رحلة نزوح وصراع “الحياة والموت” ينهك كاهل الغزيين بحي الشجاعية
مدلين خلة – المواطن
“سمعنا صوت قصف الدبابة والطيران الحربي والكواد كابتر، فجأة وبدون سابق إنذار او تحذير صارت المدفعية تطلق القذائف فوق رؤوس الناس، صرنا نطلع من بيوتنا ومو عارفين وين بدنا نروح، بنحاول نلاقي مكان آمن نؤوي اليه وأبناءنا لكن عبث، غزة فش فيها أي مكان آمن، الأمن عند ربنا فقط”.
رعب وخوف ترافق مع خطوط قذائف وصواريخ تتسابق للنيل من حياة الناس مع بدء عملية عسكرية ثالثة بحي الشجاعية شرقي مدينة غزة.
لم تشرق الشمس على طبيعتها، بل حملت أشعتها سيل من الرصاص المنصب على قلوب المواطنين، راؤ فيها الأرواح تتطاير ونهر الدم يسيل على الأرض بخط مستقيم يعرف طريقه جيدا فلا يحيد عنه.
تجرع المواطنون قسوة المشهد وتحاملوا على أنفسهم الركض بين الجثث الملقاه على الأرض علهم ينجون بانفسهم وأطفالهم الذين ما فتأت ذاكرتهم نسيان هذه المشاهد خلال الاقتحام الثاني للمنطقة، لسان حالهم هل ستكون لحظة النهاية؟ أم أن ذاكرتنا ما تزال قادرة على تخزين هذا الكم الهائل من الموت.
يروي العم أبو أحمد تفاصيل ما جرى في صباح يوم الخميس السابع والعشرين من شهر يونيو، “خرجت ع الساعة 6 الصبح اشتري خبز، بعد حوالي ساعة أو ساعة ونص سمعت صوت قذائف وقصف جوي ورصاص صرت أجري وكل الي بالمخبز نعرف شو الي بيصير، تفاجأنا بالناس بتنزح من دورها ومن مراكز الإيواء”.
سار العم أبو أحمد مرتجف القدمين تاركا ما كان خرج له خلف ظهره، يبحث جيدا بين النازحين يفتش عن ذويهم يخشى أن يختطفهم الموت منه “رميت الخبز من ايدي وتذكرت اولادي وزوجتي صرت أركض بسرعة وانظر بالناس النازحة افتش عليهم، خايف يكون الموت كان اقرب الهم مني، ويكونوا اختاروا يروحو مع بعض ويسبوني “يتركوني” لحالي”.
تصلبت عيني العم أبو أحمد عند رؤية صغيره ينزف من رأسه، يخشى أن يكون هناك فاجعة لا يقدر على حملها، “لمحت وجه ابني الكبير وهو بيركض حامل بين ايديه اخوه الصغير تجمدت وصرت أسأل نفسي وين أمهم وخواتهم معقول راحن وتركن الولدين الي وللدنيا”.
“جريت بسرعة الضوء تجاه الاولاد وسألتهم عن الي صار جاوبني ابني أحمد أن اخوه مصاب بشظية برأسه”.
لمح أحمد الخوف بعيون والده فسارع قائلا “ما تخاف أمي وخواتي بخير وطلعن قبلنا بنلاقيهن اول الشارع”.
“احنا طلعنا باواعينا “ملابسنا”، ما أخذنا شي معنا، تركنا كل شي ورانا وما بنعرف أيمتا رح يطلع الجيش وكم رح تستمر العملية العسكرية، الروح غالية يا بنتي فش اغلا منها”.
التقط العم أبو أحمد أنفاسه “إسرائيل وأمريكا بتعمل فينا هيك بدهم يخلونا نترك الأرض الهم ونطلع منها، واهمين شو ما رح يصير ما رح نترك الأرض ولا رح نطلع لا القصف ولا الجوع رح يركعنا ونستسلم الهم، وهم الي رح يطلعوا من عنا خسرانين مذلولين”.
لم تكن ساعات تمر وحسب بل كان صراع بين الحياة والموت، سباق بين إرادة البقاء والصمود وجبروت الاحتلال، معركة بقاء على الأرض والفائز فيها الأكثر صبرا على دخيل استوطن فيها، ومتحملا لطغيان وظلم هذا الاحتلال.