“حلم الصغر” قهر ظروف حياة محمد القاسية ليحصد 98.9
مدلين خلة- خاص المواطن
عندما تتحول المحنة لحافز يدفع صاحبها في خطوات النجاح واعتلاء سلم التفوق ليعلن أن لا عائق أمام تحقيق الأحلام حتى ما فرض عليك، حتى اختياراتك لن تكون بحدود لوح صفيح لا يقي حر الشمس ولا يحمي من البرد القارص شتاءً.
تنظر أمامك كل شيء يحكي معاناة ثمانية أفراد يعيشون في بقعة صغيرة لا تتجاوز مساحتها الـ50 مترا، يطلقون عليها منزل ولكنه ليس كذلك، غرفتين ومطبخ مقتطع منهما دورة مياه، تفصل بينها قطع من ملابس مهترئة، منزل يبوح بحكايات ألم ومعاناة دون أن ينطق قاطنيه بها.
في منتصف إحدى غرفتيه يجلس الطالب في الثانوية العامة محمد وائل مقداد، ينظر لهاتفه وينتظر رسالة نصية تخرج بفرحة تزيح جزءا من هموم أثقلت صدره الصغير، ترقب عينيه من حوله والده ووالدته وأشقائه، شريط حياته مر من أمام ناظريه، معاناة وقهر أيام تعب سنين تعلقت جميعها برسالة تبقى على وصولها دقائق معدودة.
أمل متعلق بأن ما ستحمله الدقائق القادمة سيحمل بين طياته فرحة وتحقيق حلمه بدخول الجامعة بمنحة دراسية، يلتحق بها بحلم صغره ويصبح طبيبا يساند والده في إعالة إخوته الصغار، والدراسة في ظروف حياة أفضل من تلك التي عاشها.
طنين الهاتف قطع هذا السيل من الأفكار الذي تدفق لمخيلته في أجزاء من الدقيقة، فتح الرسالة سريعا وقرأ بصوت عالٍ “جوال تبارك نجاحك, معدل الثانوية العامة الخاص برقم الجلوس ….. هو 98.9 الفرع العلمي”.
وكأن عاصفة ضربت المنزل، أصوات زغاريت وهتاف وصرخات فرح ودموع، أزاحت صمت خيم على قاطني هذه البقعة الصغيرة، فرحة غامرة وكأنك لم ترى ألم أو وجع هنا، بساطة الشيء جعلته عظيما فلا ألعاب نارية ولا رصاص بارود يطلق، تصفيق وتهليل وأهازيج هنا فقط.
ظروف صعبة وعى عليها محمد وأيقن أن العلم سلاحه الحاد لقهر هذه الظروف وهذا التعب، تعلق بحلمه وعض عليه بنواجذه، لم يترك دقيقة إلا ودرس بها جد واجتهد، كافح في سبيل عيش هذه اللحظات، قسم وقته ولم يراكم دروسه وكان يراجعها أولا بأول حتى أصبح يرددها في منامه خشية هروب معلومة واحدة من بنك معلوماته وخزينته المعرفية.