أقلام

بأي ذنب قتلت ؟

كتبت سما حسن :

لن ترفع حاجبيك لكي تسأل في تعجب: بأي ذنب قتلت؟، فذنبها أنها ضحية الطلاق الناتج عن مشاكل أسرية، والقصة باختصار أن طفلة صغيرة قد قتلت ذبحاً بالسكين كما النعاج لأن أمها انفصلت عن أبيها، وبحكم قانون مجتمعي فقد أصبحت في حضانة الأب على الرغم من أنها شرعاً وقانوناً يجب أن تكون في حضانة الأم لحاجتها للحماية والرعاية والحب والحنان، لكنها بين يدي أب منتقم وحاقد وفوق ذلك فهو غير سوي نفسياً ويكفي أن تخمن أنه بالطبع يتعاطى أي صنف من المخدرات وأقلها الحبوب والأقراص وربما أي أدوية توصف لمرض ما لكن من أعراضها الجانبية أن يصاب المرء بالهلوسة أو حتى فقدان الوعي، فالمهم أنه بلا وعي وأنه بالتأكيد قد أصبح بلا ضمير وبلا مشاعر حتى أقرب المشاعر الفطرية قد فقدها وهي مشاعر الأبوة.
لسنا بحاجة لكي نسأل بأي ذنب قتلت طفلة صغيرة جميلة ورقيقة بأن ذبحت حتى وصل الذبح إلى عمودها الفقري فهي ضعيفة وبين يدي إنسان تجرد من إنسانيته لكنه يمتلك القوة وفي نفس الوقت هو بلا قلب وقد قرر أنه يجب أن يزيح مسؤوليتها عن كاهله وربما قد قرر أن ينتقم من أمها بأن يحرق قلبها على طفلتها.
من الطبيعي أن يقع الطلاق لزواج غير متكافئ، وغالباً ما يكون إدمان الزوج هو أحد أسباب الطلاق كما أن من أسبابه تعرض الزوج لضغوط نفسية بحيث أنه لا يستطيع أن ينفق على البيت وفي ظل وضع اقتصادي سيئ ومترد في غزة، ولا يستطيع أن يفي بأقل الالتزامات نحو أسرته الصغيرة الناشئة فالدائرة تضيق حوله ومتطلبات الحياة الضرورية أكثر من غير الضرورية وهو خالي الوفاض وقد يضطر للجوء إلى المخدر ليغيب عن الواقع قليلاً، وحين يعود إلى وعيه يكتشف أن شيئاً لم يتغير فيعود لكي يغرق في اللاوعي أكثر ويفيق قليلاً في وضع أسوأ، ويخيل إليه أن الموت هو وسيلة نجاة وإنقاذ لطفلته الصغيرة التي لا يستطيع أن يفعل لها شيئاً وكلما رآها فهو يتذكر أن زوجته قد نفذت بجلدها وأفلتت وهو يعتقد ذلك لكنها خاسرة فقد خسرت فلذة كبدها وتركتها بين يديه نتيجة لضغوط عائلتها عليها وربما نتيجة لأنها لم تعد تحتمل وتريد أن تنجو بحياتها.
الحادثة البشعة هي عبارة عن جرس إنذار بأن مثلها قد يحدث، وأن هناك عشرات وربما مئات الآباء ممن تساورهم نفوسهم بأن يفعلوا ذلك فالشرَك محكم حولهم ما بين انعدام قدرتهم على تحمل المسؤولية وعدم قدرتهم على الإنفاق المادي والرغبة في الانتقام من الأم، وهكذا يجتمع هذا الثالوث فوق رأس الأب ويقرر أن يضع حداً أو يهيئ إليه أنه سوف يضع حداً، فهناك الكثير من الذين يتعاطون المخدرات أو ممن يعانون من أمراض نفسية يصل بهم الاعتقاد إلى أن الموت راحة ونجاة لأقرب الناس إليهم فنسمع الكثير من الحوادث حول أب يقتل ابنه أو ابنته أو حتى كل عائلته.
ليس هناك علاقة بين هذه الحادثة وحادثة قتل زوج مطيع ومثالي في أوروبا مثلاً لأفراد عائلته، فهذا يعاني من مرض نفسي معقد كما أن لديه من الترف ما يكفي لكي يعتقد معتقدات غريبة، لكن الأب هذا الذي يعيش في مكان تعيس مثل غزة حيث لا أفق ولا نجاة من الفقر والحصار والبطالة وتردي الأوضاع المعيشية يوماً بعد يوم، لذلك فهو يقرر أن يقتل هكذا يقرر وهو يعتقد أنه ينتقم أو أنه يريح أقرب الناس إليه وفي الحالتين كلتيهما هناك جريمة ودم يسيل لطفلة بريئة لم ترَ شيئاً من هذه الحياة سوى الحزن والتشتت والانهيار الأسري وضياع البيت الدافئ.
القضية أو الملف لو تم إغلاقه بصلح عشائري أو بتدخل الوجهاء فسوف يكون ذلك مشيناً بحق الإنسانية أولاً ومشيناً بحق الأبوة ومشيناً بحق الأسرة والأم، سوف يكون ضوءا أخضر لكي يستمر أمثال هذا الزوج الخالي الوفاض من كل شيء إلا من عقل مريض يجب أن يحاسب على جريمته وبكل قوة تحقيقاً لعدالة الخالق أولاً وأخيراً.

زر الذهاب إلى الأعلى