“تفجير البييجر”… هل يغير الهجوم الإسرائيلي على لبنان قواعد الاشتباك؟
القدس المحتلة- المواطن
يرى محللون إسرائيليون أن سلسلة التفجيرات التي استهدفت أجهزة الاتصال التابعة لعناصر حزب الله في لبنان وسورية، يوم أمس، الثلاثاء، شكلت ضربة معنوية قاسية للحزب، وزادت من قدرة الردع الإسرائيلي. ومع ذلك، لم تؤدِ العملية إلى تغيير إستراتيجي جوهري في المنطقة، لكنها قد تمهد الطريق لمواجهة مستقبلية مفتوحة.
وتُعد العملية الإسرائيلية، التي تم فيها اختراق وتفجير أجهزة “بيجر” تابعة لعناصر حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت ومناطق الجنوب والبقاع، والتي أسفرت عن مقتل وإصابة الآلاف، الأكبر من نوعها منذ بدء التصعيد الإسرائيلي على جبهة لبنان في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
ويشير محللون إسرائيليون إلى أن حزب الله قد يرد بهجمات صاروخية أو بطائرات مسيرة، مما قد ينذر بتصعيد قد يتطور إلى حرب شاملة. ومع ذلك، لا يُتوقع أن تسهم هذه التفجيرات في استعادة الأمن شمال إسرائيل، أو تحقيق هدف إسرائيل المتمثل بـ”إعادة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان”.
لا تغيير جوهريا في الوضع الإستراتيجي
وقال المحلل العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، رون بن يشاي، إن تفجير أجهزة الاتصال عن بعد “كشف لحزب الله مدى سهولة اختراقه، ليس فقط من الناحية الاستخبارية بل أيضًا من الناحية الرقمية والتقنية”. واعتبر أن “هذا التكامل بين الاستخبارات والاختراق الرقمي يشكل سلاحًا بحد ذاته، وعلى حزب الله ورعاته الإيرانيين الحذر منه”.
في المقابل، شدد بن يشاي على أنه “في الوقت الحالي، لا يوجد تغيير جوهري في الوضع الإستراتيجي”. معتبرا أن “التفجيرات المنسوبة إلى إسرائيل تزيد من مستوى الردع ضد حزب الله وإيران، وتعتبر ضربة معنوية للحزب، لكنها لا تشكل تحولًا إستراتيجيًا يضمن عودة سكان الشمال إلى منازلهم بأمان”.
وأضاف: “إذا كانت إسرائيل تقف بالفعل وراء هذه التفجيرات، بما في ذلك تلك التي حدثت في سورية، فهي توجه رسالة تحذير واضحة إلى حزب الله لعدم تنفيذ هجمات داخل إسرائيل، كما فعل الحزب مؤخرًا باستخدام بنية تحتية فلسطينية محلية”، في إشارة إلى الادعاءات الإسرائيلية بأن حزب الله حاول تنفيذ عمليات تفجيرية داخل إسرائيل استهدفت إحداها مسؤولًا أمنيًا إسرائيليًا بارزًا.
وقال إن “خبراء الإلكترونيات يعتقدون أن أجهزة الاتصال التي انفجرت كانت تُستخدم لتنسيق وتوقيت إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة تجاه إسرائيل، وكذلك لإعطاء إنذارات لمقاتلي حزب الله ضد ضربات سلاح الجو الإسرائيلي”. وأضاف “من المرجح أن يرد حزب الله بإطلاق صواريخ مكثفة وهجمات بالطائرات المسيرة، لكن ربما لن يكون ذلك تصعيدًا كبيرًا عن الوضع الحالي”.
“عملية ناجحة لكنها لا تقرب إسرائيل من أهدافها”
بدوره، نقل محلل الشؤون الاستخباراتية في “يديعوت أحرونوت”، رونين بيرغمان، عن ضابط رفيع في الجيش الإسرائيلي قوله إن “حزب الله في حالة صدمة وخوف وإهانة. الإصابات ليست قاتلة بشكل دراماتيكي، ولكن هناك مئات المصابين بجروح طفيفة ومتوسطة، ولدى كل عائلة تقريبًا شخص مصاب”.
وقال بيرغمان إن “العملية نجحت بالكامل وتركت حزب الله في حالة صدمة”. ولكن الضابط الكبير استدرك قائلاً: “لا أعتقد أن هذه العملية التي كانت ناجحة بنسبة 100% ستساهم في تعزيز أمن إسرائيل. الأهم هو إعادة عشرات الآلاف من المواطنين الذين تم إجلاؤهم من الشمال، ولا أرى حتى الآن إستراتيجية واضحة لربط هذه العملية بتحقيق هذا الهدف”.
وتوقع الضابط أن رد حزب الله سيكون قويًا، مما قد يؤدي إلى تصعيد كبير في المواجهة بين الجانبين. وقال “أستطيع أن أرى خطًا واضحًا بين التفجيرات وتفاقم الوضع بشكل كبير، لأن حزب الله، المقتنع بأن إسرائيل تقف وراء الحادث، سيقرر أنه لا يبتلعه، بل يرد بقوة، ومن ثم سترد إسرائيل عليه، وسوف يتفاعل مع رد الفعل. هناك مصطلح لهذا النوع من التبادل العسكري المكثف – ‘حرب'”.
تعجيل العملية خوفًا من اكتشاف حزب الله للثغرة الأمنية
وفي سياق متصل، نقل المحلل السياسي في موقع “واللا” الإلكتروني، باراك رافيد، عن ثلاثة مسؤولين أميركيين كبار، قولهم إن إسرائيل “قررت تفجير مئات أجهزة الاتصال التي كان يستخدمها مقاتلو حزب الله في لبنان وسورية، خوفًا من اكتشاف الحزب للثغرات الأمنية في هذه الأجهزة”.
ونقل عن مسؤول أميركي رفيع، الذي وصف الأسباب التي قدمتها إسرائيل للولايات المتحدة في ما يتعلق بتوقيت الهجوم إن “إسرائيل كانت أمام خيارين: إما استخدام أجهزة الاتصال المزروعة أو فقدان الفائدة منها”.
كما نقل رافيد عن مسؤول إسرائيلي سابق أن “أجهزة المخابرات الإسرائيلية خططت لاستخدام أجهزة الاتصال المفخخة التي تم زرعها بنجاح لدى مقاتلي حزب الله كضربة افتتاحية مفاجئة في حرب شاملة، بهدف شل حركة الحزب بشكل مؤقت ومنح إسرائيل أفضلية كبيرة في الهجوم”.
وفي الأيام الأخيرة، “تصاعدت المخاوف في إسرائيل من أن حزب الله قد يكتشف أن أجهزة الاتصال تشكل ثغرة أمنية. ونتيجة لذلك، عُقدت مشاورات طارئة بين رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، وكبار الوزراء والمسؤولين الأمنيين، وتم اتخاذ قرار باستخدام النظام السري الآن بدلاً من المخاطرة باكتشافه من قبل حزب الله”، وفقًا لمسؤول أميركي.
وكان موقع “المونيتور” قد أشار إلى هذه “المخاوف”، ولفت إلى أن اثنين من مقاتلي حزب الله طرحوا شكوكا وتساؤلات حول أجهزة الاتصال في الأيام الأخيرة، الأمر الذي عجّل من القرار الإسرائيلي باستخدامها.
وعلى ضوء تهديد حزب الله بالرد على الهجوم الذي أسفر عن مقتل ما لا يقل عن تسعة أشخاص وإصابة 4000 آخرين، منهم 400 في حالة خطيرة، اعتبر مسؤولون إسرائيليون وأميركيون أن رد حزب الله قد يسير في اتجاهين: “إما أن يبدأ الحزب هجومًا كبيرًا على إسرائيل للانتقام من الإهانة التي تعرض لها، أو قد يتردد على الأقل في المدى القريب، خوفًا من وجود ثغرات أمنية أخرى قد تستغلها إسرائيل”.
هل علمت واشنطن مسبقا بتفاصيل الهجوم؟
وأشار رافيد إلى أنه “عندما زار مبعوث الرئيس الأميركي، عاموس هوكشتاين، إسرائيل، يوم الإثنين الماضي، كان نتنياهو، ووزير الأمن، يوآف غالانت، ومسؤولون آخرون “مشغولين بمشاورات أمنية حول الموضوع”. وعندما التقوا بهوكشتاين، “لم يعطوه أي إشارة لما كان يحدث وراء الكواليس”.
وفي مساء يوم الثلاثاء، قبل دقائق من بدء الانفجارات في جميع أنحاء لبنان، اتصل غالانت بوزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن. وقال مسؤول أميركي إن غالانت أبلغ أوستن أن “إسرائيل ستقوم بعملية ما في لبنان قريبًا، لكنه رفض تقديم تفاصيل محددة حول الهدف أو طبيعة العملية”.
وأضاف المسؤول الأميركي أن إسرائيل “لم تبلغ الولايات المتحدة مسبقًا بتفاصيل الهجوم”، لكنه أشار إلى أن مكالمة غالانت “كانت محاولة لتجنب مفاجأة الولايات المتحدة بشكل تام”. ومع ذلك، يشعر كبار المسؤولين في إدارة بايدن بأنهم لم يحصلوا على إشعار كافٍ مسبقًا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الثلاثاء: “لم نكن على علم بهذه العملية ولم نكن جزءًا منها”.