آخر الأخبار

الهيئة الدولية “حشد” تُرسل مذكرة إحاطة شاملة بشأن جريمة التعطيش والتجويع بقطاع غزة

تخاطب الجهات الأممية والدولية لتحمل المسؤولية

أرسلت الهيئة الدولية لدعم حقوق الشعب الفلسطيني (حشد)، مذكرة إحاطة قانونية وإنسانية عاجلة، سلّطت من خلالها الضوء على واحدة من أبشع الجرائم المستمرة التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي بحق أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة، والمتمثلة في سياسة التعطيش والتجويع الممنهجة التي تدخل في إطار العقوبات الجماعية وجرائم الإبادة الجماعية المحظورة بموجب القانون الدولي.

وجاءت هذه المذكرة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي الشامل على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر 2023، حيث وثّقت الهيئة الدولية “حشد” تعمّد سلطات الاحتلال استخدام الغذاء والماء كأدوات حرب لإبادة السكان المدنيين وتجويعهم، عبر سلسلة من الإجراءات والممارسات غير القانونية. وتشمل هذه الإجراءات إغلاق جميع المعابر، ومنع دخول المساعدات الإنسانية بما فيها المواد الغذائية والطبية، وتقييد وصول الوقود اللازم لتشغيل شبكات المياه والصرف الصحي، إلى جانب استهداف المخابز ومنشآت تخزين الأغذية وتدمير خزانات المياه، الأمر الذي أدى إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة تهدد حياة مئات الآلاف من الأطفال والنساء والمرضى وكبار السن.

وفي هذا الإطار، وجهت الهيئة الدولية (حشد) مذكرة الإحاطة إلى مجموعة واسعة من الجهات الدولية المعنية، وفي مقدمتها الأمين العام للأمم المتحدة، وأعضاء مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، واللجنة الدولية لتقصي الحقائق الأممية الخاصة بالأراضي الفلسطينية المحتلة. كما تم مخاطبة محكمة العدل الدولية والمدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية، والمقرر الخاص المعني بحالة حقوق الإنسان في الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة (OCHA)، إلى جانب عدد من الوكالات المتخصصة مثل منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (FAO)، ومنظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف)، والمجلس العالمي للمياه (WWC)، واللجنة الدولية للمياه والصرف الصحي (IRC)، ومنظمة “أنقذوا الأطفال” (Save the Children).

وأوضحت المذكرة أن هذه الممارسات تُعد انتهاكًا صارخًا لمبادئ القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقيات جنيف الرابعة، التي تُلزم القوة القائمة بالاحتلال بضمان توفير الاحتياجات الأساسية للسكان الواقعين تحت الاحتلال، بما في ذلك الغذاء والماء والدواء. كما اعتبرت الهيئة أن استخدام الاحتلال للتجويع والعطش كوسائل حرب يرقى إلى جريمة ضد الإنسانية وفقًا لنظام روما الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية، وجريمة إبادة جماعية بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948.

سياسة التجويع الممنهجة في غزة: كارثة إنسانية بفعل الاحتلال

تشهد غزة واحدة من أسوأ الكوارث الإنسانية في العصر الحديث نتيجة سياسة التجويع الممنهجة التي تنفذها سلطات الاحتلال الإسرائيلي. فمن خلال إغلاق كافة المعابر ومنع دخول المواد الغذائية والطبية والوقود، حولت إسرائيل القطاع إلى سجن كبير يعاني سكانه من مجاعة كارثية. ولم تكتفِ بذلك، بل استهدفت بشكل متعمد 26 تكية خيرية و37 مركزاً لتوزيع المساعدات، ما أسفر عن استشهاد 743 فرداً من فرق الإغاثة بينهم عاملون أجانب. وتجسدت وحشية هذه السياسة في “مجزرة الطحين” بشارع الرشيد التي راح ضحيتها 110 مدنيين بين أطفال ونساء كانوا ينتظرون الحصول على قوت يومهم.

وقد أدت هذه الإجراءات إلى انهيار كامل في القطاع الغذائي بغزة، حيث توقفت 100% من المخابز عن العمل بسبب منع دخول الوقود والطحين. بينما يحتاج القطاع إلى 450 طناً من الدقيق يومياً، لا تتجاوز المساعدات الداخلة 10% من هذه الاحتياجات. وأسفرت هذه الأزمة عن وصول 495,000 شخص إلى مرحلة المجاعة الكارثية (المرحلة الخامسة)، بينهم 557,000 امرأة و60,000 طفل يعانون من سوء التغذية الحاد. ولقد بلغت المأساة ذروتها باستشهاد 52 شخصاً جوعاً، بينهم أطفال، فيما اضطر السكان لأكل العشب وأعلاف الحيوانات للبقاء على قيد الحياة.

إغلاق المعابر كأداة للعقاب الجماعي

تمثل سياسة إغلاق المعابر أحد أهم أدوات العقاب الجماعي التي تمارسها إسرائيل ضد سكان غزة. فبالرغم من اتفاق وقف إطلاق النار في يناير 2025 الذي نص على دخول 15,000 شاحنة مساعدات و1,250 شاحنة وقود، إلا أن سلطات الاحتلال لم تلتزم بهذه الاتفاقية. وقد أدت هذه السياسة إلى ارتفاع معدل البطالة إلى 90%، ووصول عمولة تحويل الأموال إلى 40%، مما زاد من معاناة السكان الذين أصبحوا يعتمدون كلياً على المساعدات الإنسانية الشحيحة.

سياسة التعطيش: حرب على مقومات الحياة الأساسية

تمارس إسرائيل سياسة تعطيش ممنهجة ضد سكان غزة من خلال تدمير البنية التحتية للمياه. حيث دمرت 80% من آبار المياه في بيت لاهيا، وحرمت 40% من سكان القطاع من الحصول على مياه صالحة للشرب. وانخفضت حصة الفرد اليومية من المياه من 86 لتراً إلى ما بين 3-12 لتراً فقط، وهي كمية لا تكاد تذكر مقارنة بالحد الأدنى العالمي البالغ 100 لتر للفرد يومياً. وتشير التقارير إلى أن 96% من مياه غزة أصبحت ملوثة وغير صالحة للاستهلاك وفق معايير منظمة الصحة العالمية.

تفشي الأوبئة: عواقب مروعة لسياسة التعطيش

أدت أزمة المياه المتفاقمة إلى انتشار واسع للأمراض والأوبئة، حيث يعاني 66% من سكان القطاع من أمراض مرتبطة بتلوث المياه. وسجلت الإحصائيات 500,000 إصابة بالإسهال المائي، و71,338 حالة إصابة بالكبد الوبائي، بالإضافة إلى مليون حالة التهاب تنفسي. كما شهد القطاع عودة مرض شلل الأطفال بعد 25 عاماً من اختفائه، ما استدعى حملة تطعيم عاجلة شملت 559,161 طفلاً. ولم تقتصر الأزمة على ذلك، بل انتشرت أمراض جلدية خطيرة مثل 100,000 إصابة بالجرب و60,000 حالة طفح جلدي، مما زاد من معاناة السكان في ظل انهيار النظام الصحي بالكامل.

هذه السياسات الممنهجة تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي الإنساني وتستدعي تدخلاً عاجلاً من المجتمع الدولي لإنقاذ ما تبقى من مقومات الحياة في قطاع غزة.

وأكدت الهيئة الدولية (حشد) في مذكرتها أن الصمت الدولي تجاه هذه الجرائم يمثل تواطؤًا ضمنيًا مع مرتكبيها، مطالبةً المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته القانونية والإنسانية، والتحرك الفوري والجاد لوقف الجرائم الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين. كما دعت إلى فتح المعابر دون تأخير، والسماح العاجل بدخول الإمدادات الأساسية من الغذاء والماء والدواء، وتأمين الحماية الدولية للمدنيين، ومحاسبة قادة الاحتلال على جرائمهم أمام المحاكم الدولية المختصة.

وتأمل الهيئة الدولية “حشد” أن تسهم هذه المذكرة في تحفيز تحرك عاجل ومسؤول من قبل الجهات الدولية لإنهاء سياسة التجويع والتعطيش التي تُمارس كأداة من أدوات الحرب ضد سكان قطاع غزة، ووقف الإبادة الجماعية التي تتكشف يومًا بعد يوم في ظل غياب العدالة وصمت المجتمع الدولي.

زر الذهاب إلى الأعلى