الانفجار في المنطقة قادم لا محالة
كتب طلال عوكل
لا تخفي الإدارة الأميركية خشيتها من أن تندفع السياسة الإسرائيلية نحو ارتكاب حرب، أو مغامرة، من شأنها أن تربك السياسة الأميركية والغربية عموماً.
مرّة أخرى، تختلف الأولويات، بين الإدارة الأميركية التي تضع الصين وروسيا في مقدمة أولوياتها، وتخوض حرباً من أجل المحافظة على النظام العالمي السائد الذي تقف على رأسه وبين إسرائيل التي تضع على رأس أولوياتها، منع إيران من مواصلة برنامجها النووي، وعلى الصعيد الفلسطيني تمهيد الميدان لتحقيق أهدافها التوسعية.
الزيارات المتلاحقة للمسؤولين الأميركيين لإسرائيل، وآخرهم وزير الدفاع لويد أوستن، تحاول عبثاً حتى الآن، ضبط السلوك الإسرائيلي واحتواءه، من خلال تقديم المزيد من المكافآت.
المكافآت هذه المرة تأخذ شكل إجراء مناورات عسكرية ضخمة وذات أبعاد استراتيجية لمحاكاة عملية عسكرية ضد إيران، وكأنّ الإدارة تريد أن تقنع الحكومة الإسرائيلية بأنها لا تتجاهل مخاوفها، ولكن ليس على الطريقة الإسرائيلية ووفق توقيتاتها، وبالإضافة إلى ذلك تبذل الإدارة الأميركية جهداً حثيثاً، لإدماج دول إسلامية وإفريقية في إطار “اتفاقيات التطبيع”.
تتعرض كل من اندونيسيا، وموريتانيا، والصومال، وربما دول أخرى، من بينها العربية السعودية، والنيجر لضغوط أميركية وغربية، لإقناعها أو إرغامها على الالتحاق بركب “التطبيع”.
وإزاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، يبدو أن الإدارة الأميركية لا تنوي القيام بأي مبادرة سياسية لتحريك المفاوضات، وأن كل ما تعمل عليه، هو خفض التصعيد، حتى لا يؤدي إلى انفجار شامل لا ترغبه إدارة جو بايدن في هذه الظروف.
الولايات المتحدة تريد تحييد منطقة الشرق الأوسط، عن دائرة الانفجار، حتى لا تستنزف الجهد الأميركي الذي يتركز على الحرب في أوكرانيا، وتصاعد التوتر مع الصين وفي شبه الجزيرة الكورية.
وبينما تغدق الولايات المتحدة المكافآت لإسرائيل، فإنها لم تعد قادرة على تجنّب توجيه الانتقادات لما تقوم به في الضفة الغربية وإرسال رسائل احتجاج لحكومة نتنياهو.
في العادة، كانت زيارات المسؤولين الأميركيين للمنطقة تبدأ من إسرائيل، ومن هناك تتزود بما عليها القيام به مع الدول الأخرى، التي تشملها الزيارات ولكن هذه المرة، كانت زيارة إسرائيل من قبل أوستن الأخيرة في جولته لأربع دول في المنطقة بدأها من الأردن ثم العراق.
لا تتوقف المحاولات الأميركية لاحتواء السلوك المرتقب لإسرائيل ويهدد بانفجار الأوضاع على ما أشرفت عليه من ترتيبات توصل إليها “اجتماع العقبة”، وتنصّلت إسرائيل منها، وإنما يبدو أن زيارة وفد الوكالة الدولية للطاقة الذرية برئاسة مديرها رافايل غروسي إلى إيران، تشكل محاولة لنزع الذرائع الإسرائيلية.
إيران كانت قد صعّدت عملية تخصيب اليورانيوم إلى 83%، ما يعني أنها تقترب كثيراً من الوصول إلى المستوى الذي يمكّنها من إنتاج قنبلة نووية. هذا الاقتراب يشكل المبرّر لحكومة بنيامين نتنياهو، التي لم تعد تثق في المساعي الأميركية والغربية المتوقفة، والأسلوب الدبلوماسي الذي تعتمده لمنع إيران من الوصول إلى عتبة تصنيع قنبلة نووية.
إيران أبدت تعاوناً مع فريق الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وسمحت بفتح الزيارات، والمراقبة، ما نجم عنه بيان مشترك يظهر نجاح الفريق، وتعاون إيران فيما يتعلق بالبرنامج النووي، من أجل تجنّب مواجهة عسكرية كما قال غروسي.
في حين رحّبت الولايات المتحدة بالنتائج التي حققها فريق الوكالة الدولية، وكذلك الأوروبيون، فإن نتنياهو أبدى انزعاجه، لأنه يدرك بأن تلك النتائج، فضلاً عن أنها تعكس رغبة غربية لتجنّب الحرب، ومواصلة اعتماد المفاوضات، فإنها تنزع الذرائع التي يمكن أن تستند إليها إسرائيل في حرب ضد إيران.
غير أن نتنياهو الذي يواجه أزمةً داخلية تزداد حدّةً واتساعاً وتأثيراً على كل المشهد الإسرائيلي الداخلي، ومؤسسات “الدولة العميقة” والمجتمع، يتحيّن الفرصة للهروب، أو تخفيف هذه الأزمة بالخروج إلى حربٍ تعيد توحيد الإسرائيليين، أو تفرض حالة من التهدئة الداخلية.
في هذا السياق، يبدو من المرجّح أن تصعّد إسرائيل هجماتها على إيران، كما فعلت كل الوقت، وأن ترفع من مستوى وخطورة استفزازاتها حتى ترغم إيران على الانجرار نحو الحرب، أو على الأقل تصعيد الصراع.
بموازاة ذلك، تواصل الحكومة الإسرائيلية، تصعيد الأوضاع في الضفة الغربية والقدس، وربما على جبهة قطاع غزة، متجاهلةً كل الانتقادات والضغوط النظرية، التي تصدر عن حلفائها بما قد يؤدي إلى انفجار شامل في الأراضي المحتلة.
ليس صدفةً أبداً، أن ترتكب القوات الإسرائيلية مجازرها في جنين ونابلس وأريحا وحوّارة، ثم جنين، خلال وجود مسؤولين أميركيين يسعون إلى خفض التصعيد.
مجزرة جنين الأخيرة التي سقط خلالها ستة شهداء، ونحو خمسة عشر جريحاً، وقعت خلال زيارة وزير الدفاع الأميركي أوستن للمنطقة وقبل وصوله إلى إسرائيل بثمان وأربعين ساعة فقط.
حوّارة التي تعرّضت إلى مجزرة بشعة، لم يستطع المجتمع الدولي تجنّب إدانتها، خصوصاً بعد تصريحات وزير المالية والوزير في وزارة الجيش بتسلئيل سموتريتش، التي دعا فيها إلى محوها، ظلت تحت ضغط ميليشيات المستوطنين، وكأن إسرائيل تريد التأكيد على أنها لن تتوقف عن مواصلة شنّ حربها على الفلسطينيين.
وفق هذه السياسة الإسرائيلية، فإن قادم الأيام يحمل في طيّاته إمكانية تفجير الأوضاع على نحوٍ فاشل خلال شهر رمضان، ليس لأن الفلسطينيين يسعون إلى ذلك، ولكن لأن إسرائيل تعمل على ذلك.
المُؤشّرات على قرب هذا الانفجار عملية وواضحة، والتحريض من قبل إيتمار بن غفير وسموتريتش، يتصاعد، وكأنّ إسرائيل تعتمد على الحليف الأميركي كالعادة، لحمايتها من أي قرارات دولية تدينها، ولذلك لا سبيل أمام الفلسطينيين سوى الاعتماد على أنفسهم وترتيب أوضاعهم أوّلاً لخوض صراع طويل لا مجال فيه للمراهنة على تغيير حقيقي في المواقف الدولية.