شؤون فلسطينيةمجتمع

أعراس غزة الحزينة … فرحة على الضيق وعباءة بدل الفستان الأبيض

غزة – المواطن

على وقع القصف الذي يخلفه العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ نحو عام، وقفت العروس زينة خالد، (23 عاماً) بفستان أبيض داخل إحدى الغرف في بيت ضيق مدمر جزئياً.

نزحت إليه في منطقة المواصي في مدينة خان يونس، وعلى يمناها خالتها، تغني أغاني الفرح بصوت منخفض جداً، وكأنها توشوش الصبية في أذنها.

«الدُخلة ستكون سكيتي» تقول الخالة صُبحية، فلا عُرس سيُقام إلا بعد تحرير غزة من الاحتلال، متسائلة:

«كيف نفرح فرحة كُبرى ونُغني بأعلى صوت والناس يُقتلون ويُشردون؟» ثم تجيب على نفسها مخففة من حدة الأمر، كي لا تُحزن العروس: «فرحة على الضيق، سنفرح رغم أنف الاحتلال».

فرحة صامتة

ويتمسك الفلسطينيون بسُنة الزواج رغم ويلات الحرب والتشريد، فوفقاً لإحصائية ذكرتها مواقع فلسطينية، وقعت 3 آلاف حالة عقد قران خلال شهر واحد في غزة بعد حرب السابع من أكتوبر/ تشرين الأول، وهو ما فسرته الخالة، التي دُعيت إلى العديد من الزيجات كونها تحفظ العديد من أغاني الأعراس التراثية الفلسطينية عن ظهر قلب، بأن «الأعراس باتت فرحة الغزيين الوحيدة حتى لو كانت منقوصة».

أما العروس النازحة من مدينة غزة فترى أن الاحتلال سلبها حقها في إقامة حفل زفاف كبير، يحضره الأهل والأقارب، وشراء فستان زفاف جديد.

وتوضح خلال حديثها:

 

«هذا الفستان لا يناسبني، بحثنا في غزة كلها لنجد فستاناً جديداً ولم نجد حتى اللحظة، ووجدنا ترزي عنده فستان اشتراه من أحد النازحين، أخرجه من تحت الركام.

 

هو صحيح «ظبطه» لكن بالنسبة لي لم يأت على مقاس جسمي» متسائلة:

«كيف يعني ألبس فستاناً ارتده عروسة قبلي؟».

ومع ذلك، تعرب العروس عن رضاها النسبي بالزفاف على ابن خالتها، والمؤجل منذ بداية حرب السابع من أكتوبر:

«الحمد لله، أنا راضية بهذه الفرحة، أنا ومحمود مخطوبين عن حب منذ سنتين، وأخرنا الفرح كتير بسبب ظروف الحرب، ولم ينفع نطول أكثر من هيك».

عباءة بدل الفستان

ومثلها لم تتوقع آلاء زين، (21 عاماً) من مدينة غزة أيضاً، أن تزف إلى جارها حسين دون فرح، فلا مظاهر للفرح والاحتفال، اللهم إلا وليمة على لحم الدجاج المجمد وبعض أطعمة المعلبات.

وتعقب خلال حديثها لـ«القدس العربي»: «منه لله الاحتلال الذي صادر فرحتنا، انتظرنا هذا اليوم طويلاً، خططنا لكل شيء معاً، من أول قاعة الفرح لحد التصوير والرقصات، وحتى طريقة جلوس المعازيم داخل القاعة».

لكن آلاء لم تنجح في الحصول على فستان أبيض لعُرسها، الذي جرى قبل أسبوعين، واكتفت بارتداء عباءة مطرزة، أنقذتها من تحت الأنقاض، بعد تدمير الاحتلال منزلهم في حي الشيخ رضوان

 

فيما ارتدى العريس (حسين) ملابس ششبابية (كاجوال) لكن بسمة كبيرة ارتسمت على وجه العروسين، اللذين أجلا فرحتهما منذ ديسمبر الماضي.

انتظر العروسان عاماً كاملاً على أمل أن ينتهي واقع الحرب المؤلم، لكن دون جدوى. تقول آلاء: «انتظرت طويلاً كي أعيش فرحة العمر التي تحلم بها كل فتاة.

كنت أتخيلني بالفستان الأبيض وحسين إلى جواري في الكوشة يرتدي بدلة بيضاء أيضاً، وتنهال علينا الورود، ونحن نؤدي رقصة بطيئة، والمعازيم تصورنا، لكن هذا العدوان اغتال كل شيء، الناس والسعادة والأحلام».

ورغم علم العروسين أن حفل الزفاف سيكون أشبه بالمأتم، إلا أنهما أبلغا أهلهما بضرورة التعجيل في الأمر وعدم التأجيل مجدداً.
توضح العروس الفلسطينية:

«لم نستسلم. قررنا أن تستمر حياتنا في بيت الزوجية حتى لو كان خيمة وليكون ما يكون، نعم أنا أشعر بالحزن، لأن الفرح تم دون (دي.جي) أو رقص أو حتى ماكياج، حتى عدد كبير من المدعوين للحضور لم يأتوا، فمنهم من استشهد ومنهم نازح، وصعب يوصل إلى مكانه».

وفي محاولة منه لمواساة زوجته، وعد حسين، (26 عاماً) بإقامة حفل زفاف إذا انتهت حرب السابع من أكتوبر:

«لو كتب الله لنا عُمر، ومرت هذه الحرب، سأقيم عُرساً يليق بمحبوبتي. أنا وعدتها، وسأنفذ إن شاء الله».

وعن سبب عدم إقامة عُرس على أنقاض أي قاعة أفراح داخل قطاع غزة، يوضح الشاب الفلسطيني: «اكتفينا بزفة المنزل، غزة كلها شهداء وجرحى ودم ودمار، أي احتفال الآن يعتبر خيانة لدماء الشهداء».

قران بلا أهل

ويرفض الفلسطينيون إظهار أي مظاهر للفرح في أي مدينة أو قرية أو منطقة سقط فيها شهيد برصاص جيش الاحتلال، وهو ما فعله أهل خديجة يوسف، (28 عاماً) والذين أعاقتهم التحركات العسكرية لجيش الاحتلال في مدينة دير البلح.

وسط قطاع غزة، قبل نحو شهر، عن حضور عقد القران في المواصي الجنوبي، حيث سافرت الشابة الفلسطينية مع عمها ووالد زوجها إلى هناك في ميعاد سابق على تلك التوترات بسويعات قليلة.

طلبت أسرة خديجة منها عبر مكالمة هاتفية إتمام مراسم عقد القران والبناء، رغم أنها كانت متمسكة بحضورهم. تقول لـ«القدس العربي» خلال حديثها:

«أخبرتهم أني سأنتظرهم حتى لو لم تتم المراسم أبداً، لكنهم طلبوا مني أن ألا أؤجل أكثر من ذلك، فقد تم تأجيل الفرح مرتين، مرة قبل الحرب، والأخرى في أثنائها، ولا نعلم متى ستنتهي هذه الحرب اللعينة؟!».

وعندما ظهر الحزن على ملامح خديجة، أهدتها زوجة عمها مكياجاً، كي تسعد وتتزين لزوجها، تعقب الزوجة الفلسطينية:

«بالتأكيد كانت الفرحة مسروقة. حماتي هدأت من روعي وأهدتني بعض مساحيق التجميل، وذكرتني أن معظم أهل زوجي شهداء، وأن العوائق الزمانية والمكانية والنفسية لن تحيد بالشعب الفلسطيني عن استكمال مسيرة الحياة، ومواجهة الحاضر وصنع المستقبل».

زواج قاس في خيمة

وأتمت حنان عليوة، (20 عاماً) من خان يونس، مراسم عقد قرانها في الشهر الثالث على حرب السابع من أكتوبر، وحينذاك انتقلت إلى شقة الزوجية، التي جهزها عريسها في أبراج مدينة حمد قبل الحرب، لكن سرعان ما اقتحم الاحتلال المدينة، فاضطر العروسان إلى النزوح.

وبعد الانسحاب الأول لجيش الاحتلال من مدينة خان يونس، في أبريل/ نيسان الماضي، عاد الزوجان لتفقد الشقة، فوجداها عبارة عن ركام. تصف سماح تلك اللحظة: «عندما رأيت عشنا الزوجي منهاراً، صُعقت، لم يبق شيء على حاله، الأثاث تدمر، والشقة تهدمت، بالكاد أنقذت بعض الملابس تحت الركام».

وتشعر حنان بالصدمة من بدء حياتها الزوجية في خيمة، حيث اضطرت لإجهاض جنينها الأول: «ضيعت الحرب أحلامي في حفل زفاف مثل بقية الخلق، والآن أنا نازحة في خيمة ملاصقة لخيمة أهل زوجي».

وتصيف: «أعيش على المعلبات، حياة مرهقة بالطبع لامرأة حامل، نفعل كل شيء بطريقة بدائية، نطبخ على الحطب، ونعاني في تعبئة وحمل أوعية المياه، طبيعي الذي في بطني ينزل»

وبضغط من الأهل، الذين قاموا بالمهام عوضاً عنها، حملت حنان مجدداً، وثبت حملها، لكنها تأمل أن «تنجب مولودها بعد انتهاء الحرب، كي لا يعيش تلك الظروف التي عاشتها».

ووفقاً لكوادر طبية داخل قطاع غزة، ارتفعت نسبة الإجهاض بين النساء في القطاع، بسبب ما يتعرضن له من صدمات نفسية ونزوح متكرر وسوء تغذية وإجهاد في العمل.

زر الذهاب إلى الأعلى