شح الأمطار يهدد الجزائر بالفقر المائي
وكالات – المواطن
لم تستعد البلاد لهذه الوضعية على رغم أن تحذير العلماء بدأ منذ عام 1985 حول تغير المناخ وعليه يجب اللجوء إلى حلول استعجالية
أدخلت التغييرات المناخية والبيئية الجزائر في دوامة البحث عن حلول لا تبدو في المتناول لمشكلة المياه، بعد أن وجدت نفسها أمام ثلاثي الجفاف والتصحر وشح الأمطار. وعلى رغم المجهودات المبذولة من أجل تخفيف المخاطر، فإنها ليست كافية لضمان الأمن المائي للبلاد.
تراجع نسبة امتلاء السدود
ويكتسب موضوع الأمن المائي أهمية بالغة بالنسبة إلى الجزائر التي تسعى إلى تحقيق اكتفائها الذاتي من الموارد المائية الموجهة للاستعمالات المختلفة. وقد ضاعفت من التدابير والإجراءات منذ تسجيل نقص في سقوط الأمطار بشكل بات يهدد البلاد بالفقر المائي، لا سيما أنه امتد منذ مطلع مارس (آذار) الماضي، وهو الوضع الذي أثر في احتياطات السدود والمياه الجوفية والمحاصيل الزراعية والاستهلاك البشري والحيواني.
وأماط وزير الري الجزائري طه دربال اللثام عن حقيقة الوضع الذي تعيشه البلاد، وكشف عن تراجع النسبة الوطنية لامتلاء السدود إلى 29 في المئة، بعد أن كانت تقارب الـ32 في المئة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي. وأوضح أمس في ندوة صحافية عقدها على هامش أشغال الملتقى الوطني لإطارات الري، الذي نظم في مقر الوزارة تحت شعار “عصرنة تسيير الخدمة العمومية للمياه”، أن انخفاض منسوب المياه مرده نقص تساقط الأمطار في السنوات الأخيرة، وليس فقط خلال هذه السنة.
ومن أجل مواجهة المشكلة، شدد الوزير على ضرورة زيادة الاعتماد على المياه المستعملة المصفاة للاستجابة لمتطلبات القطاع الفلاحي، وكذا على الأنظمة المقتصدة للمياه على غرار الرش المروحي والسقي بالتقطير، مطمئناً إلى أنه على رغم هذه الظروف، فإن التزويد بمياه الشفى يتم عموماً بشكل مقبول، باستثناء بعض المناطق.
تخوفات واستنفار وتدابير استعجالية
وبينما تشير السلطات إلى أن مناطق غرب الجزائر ووسطها هي الأكثر تضرراً جراء شح الأمطار، مقارنة بالشمال الشرقي المتضرر بنسبة أقل، إلا أنها لم تعلن إلى حد الآن حالة الجفاف في البلاد خلال الموسم الحالي، على رغم الدعوات المتكررة لوزارة الشؤون الدينية إلى إقامة صلاة الاستسقاء بجميع المساجد طلباً للغيث، إضافة إلى دق مختلف جمعيات الفلاحين والمزارعين ناقوس الخطر بسبب تضرر المحاصيل.
وما يؤكد تخوف الجزائر من استمرار الوضع المناخي الحالي، استنفار الحكومة من أجل سن سياسة جديدة لاقتصاد المياه وطنياً، والحفاظ على الثروة المائية الجوفية، إضافة إلى تعميم المحطات عبر كامل الشريط الساحلي، مع ضرورة ضمان توزيع المياه باستمرار وبحكمة أمام حالة تذبذب تساقط الأمطار السائد محلياً ودولياً، ومراجعة مخططات تسيير توزيع المياه بشكل عادل، لا سيما لمياه الشرب بين الأحياء وضمن روزنامة معقولة. كما أقرت تدابير استعجالية لفائدة الفلاحين، ومنها اللجوء إلى الري التكميلي وحفر الآبار مع استعمال أنظمة السقي المقتصدة للمياه التي توفر نسبة تصل إلى 70 في المئة من هذا المورد المائي وتسمح بالحصول على نتائج أفضل.
أرقام
وتشير التقارير إلى أن الجزائريين يستهلكون سنوياً بين 3.6 و4 مليارات متر مكعب من المياه، من بينها 30 في المئة تأتي من السدود، فيما تأتي البقية من الآبار ومحطات تحلية مياه البحر، أما قطاع الفلاحة فيستحوذ على النسبة الأكبر باستهلاك 80 في المئة من المياه.
وتتوفر الجزائر على 81 سداً بطاقة تخزينية قدرها 7.489 مليون متر مكعب، منها 75 قيد الاستغلال، كما تم تسليم 611 بئراً ذات تدفق 710 آلاف متر مكعب في اليوم، من أصل برنامج وطني يشمل 760 بئراً تم إطلاقها في إطار البرنامج الاستعجالي لسنة 2021، عبر 17 ولاية متضررة بانخفاض احتياطات السدود.
وتستهدف الجهات المعنية رفع قدرة إنتاج المياه عن طريق التحلية إلى 3.3 مليون متر مكعب يومياً بحلول عام 2024، إذ تحصي الجزائر اليوم 15 محطة لتحلية مياه البحر، تنتج من خلالها أكثر من 2.7 مليون متر مكعب يومياً، في انتظار التعجيل بتسلم خمس محطات أخرى توجد في طور الإنجاز.
تحذيرات عام 1985
في السياق، يرى الباحث بكلية العلوم الاجتماعية دحو بن مصطفى، أن بلاده لم تستعد جيداً لهذه الوضعية على رغم أن تحذير العلماء بدأ منذ عام 1985 حول تغير المناخ، وعليه يجب اللجوء إلى حلول استعجالية، حتى وإن كانت قاسية، مضيفاً أنه بالنسبة إلى الجفاف، فإن الجزائر لا تملك الإمكانات المادية والعلمية من أجل الاعتماد على الاستمطار الصناعي، أما فيما يتعلق بالتصحر، فمن الضروري العودة إلى مشروع السد الأخضر أو استصلاح الأراضي الصحراوية لربما يخفف ذلك من زحف الرمال، و”هنا يمكن الاستفادة من التجربتين الأسترالية والصينية في غرس النباتات المقاومة للجفاف”.
ويتابع ابن مصطفى، فيما يخص ندرة المياه، أنه إلى جانب اللجوء إلى محطات تحلية مياه البحر، يجب اعتماد مقاربة علمية لحماية مخزون السدود من التبخر، وكذلك التوعية والتحسيس بضرورة المحافظة على المياه ومحاربة التبذير مقابل إجراءات ردعية تعاقب على الإسراف المتعمد للماء، إضافة إلى رفع سعرها، معتقداً أن إصلاح قنوات توزيع المياه ومحاربة السقي العشوائي والتوقف عن زراعة بعض الفواكه التي تستهلك مياهاً كثيرة وإقحام مقاربات سلوكية جديدة وتغيير التشريعات ذات الصلة، إضافة إلى إعادة تهيئة المدن وتوجه المياه نحو السدود بدلاً من البحر، إجراءات من شأنها المساهمة في مواجهة الفقر المائي.
الظاهرة عالمية
من جانبه، يعتبر الإعلامي المهتم بالشؤون الاقتصادية وليد مدكور أن الظاهرة عالمية، وأن دول البحر المتوسط في وضع أسوأ من الجزائر. وقال إن الجزائر تعيش أزمة جفاف متوسطية، أي إن معظم دول حوض البحر الأبيض المتوسط تشهد تغيرات مناخية وضعف تساقط الأمطار، ما أثر على مردودية الإنتاج الفلاحي وعلى توزيع المياه لعديد دول المتوسط.
ويضيف مدكور أن الجزائر لديها مساحة مناورة تسعى إلى استغلالها بداية بمضاعفة تشييد محطات تحلية مياه البحر وبلوغ رقم أكثر من 20 محطة عام 2023، والتي من شأنها تخفيف الأضرار، إضافة إلى اعتماد خطة لتصفية مياه الصرف بالتقنيات العالية على اعتبار أن هناك كميات كبيرة مهدورة، إلى جانب تكثيف عمليات التشجير في مختلف مناطق البلاد، لأن الغطاء النباتي مهم لتساقط المطر.
خطوات سابقة غير كافية
وعليه، لا بد من توفير حلول بديلة ودائمة تضمن الوفرة وتلبي كل حاجات القطاعات ذات الصلة، باعتبار أن الأمن المائي والغذائي وجهان لعملة واحدة، فقد سبق للحكومة أن اتخذت قرارات استباقية تشمل المراقبة الصارمة لتراخيص استغلال المياه الجوفية لسقي المساحات المزروعة، مع تسليط أقصى العقوبات ضد أعمال حفر الآبار غير المرخصة، وتفعيل دور شرطة المياه التي تراقب استعمال هذه المادة الحيوية، وتحارب التبذير، كما تم استحداث مؤسسات ناشئة في إطار منظور اقتصاد المياه والأمن المائي، متخصصة في تقنيات استغلال المياه المستعملة وإنجاز دراسات علمية، بقصد التحديد الدقيق لوضعية معدل المياه الجوفية.