أقلام

تداعيات الانتحار على الشباب الفلسطيني ما بين المحاولة والتنفيذ

بقلم: د.منى سامي موسى

يعتبر الانتحار ظاهرة معقدة تؤثر على العديد من الأشخاص في جميع أنحاء العالم. تعد من أكبر أسباب الوفاة غير الطبيعية في العديد من البلدان. وفقًا لتقرير منظمة الصحة العالمية لعام 2019، يقدر أن أكثر من 77 في المائة من حالات الانتحار تحدث في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، بما في ذلك بلدان إقليم شرق المتوسط حيث قدر عدد الأشخاص الذين لقوا حتفهم بسبب الانتحار بأكثر من 41 ألف شخص بنفس العام، وتختلف معدلات الانتحار بين البلدان، وتبين أن المعدلات أعلى في الرجال عنه في النساء، حيث أن الذكور أكثر عرضة لقتل أنفسهم من الإناث بمقدار 3-4 مرات. هناك ما يقدر بنحو من 10 إلى 20 مليون محاولة انتحار فاشلة كل عام.

في العام الحالي، شهد قطاع غزة حوادث انتحار مأساوية تدمي قلوب الناس. هذه الأحداث تعكس حالة اليأس التي يعيشها ملايين الفلسطينيين في القطاع الساحلي، الذين يواجهون تحديات متعددة نتيجة الحصار الإسرائيلي المفروض على القطاع والانقسام الداخلي، ويظهر أن هناك زيادة في حالات الانتحار نتيجة اليأس الشديد الذي يعاني منه الأشخاص، وهذا اليأس ليس مقتصرًا على الحالات التي تم تنفيذها وانتهت بالفعل، بل يشمل أيضًا أولئك الذين يعبِّرون علنًا عن رغبتهم في الموت كوسيلة للهروب من واقعهم المعيشي السيئ.

بحسب مركز الميزان لحقوق الإنسان، أنه في العام 2022 سُجلت 18 حالة موت بسبب الانتحار في قطاع غزة، بينهم ثلاث نساء، فيما تم تسجيل 19 حالة عام 2021 جميعهم من الذكور، بينما كان عام 2020 الأعلى في عدد حالات الموت بسبب الانتحار بين السنوات الخمسة الماضية، حيث سُجلت 39 حالة بينهم سبع إناث، وقبل ذلك، في العام 2019، سُجلت 11 حالة موت بسبب الانتحار، بينهم امرأتان.

من المهم أن نتذكر أن وراء كل حالة انتحار تكمن قصة فردية معقدة، فتقول سامية: “أنا كان عندي فكرة بالانتحار لأنه كل وضعي النفسي والاجتماعي والمعيشي صعب جداً تزوجت وأنا صغيرة ما كنت بفهم ايش يعني زواج تعرضت لأبشع أنواع العنف وبعد فترة تغيرت كل حياتي بطلت أهتم بحالي ومزاجي دايما سيء، وفجأة لما اسودت الدنيا بوجهي شربت سم فيران بعدها ما حسيت بأي اشي غير أنه انا بالمستشفى وعملوا الي غسيل معدة، وتعبت كتير لحد ما تحسن وضعي الصحي والنفسي وبعد هيك تجربة قررت أنه ما ارجع افكر مرة تانية بالانتحار لأنه بوقتها حسيت الحياة انتهت بالنسبة إلي”.

تقول مريم أيضًا: “أنا كنت خاطبة شخصًا من خارج غزة لمدة خمس سنوات، وكان من المفترض أن ألتقي به، لكن شاء النصيب ألا أتمكن من ذلك. قررت فسخ الخطبة، ولم يكن من السهل بالنسبة لي التخلص من هذه القضية. صرت أفكر باستمرار في الأسباب التي أدت إلى هذا الوضع. بعد فترة من التفكير، أثرت علي سلباً وجرحت يدي بسكين. كان أهلي قلقين علي ولم يوافقوا على أن أذهب إلى المستشفى خوفًا من أن يتم تسجيل حالة انتحار لدي. قاموا بتقديم الرعاية اللازمة في المنزل.

ولكن بعد ذلك، قررت أن أذهب إلى أخصائية نفسية لأتجاوز المحنة، وبالفعل، يوماً بعد يوم، تغيرت وتغيرت وجهة نظري بشأن موضوع الانتحار. في الوقت الذي يدق فيه ناقوس الخطر في محافظات غزة بسبب مشكلة الانتحار وانتشارها بين الشباب نتيجة العوامل الاجتماعية والاقتصادية والنفسية، فإن العديد من الدراسات أظهرت أن الاضطرابات النفسية تأتي في مقدمة الأسباب المرتبطة بالانتحار. أي أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب واضطرابات القلق واضطرابات ثنائية القطب واضطرابات الشخصية هم في مخاطر أعلى للانتحار. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي التجارب الصعبة والصدمات النفسية إلى زيادة الاحتمالية للتفكير في الانتحار.

أي أن الأشخاص الذين يعانون من الاكتئاب واضطرابات القلق واضطرابات ثنائية القطب واضطرابات الشخصية هم في مخاطر أعلى للانتحار. إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي التجارب الصعبة والصدمات النفسية إلى زيادة الاحتمالية للتفكير في الانتحار. بجانب التعرض لأحداث مؤلمة مثل فقدان شخص عزيز، والعنف الأسري، والإساءة الجسدية أو الجنسية، فإن تعاطي المخدرات والكحول والإدمان قد يؤدي إلى انخفاض المزاج وفقدان الأمل بالمستقبل، مما يزيد من خطر الانتحار. وتشمل العوامل الأخرى التي تزيد من خطر الانتحار: العزلة الاجتماعية، والتمييز والضغوط الاجتماعية، والمشاكل الأسرية، والخلافات الزوجية، والطلاق، وفقدان الدعم العائلي، وسهولة الوصول إلى وسائل الانتحار مثل المواد السامة والأدوية، وتوفر الأدوات الحادة، والتاريخ المرضي السابق.”

لذا، ينبغي أن نتعمق في فهم الأسباب التي تدفع الأشخاص إلى التفكير في الانتحار، ويجب أن يتم العمل على معالجة هذه الأسباب الجذرية بشكل فعال من خلال توفير الدعم النفسي والاجتماعي، وتعزيز العلاقات الأسرية والمجتمعية من خلال تعزيز التواصل والتفاهم بين أفراد الأسرة، وتوفير المساحات الآمنة للشباب للتعبير عن مشاعرهم ومشاركة تجاربهم، وتشجيع المشاركة في الأنشطة المجتمعية والمساهمة في تطوير المجتمع، وتعزيز الحوار والتواصل بين الشباب والجهات المعنية بما في ذلك الحكومة ومنظمات المجتمع المدني أي يجب أن يتم سماع آراء الشباب واحتياجاتهم وتشجعيهم على المشاركة في صنع القرار، وتوفير فرص التعليم والتطوير الشخصي من خلال توفير برامج تعليمية ملائمة ومتاحة وتشجيع الشباب على اكتساب المعرفة والمهارات التي تساعدهم في بناء مستقبل بناء، التركيز على خلق فرص عمل وتوفير الدعم للشباب من خلال تعزيز الاستثمارات المحلية وتطوير القطاع الخاص وتقديم التدريب المهني والتعليم المهاري الذي يتناسب مع احتياجات سوق العمل، تعزيز التربية الدينية والقيم الأخلاقية من خلال توفير برامج توعوية وثقافية تعزز الانتماء والهوية الثقافية والوطنية.

زر الذهاب إلى الأعلى