“بين الطحين المفقود والأرواح المهدورة: غزة تكتب فصلها الأشد ظلاماً”
غزة – المواطن
في غزة، حيث الحياة معركة يومية للحصول على أبسط الحقوق، وصل سعر كيس الطحين (25 كيلوغراماً) إلى أكثر من 1000 شيكل في السوق السوداء.
أزمة الطحين والخبز كشفت عن واقع مأساوي متفاقم، تُختزل فيه كرامة الإنسان في كيس طحين وربطة خبز، بينما تسود الفوضى وتستشري العصابات.
مخابز مغلقة ودماء على الأرصفة
صباح السبت الماضي، أغلقت المخابز في دير البلح أبوابها بعد وفاة طفلتين وسيدة اختناقاً بسبب التدافع للحصول على الخبز. في الأسبوع السابق، قُتلت ثلاث نساء برصاص أحد الحراس أمام مخبز آخر. هذه المشاهد المؤلمة أضحت عنواناً يومياً لمعاناة أهالي القطاع.
ثمن ربطة الخبز الرسمية ثلاث شواكل، لكنها تُباع بـ35 شيكلاً في السوق السوداء. الوضع تفاقم مع نفاد الطحين من الأسواق، بينما تحول التوزيع الإنساني إلى فرصة للاستغلال. أصبح الناس يصطفون في طوابير مهينة، يتحدثون عن انتظار لساعات دون جدوى، وعن موظفين غير قادرين على التعامل مع الحشود المتزايدة.
“تجارة الدم” في زمن الجوع
استغلّت عصابات عائلية الأزمة لفرض سطوتها على تجارة الخبز. تدير هذه العصابات السوق السوداء، وتنهب المساعدات الإنسانية بالتواطؤ مع قلة من المسؤولين، في وقت تخلّت فيه “الأونروا” عن مسؤولياتها، مُعلنة تعليق إدخال المساعدات بسبب انتشار سرقات الطحين على يد تلك العصابات.
الإنسانية تتلاشى وسط الموت والفقر
يعيش أغلب سكان القطاع في بيوت بلاستيكية أو من دون نوافذ، تحت رحمة برد الشتاء القارس. الكهرباء والمياه الساخنة رفاهية لا يجرؤ أحد على الحديث عنها. في ظل هذه الظروف، يواجه الفلسطينيون تجريدهم من أبسط حقوقهم الإنسانية، بينما تُهدم حياتهم وكرامتهم تحت وطأة الجوع والذل.
مطالب ملحّة للحفاظ على حياة الناس
تتطلب هذه الكارثة استجابة عاجلة من جميع الجهات الوطنية والدولية. هناك حاجة ماسة لوضع استراتيجية وطنية للحماية الاجتماعية، تتضمن:
1.توزيع الطحين والخبز بآليات منظمة ومحترمة.
2.إقرار سياسات تضمن حقوق المواطنين في الغذاء، الصحة، والخدمات العامة.
3.تشكيل أجسام وطنية لتنسيق الجهود بين المتضررين والمؤسسات.
أهالي غزة لا يحتاجون إلى الشفقة، بل إلى عدالة تضمن لهم أبسط حقوقهم في الحياة. في غيابها، سيبقى هذا المشهد المهين وصمة في ضمير الإنسانية.