدول الصناعية الغنية.
وفي ظل ذلك، تتأثر الفئات الأكثر هشاشة أو الأدقع فقراً أو الأكثر ضعفاً، بما تحدثه الفئات الأكثر قوه أو الأغنى أو المحصنة أكثر، فانه وبدون شك أن تأثيرات التداعيات البيئية والمناخية سيكون أكثر على هذه الفئات من الدول والمجتمعات والمناطق، وفي داخل المجتمع الواحد، سوف تتأثر الفئات الأكثر هشاشة أو الأقل قدرة الى الوصول الى المصادر والفرص وتحقيق الإمكانيات وملاءمة الظروف حسب المتغيرات، وهذه الفئات سوف تعاني وتخسر اكثر، وبمعنى آخر سوف يكون التأثير من منطلق النوع الاجتماعي، أكثر حدة على النساء أو على المرأة بشكل فردي أو جماعي، ومن ضمنها المرأة الفلسطينية.
حيث ستكابد المرأة أكثر للتأقلم مع ظروف بيئية ومناخية وصحية وزراعية وحتى تنموية جديدة وصعبة، وبالأخص في المناطق الفقيرة والمهمشة والريفية والبعيدة عن الخدمات وعن إمكانية توفر الفرص أو الوسائل، وكل ذلك بفعل التغيرات البيئية التي أحدثها البشر، وبشكل رئيسي الجزء الآخر من النوع الاجتماعي أي الرجل، وبالتحديد في المناطق الغنية المتقدمة والتي توفر وسائل التكيف وإمكانيات التغلب على التغيرات في النظام البيئي والنظام الحيوي، أكثر بكثير من المناطق الفقيرة.
وتكون المرأة الأكثر هشاشة من التغيرات البيئية على شكل التلوث البيئي، بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث أشار أحد التقارير الدولية الى أن تلوث الهواء فقط، يؤدي الى وفاة حوالي أربعة آلاف شخص يومياً في الصين مثلاً، وكل ذلك بسبب انبعاث الغازات الى الجو، الذي أحدثته النشاطات الاقتصادية المكثفة خلال السنوات الماضية، والفئات الأكثر وفاة من هذا التلوث هم النساء والأطفال وأصحاب الأمراض المزمنة.
ومع ازدياد وتعمق تأثير التغيرات المناخية، ومع تبدل الأولويات من منطلق النوع الاجتماعي بفعل هذه التغيرات البيئية المناخية السريعة والعنيفة، سوف تتمحور اهتمامات المرأة ومن ضمنها المرأة الفلسطينية، على التركيز على الحفاظ أو الحصول على الأشياء الأساسية للحياة، من مياه نظيفة وانتاج زراعي آمن وهواء غير ملوث وحيز للعيش بعيداً عن الفيضانات والتصحر وشدة الحرارة والآفات والأمراض، وهذا يعني الابتعاد أكثر للمرأة عن التطلع الى إحداث تغييرات قاعدية على المستوى القيادي السياسي والاجتماعي، من أجل الحصول على حقوقها وفرصها ومسؤولياتها من منطلق النوع الاجتماعي في المجتمع الذي تحيا فيه.