التوافق الوطني ما زال بين الحيرة والانتظار
بقلم الكاتبة : تمارا حداد.
بعد تلقي دعوات مصرية لاجتماع الأمناء العامين للفصائل المزمع عقده في ال30 من الشهر الجاري في القاهرة وذلك بعد دعوة رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى لقاء على مستوى الأمناء العامين لبحث الأوضاع الفلسطينية في ظل العدوان الاسرائيلي على مخيم جنين، لم يكن هذا الاجتماع الأول ولن يكون الأخير نظراً لتكرار مشهد الواقع الفلسطيني ولكنه سيكون الفرصة الأخيرة أمام ما يقوم به الاحتلال من فرض امر واقع يصعب تغييره مهما كانت الضغوطات أو الإدانات.
في ظل ازمة مُركبة تنتاب القضية الفلسطينية وضبابية المشهد المستقبلي الفلسطيني مع وضوح رؤية اليمين المتطرف الاسرائيلي الذي يؤكد على حسم الصراع (الاسرائيلي_الفلسطيني) وترسيخ يهودية الدولة التي لا تكتمل الا باكتمال ضم الضفة الغربية، حيث استطاع الاحتلال خلال السنوات الماضية أن يقضي على القضية الفلسطينية من خلال السيطرة على الأرض وجعل المدن الفلسطينية ضمن كنتونات مُجزأة يصعب من خلالها تشكيل دولة أو دويلة أو حتى كيان فلسطيني مستقل وبات مفهوم “حل الدولتين” غير قائم كإحدى أهداف المشروع الصيهوني، ناهيكم عن تمادي الاحتلال في التمدد الاستيطاني في الضفة الغربية والسماح للمتطرفين بالتعدي على الأماكن المقدسة والاستمرار في الانتهاكات التي تجري على قدم وساق في سبيل تهويد الأرض وفرض سياسة الأمر الواقع، وايصال الحالة الفلسطينية بأن يتم استبدال الحقوق السياسية بحوافز مالية واقتصادية معظمها يأتي ضمن خانة الوعود والأوهام.
ومع دخول الاحتلال الأرض بشكل يومي بات يُشرعن تواجده مع إذابة الحقوق الفلسطينية المشروعة والمنصوص عليها في القرارات الدولية مقابل منافع فردية لتدجين الحالة الفلسطينية، لاستكمال بناء الدولة العبرية اليهودية على أرض اسرائيل التوراتية “ايرتز اسرائيل” التي تمتد من البحر المتوسط إلى نهر الأردن بضم يهودا والسامرا “الضفة الغربية”، إضافة إلى الاستمرار قُدماً بتسريع التهجير الطوعي للقضاء تدريجياً على الكيان الفلسطيني والقدس الشرقية عبر التوسع الاستيطاني في الضفة وعمليات تهويد القدس، وهدفه المستقبلي دمج ما تبقى من الكيان الفلسطيني في واقع الدولة العبرية كحال أوضاع عرب 48 مع إعطائهم حقوق الإدارة المحلية.
فمن هنا آن الأوان نحو تغير الرؤية المنهجية الفلسطينية والتقاط الفرصة الاخيرة لاجتماع القاهرة لعل المحاولة تُعزز بلورة ايجاد الحل للخروج من المازق، وهذا الامر من مسؤولية الفلسطينيين بتوحيد القيادة في اطار سياسي تمثيلي واحد يمكنه التقدم في الحكم وهذا لن يحدث بجهود دون الجهد الشعبي واختيار تلك القيادة دون انتخابات فعلية وترسيخ مبدأ التداول السلمي اسلم الطرق بدل التفكير في حكومة جديدة لا تلقى قبول الشارع الفلسطيني وهذا يعني استمرار تضاؤل ثقة الشارع الفلسطيني بمجمل الواقع الحالي .
لا بد من استثمار الاجتماع في القاهرة لتثبيت المصالحة الفلسطينية الداخلية واتخاذ موقف مرن من حكومة يشكلها ويختارها الفلسطينيين بالتداول السلمي والدمج التدريجي بين الضفة وقطاع غزة ودمج الفصائل غير المنطوية في اطار منظمة التحرير للبدء في التخطيط الفعلي للخروج من المأزق.
ان اهم بند في الاجتماع قُبيل الحديث عن اي نقطة هي “حسن النوايا” لدى اكبر الفصائل وحل القضايا الخلافية، ان نقاط القوة بين يدي الجانب الفلسطيني تكمن في الوحدة الحقيقية وارساء توافق بين الجميع وبأخذ مشورة الشعب الفلسطيني واحترام ما يختاره الشعب، ونقطة القوة الاخرى بعض الدول العربية والاقليمية والدولية مع ارساء الانتخابات الفلسطينية لتشكيل نظام سياسي موحد وبناء مؤسسات واحدة وهيكلية ادارية واحدة ونظام اداري اجتماعي اقتصادي الى جانب السياسي بشكل موحد.
ما يحدث للقضية الفلسطينية خطير جداً نتيجة الانقسامات الفلسطينية فالتنظيمات تعلم تماماً بواقعها الحالي الضعيف لن تستطيع إنقاذ الموقف، لذا عليهم استثمار وجودهم في مصر نهاية الشهر الجاري لدرء حالة الانقسام والموافقة على المصالحة وأن يتنازل الطرفين لمصلحة القضية الفلسطينية وإيجاد حلاً واقعياً لإعادة اللُحمة الفلسطينية وإنقاذ الوضع الراهن واعادة الحالة الديمقراطية التي تُعيد ثقة الشارع الفلسطيني بالسلطة عبر انتخابات شاملة تشمل القدس وهناك حلول عديدة لإدخال القدس دون التذرُع بها لعدم إرساء الانتخابات.
لا بد من عدم الاستهانة بقدرات الشعب الفلسطيني فيوماً سينتفض جماهيرياً وليس فردياً حيث بلغ الاستهتار والتردي الفصائلي مداً مزعجاً تقزمت به الحالة الوطنية وغابت الرؤية لتقليص “الانقسام الفلسطيني_ الفلسطيني”، الذي زرع مفاهيم فكرية شوهت الحالة الوطنية.
بات ملف المصالحة الفلسطينية موضوعاً يؤرق كافة الاطراف الفلسطينية والدول المنوطة بحل هذا الملف وبالتحديد مصر كونها المسؤولة عن هذا الملف وملف المصالحة جعل الشعب الفلسطيني يعيش حالة من الاحباط وبالتحديد في قطاع غزة لما يعانيه من فقر وبطالة وقطع الكهرباء وانتشار حالة من الرعب في القطاع مما هو قادم، واسرائيل تريد ابقاء الوضع كما هو من اجل اضاعة الوقت لاعادة ترسيم حدودها وضم الضفة الغربية ومع استمرار تعاملها مع القطاع كإدارة ملف وليس حلاً لتسوية الحالة السياسية للقطاع.
ان بناء المصالحة ضمن مفهوم الشراكة السياسية الحقيقية ورؤية وطنية فعلية ضمن برنامج وطني موحد يشمل الكل الفلسطيني لانقاذ الموقف الفلسطيني وبناء منظمة التحرير يشمل الكل الفلسطيني التي أصبحت هيكلاً لا مضمون لها ولا تحمل أي برنامج لحل ما يحدث في الضفة الغربية، والمصالحة هي مقدمة لتشكيل “تحالف سياسي تشاركي” لاستعادة الحوار الوطني الشامل والانتخابات أولى تلك الخطوات لتأسيس حُسن النوايا نحو الوحدة الوطنية قبل “ترسيم الأرض” وليس ضمها لصالح الاحتلال، وإعادة تقييم علاقة السلطة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي كعلاقة محتل لأرض مغتصبة وليس علاقة تعاون ضمن إطار التنسيق الأمني، ومن هنا فالضغط الشعبي في الضفة والقطاع نحو الانقاذ ضرورة ملحة في هذه المرحلة وإلا أصبحت الحقوق الوطنية في مهب الريح.
على المستوى السياسي من المهم ترسيخ مبادئ الحوار بين الاطراف المتناحرة والوصول لنقطة التقاء لحل الاشكاليات بين الاطراف بشكل سياسي قبل الدخول الى صراع داخلي يُهدد الامن والسلم الاهلي وهذا مايُغذيه الاحتلال واعوانه.