أمام اجتماع الأمناء العامّين
كتبت ريما كتانة نزال :
بعد أسبوع من اليوم، يفترض أن ينعقد اجتماع الأمناء العامّين بناءً على دعوة وجّهها الرئيس في التاسع من تموز الجاري، في أعقاب معركة «بأس جنين»، وسط تساؤلات من قبل المهتمين عن فرص نجاح الاجتماع الذي سوف يلتئم في الثلاثين من تموز الجاري، بينما ما زالت الأجواء ملبدة بغيوم الانقسام والتحامل وتبادل الاتهامات القاسية، ما يتعذر معها الحصول على اجتماع ناجح، بينما ذاكرة المجتمع مُثْقلة بالتجارب المخيّبة للآمال بعد عشر جولات فاشلة من الحوار، وما أنتجته من اتفاقيات لم يتم تطبيقها.
دون الدخول في الأسباب والمسببات التي ساهمت في نفض يد المجتمع من معالجة الانقسام، نحو الضغط والتمسك بأن الجولة القادمة في القاهرة فرصة مهمة أمام القوى السياسية، خاصة طرفَي الانقسام، لانتشال نفسها وشعبها من الحضيض الذي وقعت به وجرّت الشعب معها إليه، والتقاط الفرصة من أجل الاتفاق على برنامج وإستراتيجية نضالية شاملة لمواجهة الاحتلال وحكومته الفاشية الدينية بعد إعلانات الاحتلال عن توجهه لحسم الصراع وفق اعتباراته ومطامعه الأمنية، ووضوح خطته المعلنة لاجتثاث فكرة الدولة الفلسطينية، والقضاء على أي بارقة أمل في قيام دولة فلسطينية ذات سيادة مستقبلاً، كما يُشكل الاجتماع فرصة لتعزيز صمود شعبنا ومقاومته، ومنصة لتفعيل مؤسسات وهياكل منظمة التحرير الفلسطينية.
فإذا كانت الإرادة السياسية متوفرة للمضي قدماً نحو استعادة الوحدة الوطنية، لن نكون بحاجة إلى أكثر من استعادة المواقف والقرارات المتخذة في اجتماع الأمناء العامّين الذي انعقد في الثالث من أيلول 2020 بين رام الله وبيروت بحضور جميع القوى، حيث ميَّز ذلك الاجتماع انعقاده دون رعاية من أي طرف عربي أو خلاف ذلك من أطراف إقليمية، ووضعت جدول أعماله الاحتياجات الموضوعية والمخاطر المحيطة بعد إعلان الرئيس السابق ترامب عناصر صفقة القرن، ومخططات الضم، وتم تطبيق بعض بنودها مباشرة.
لقد تمسك اجتماع الأمناء العامّين المذكور أعلاه بهدف إقامة الدولة الفلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس المحتلة، مؤكداً أنه لا دولة في غزة ولا دولة دون غزة، محدداً قواعد الاشتباك مع الاحتلال، وحق الشعب في ممارسة كافة أساليب النضال المشروعة بما فيها الاتفاق على تفعيل المقاومة الشعبية، وغيرها من القرارات التوافقية.
جميع القضايا الوطنية المذكورة في بيانات ولقاءات سابقة تم الاتفاق عليها وما زالت صالحة للمرحلة الحالية، حيث لم تتجاوزها الأحداث ومستجدات الحكومة الفاشية الحالية ولم تَجبّها، ولكن ما ينبغي القيام به حالياً ليس التمسك بما جاء به بيان الأمناء العامّين أيلول 2020، بل لا بد من اعتبار الهجمة الاستيطانية والعنصرية، وخطط حسم الصراع، الإطار والمدخل الأكثر إلحاحاً الذي ينبغي أن تستند له عملية المصالحة بعيداً عن الأهداف المعلنة وغير المعلنة الدائرة حول المنافع والمصالح الفئوية، التي أفشلت استعادة وحدة النظام السياسي، وساهمت في القطيعة مع الشعب.
المسافة واضحة بين الواقع المعاش حالياً والواقع قبل ثلاث سنوات، فعلى الصعيد الوطني على جبهة الاحتلال، غير خافٍ على أحد اختلاف الحكومة الإسرائيلية الحالية عن سابقتها وتصعيدها سياسات القتل والإعدامات والاقتحامات والاعتقالات، وليس أمامنا مثال أكثر دلالة من تصريح رئيس حكومتها بإعلانه أن مصير من يمسّ أمن إسرائيل القبر أو السجن، مقترحاً شروطه لتكبيل السلطة وتكريس تبعيتها مقابل منع انهيارها، علاوة على أن حكومته ماضية في رسم الوقائع بهدف تجزئة المناطق الفلسطينية المحتلة وعزلها عن بعضها البعض؛ لتمزيق أوصال أرضنا، وإفقادنا التواصل الجغرافي والاجتماعي وإحكام السيطرة.
والمسافة واضحة أيضاً على الصعيد الداخلي باتجاه انخفاض سقف الحريات العامة وغيابها، فالسلطة الفلسطينية تم إنهاكها من قبل الاحتلال والسياسات الدولية، علاوة إلى إنهاكها نفسها عبر استخدامها في مواجهة شعبها. وحكومة الأمر الواقع في غزة تبدو أكثر انكشافاً، حيث باتت مصالحها في الحكم واستمراره تتفوق على منطلقاتها في المقاومة، والفصائل جميعها تتمدد واقعياً على منحنى قوس ما بين فصائل ضعيفة ومستقطبة أو باهتة المواقف وعاجزة لا تستطيع فرض رؤية أو تصحح المسار، بما يملي ويفرض الإسراع إلى توسيع الحوار ليشمل مؤسسات المجتمع المدني المتخصصة، وممثلي النقابات والحركة الشبابية والنسائية، والشخصيات المستقلة، من أجل توفير بيئة متوازنة تصنع التغيير وتحمي استمرار الحوار من أجل مخرجات ونتائج مختلفة.
لذلك، يصبح من أهم أهداف اجتماع الأمناء العامّين القادم، الذي ينعقد في ظروف بالغة التعقيد، الحرص على خلق الأجواء الصحية المناسبة، والتمهيد لعقد الاجتماع ووقف التراشق الإعلامي وحقن الأجواء وشحنها بالخلاف، ولعل الإعلان عن التوجه لإجراء الانتخابات وفق التوافق الذي تم بعد اجتماع حركتَي «فتح» و»حماس» في إسطنبول حول إجراء الانتخابات العامة والرئاسية والمجلس الوطني، سيشكل نقطة عبور نحو استعادة وحدة النظام السياسي وأسس وتطبيق بعض ما ورد في بيان القيادة الأخير الصادر في 3/7 بعد اقتحام مخيم جنين، خاصة ما يتعلق برفع قضايا تدمير القرى الفلسطينية في مناطق 48 خلال فترة النكبة، أو تشكيل لجان الحماية في القرى المعرضة للهجمات والاستيطان من جميع القوى، وغيرها من القرارات الإيجابية المتخذة، لخلق وعي عام بأن الاجتماع تعدى منطق ردود الفعل الآنية على اقتحام مخيم جنين.