في زمن الحرب.. الجوع سلاح الاحتلال والتجار معًا

لم يكن إعلان الاحتلال الإسرائيلي إغلاق المعابر ووقف إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة مجرد قرار عابر في سياق الحرب، بل كان بمثابة صفعة جديدة لسكان القطاع المنهكين من العدوان والدمار. غير أن الصدمة الأكبر لم تأتِ من الاحتلال وحده، بل جاءت من داخل غزة نفسها، من أولئك الذين استغلوا وجع الناس وحولوا معاناتهم إلى سوق مفتوح لجني الأرباح.
فبينما القطاع يئن تحت وطأة الجوع وآثار الحرب المدمرة، بدأ بعض التجار يرقصون على جراح الفقراء، يرفعون الأسعار بلا رحمة، ويحتكرون المواد الأساسية وكأنهم في سباق مع الاحتلال على نهب أرواح الناس.
بين الاحتلال والتجار.. غزة محاصرة مرتين
مع إغلاق المعابر ومنع إدخال المساعدات، دخل قطاع غزة في مرحلة جديدة من الضيق الاقتصادي، لكنّها ليست الأولى من نوعها. فقد اعتاد سكان القطاع على سياسات الحصار والتجويع، غير أن ما يزيد من قسوة المشهد هو استغلال بعض التجار لهذا الوضع، وتحويل الأزمة إلى فرصة لتحقيق مكاسب مادية خيالية.
يقول الصحفي عبد الحميد عبد العاطي في تعليق غاضب على ما يجري: “بالوقت اللي كنا نحذر ونقول ما خلصت الحرب، كان في تزوير لحياة الناس في غزة، وبدل نشر صور الدمار والمعاناة، صار في تواطؤ مع بعض التجار والنشطاء لنشر مشاهد كاذبة وكأن غزة تعيش في رخاء. واليوم، معركتنا مع التجار وضعاف النفوس تبدأ من جديد.”
وقال عبد العاطي في تدوينة أخرى: “مجرمون.. مرحلة اختفاء البضائع وبعدها غلاء الاسعار”.
أما الناشط العاصفة الفتح، فقد وجه اتهامًا صريحًا للتجار قائلاً: “إذا مش حماس بيشتغلوا مع حماس، كلهم حرامية، كلهم عشان دم الشعب، مش عارف الشعب لوقتيش نايم وامتى بده يصحى.”
أسواق غزة.. الغلاء ينهش جيوب الفقراء
مع إعلان الإغلاق، بدأت الأسواق في غزة تشهد ارتفاعًا جنونيًّا في الأسعار، رغم أن المخازن ممتلئة بالبضائع التي دخلت قبل الحصار الجديد. المواطن محمد جهاد الدلو يصف الأمر بمرارة: “التاجر اللي ما خاف ربنا في الحرب وتاجر في دم شعبه واستنزف جيوب الناس الغلابة، بده يخاف ربنا في رمضان؟! حسبنا الله ونعم الوكيل.”
وفي مشهد يثير السخرية والغضب معًا، كتب الناشط شادي العروقي ساخرًا من تناقض المشهد في غزة: “غزة تعود للحياة، المولات تبدأ بالانتعاش، رحلة على بحر غزة الجميل، عروضات نووية سبقنا فيها الصين عسكريًّا! لكن بوابة واحدة تُغلق صباح اليوم كفيلة بتجويع سكان غزة. التجار والبسطات في أسعد أوقاتهم!”
الحكومة.. غائبة أم متواطئة؟
لا تقتصر الانتقادات على التجار وحدهم، بل تمتد لتشمل الحكومة التي يرى البعض أنها تتعامل مع الأزمة بعين المتفرج. في هذا السياق، يقول عرفة العثماني: “المشكلة أن التجار والحرامية والحكومة، أوجه متعددة لنفس الشخص. في مثل بيقول: حاميها حراميها.”
أما الناشط محمد أبو جياب، فاختصر المشهد بقوله: “هلا التجار عندهم عيد، الأسعار بتولع.”
إلى أين يتجه المشهد؟
بين تجار الأزمات، وحصار الاحتلال، وصمت الحكومة، يبقى المواطن الغزي هو الضحية الأكبر، يواجه الغلاء بأيدٍ فارغة وبطون خاوية، بينما تستمر لعبة الاستغلال على حساب دمائه. فهل ستتحرك الجهات المختصة لكبح هذا الجشع، أم أن التجار سيبقون أصحاب القرار الحقيقي في غزة؟