أقلام

إسرائيل تهزم نفسها.. بقلم: أكرم عطا الله

الأخبار التي تأتي من إسرائيل هي بشريات سارة لكل خصومها الذين لم يتمكنوا من هزيمتها بالسلاح، ها هي القلعة تتشقق من الداخل، أبناؤها يختصمون على إدارتها، يقف الملك في الساحة العامة معلناً أنه سيقوم بإعدام القضاة متسلحاً بزعران الحي الذين يلقون الحجارة على بيوت القضاة، يحاول حكيم الحي التدخل فيتهموه بالخرف والانفصال عن الواقع، حالة هذيانية مسيحانية قامت بتنحية العقل والقانون جانباً لتقيم دولة الشريعة.

شرخ اجتماعي آخذ في الاتساع وخصوصاً بعد رفض خطة الرئيس هرتسوغ وإغلاق الحلول، عنف وتحريض متبادل بين أطراف الشرخ، تدهور اقتصادي أسرع من التوقعات، عرائض ورسائل تحذير من كبار الاقتصاديين آخرهم محافظ بنك إسرائيل البروفيسور أمير يرون، فرع «الهايتك» في حالة خوف شديد وبدأ بالرحيل، جنود الاحتياط في أبرز أذرع القوة يعلنون رفضهم، تحذيرات من يهود الشتات المصابين بصدمة.

الإدارة الأميركية التي يرأسها الرئيس الذي لم يخفِ أنه أكثر الرؤساء صداقة لإسرائيل لا يسارع لعناق نتنياهو على غير عادة الرؤساء الأميركيين، وهذا ما يصيب نتنياهو بغصة كبيرة بالتأكيد، فقد حاول أن يتسول دعوة من الإدارة الأميركية، وفي النهاية أمر وزراءه بمقاطعة نظرائهم الأميركيين في محاولة للفت النظر، وهو يعرف أنه لا يمكن لإسرائيل الاستغناء عن الولايات المتحدة وتتعلق بها كما الطفل بأمه.

علاقات إسرائيل على المستوى الدولي آخذة بالانحسار، ولو تم لقاءٌ ما ستكون أجندتُه الوحيدة التعديلات القضائية والملف الفلسطيني، وفي كل الأجوبة يبدو الموقف الإسرائيلي شديد الوهن ليزداد تصادمها مع العالم سياسياً، ليس فقط لفكرة حل الدولتين، بل لجهة المنظومة القانونية والأخلاقية المهووسة التي تسير إسرائيل تجاهها.
نتنياهو يبدو ضعيفاً كما لم يكن، يتصرف كما الرهينة التي توضع السكين على رقبتها، يقول ما يطلبه المختطفون، هو لا يستطيع التراجع عن إجراءات خطة وزير العدل ياريف ليفين ومن خلفه رسل الصهيونية الدينية الجاهزون لذبحه، ومضطر للتقدم تاركاً دولةً تدخل في فوضى كبيرة، وواضح أن خياره المبكر السير إلى حيث يريد خاطفو المركب بلا تردد، فقد سارع حتى قبل مشاورة شركائه إلى رفض مقترحات هرتسوغ.

صورة إسرائيل تتآكل، تلك الواحة الديمقراطية في الشرق الأوسط تبدو انها تلتحق بالركب، تنتخب ما يشبه نموذج «داعش» العربي حفيد كاهانا وأحد زعران التلال الذي يعلق صور باروخ غولدشتاين في منزله ومحامي الذين حرقوا عائلة دوابشة ويعتبر ما فعلوه عملاً بطولياً، فرع التكنولوجيا التي تفوقت به يغلق شركاته، السعودية تذهب للمصالحة مع إيران، الإمارات الدولة الصغيرة التي اندفعت بلا توازن تجاه إسرائيل ترفع بطاقة حمراء مستخفةً بنتنياهو وحكومته، بيئة إسرائيل التي تألقت بها خلال عقود تتغير، وإسرائيل تظهر بشكل أكثر تخلفاً وأقل استقراراً.

الأمر لا يتعلق فقط بحفنة من المهووسين دينياً وصلوا السلطة واعتبروه انتصاراً وتفويضاً للانقضاض على دولة لا تشبههم، دولة نصف علمانية ونصف ديمقراطية ونصف قانونية وهم معادون لكل هذا. لكن الأمر أبعد من تلك النخبة، فإسرائيل بكليتها تنتقل للوراء، عائدةً إلى الجذور، ينتصر فيها الجين التوراتي الديني على الجين العلماني، وينتصر الجين الشرقي على جينات التأسيس الغربية الحضارية.

استطلاع مؤشر الفتيان في إسرائيل يقدم بصورة أكثر رسوخاً لعملية الانزياح في المجتمع والذي تعكسه القوى اليمينية، وهو مؤشر يجري إعدادُه كل ستة أعوام وتموله مؤسسة فريدش ايبرت الألمانية بالتعاون مع مركز ماكرو الإسرائيلي للاقتصاد السياسي، ويشمل الأجيال من سن 15 إلى سن 25 عاماً ونشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، أشار إلى تنامٍ كبير في التوجهات اليمينية لدى تلك الكتلة قياساً بما قبل ست سنوات، ما يعني ببساطة أن الانتخابات القادمة ستشهد رسوخاً أكبر لهذا التيار، ومن الخطأ الاعتقاد أن انتهاء هذه الحكومة يعني انتخابات ستحمل قوى وسطية أو يسارية هناك، هذا هو مأزق إسرائيل في انزياحها الذي يتجلى منذ سنوات بثبات على سلم بياني صاعد نحو اليمين الأرثوذوكسي، وهبوط واضح بنفس المنحنى البياني للدولة العلمانية القوية.
بعد رفض خطة الرئيس التي قوبلت باستخفاف من قبل أعضاء

الائتلاف تتقدم أكثر سيناريوهات الرعب التي حذر منها عقلاء إسرائيل وحكماؤها ورجال الاقتصاد والفكر، اللواء احتياط اسحق بريك كتب مقالاً بعنوان «سيناريو الرعب «محذراً من أن الوقت ينفد ويقول فيه «إذا لم نعرف كيف نوقف المبادرة خلال الأسبوعين القادمين والوصول إلى حل وسط، فإن سيناريو الرعب في احتمال عالٍ هو أن تؤدي المبادرة إلى خراب الهيكل الثالث».

لا يعني ذلك أن إسرائيل ستتفكك قريباً كما يحلم خصومها، فالأمر ليس كذلك، بل يمكن القول إنها تهوي وبسرعة من مصاف الدول المتقدمة نحو حظيرة العالم الثالث بلا توقف، هكذا هو الأمر بلا تهويل ولكن أيضاً بلا تهوين، هو مسار طبيعي، فقد حملت ما يكفي من التناقضات التي لم تعد تحتملها أكثر، كيف يمكن لدولة دينية القومية أن تكون دولة علمانية الاتجاه؟ وكيف يمكن لدولة تقوم باحتلال شعب آخر أن تكون دولة ديمقراطية؟ يبدو أن لاحتلال الفلسطينيين دوراً في ما يحدث، وذلك يصلح لمقالٍ آخر… إنها لعنة الفلسطيني الذي ساهم بتطرف إسرائيل حد الجنون لتنعكس على الداخل… لعنة الإله بعل… الجد القديم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى