اقتصــاد

الإقتصاد الفلسطيني إلى أين .. ؟

مع استمرار الاحتلال الإسرائيلي في احتجاز أموال "المقاصة"

رام الله – المواطن

حذر الخبير الاقتصادي سمير حليلة رئيس مجلس إدارة بورصة فلسطين، من خطورة استمرار الاحتلال الإسرائيلي في احتجاز أموال “المقاصة”، مشددا على أهمية اتخاذ إجراءات جوهرية لإنقاذ الاقتصاد الفلسطيني.

وقال حليلة في تصريحات لتلفزيون فلسطين إن ما يجري من تهديدات وقرارات واقتطاعات في أموال “المقاصة” ليست مجرد محاولة من وزيرين في الحكومة الإسرائيلية لإحراج نتنياهو أو أن الأخير هو الذي يفعل ذلك لأسباب شخصية وسياسية، إنما المسألة أبعد وأوسع من ذلك.

وأشار إلى أن ما يحدث مرتبط بصعود الصهيونية الدينية في إسرائيل والتي أفرزت هذه الحكومة، ما يعني أن السلطة أمام معارك اقتصادية بحاجة لحسم مع تيار جارف في إسرائيل وليس مع سموتريتش أو بن غفير أو نتنياهو فقط.

واستبعد أن يسهم الضغط العالمي في تغيير الوضع الراهن بشكل كبير؛ كون الولايات المتحدة الجهة الوحيدة القادرة على التأثير في إسرائيل قد دخلت أجواء الانتخابات الرئاسية، محذرا من خطورة النهج الإسرائيلي الهادف للقضاء على المشروع الوطني والهوية الوطنية الفلسطينية وتهجير شعبنا.

وتطرق إلى تداعيات استمرار الاحتلال بوقف “المقاصة” واحتجازها، قائلا: “موضوع المقاصة جوهري في اتفاقية باريس التي تنظم العلاقة الاقتصادية بين السلطة وإسرائيل وهي قائمة على مبدئين كبار، أولهما استقلالية البنوك وعلاقتها في البنوك الإسرائيلية وتم خرقه، والثاني موضوع المقاصة وهو الأهم لأن شريان الحياة للسلطة الفلسطينية هي أموال الضراىب التي تجبيها إسرائيل وتحولها للسلطة وتأخذ مقابل ذلك 3% من قيمتها الاجماليه”.

وتشكل “المقاصة” 65% من إيرادات السلطة الفلسطينية، وهي تشكل شريان الحياة الرئيسي بالنسبة لها.

ويرى حليلة أن السلطة الفلسطينية لم تقم بالجهود الكافية ولم تطرح موضوع أزمة “المقاصة” مع الجانب الإسرائيلي على المستوى الدولي، ولم تتخذ إجراءات على الأرض لتظهر غضبها، ولم تفعل شيئا على المسار القانوني.

ويشير إلى أنه كان يتمنى طرح هذه القضية المهمة خلال اجتماع المانحين في بروكسيل بصوت أعلى “لكن المسألة ليست بأيدينا دائما”، منتقدا موقف البنك الدولي وصندوق النقد بسبب عدم تحركهم حتى الآن في هذا الموضوع.

وبحسب حليلة، المنظومة الدولية تتخذ موقفا محايدا في قضية تتعلق بحياة الفلسطينيين، مستطردا: “البنوك لم يعد لديها القدرة على إقراض السلطة والمساعدات شحيحة. إلى متى سيستمر هذا . والى متى سيستمر صبر الموظف وهيئة التقاعد التي تقرض السلطة شهريا..”.

وحول المساعدات، أكد أن موقف الدول العربية لم يرقى لحجم الأزمة والمستوى المطلوب، رغم الجهود الكافية التي بذلها الرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء.

وأفاد بأنه بإمكان الدول العربية إعطاء السلطة الفلسطينية “قطرات حياة” حتى نهاية العام الحالي، مستدركا: “لكننا أمام استحقاق كبير وهو إعادة إعمار غزة”.

وأعرب عن أمله بأن يكون هناك استجابة عربية محدودة في ظل وقف أموال المقاصة، لتوفير شبكة أمان مالية للسلطة والموظفين حتى آخر العام، متابعا: “لدينا تطمينات بهذا الخصوص من رئيس الوزراء وغيره، ولكن نحن بانتظار النتائج”.

وعلق حليلة على تهديدات وزير المالية الإسرائيلى بتسئيلل سموتريتش بوقف التعاملات البنكية بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية، قائلا: “هو بهذا يغرق الجميع، لأن الشيكل عملتهم”.

وذكر أن العلاقة بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي مرتبطة بثلاثة عناصر أساسية، العمال الذين كان عددهم قبل الحرب يبلغ 200 ألف ويدخلوا على الاقتصاد الفلسطيني 23 مليار شيكل سنويا، والآن باتوا 18 ألف فقط لا يزيد دخلهم عن 10% من السابق.

أما العنصر الثاني، فهو حركة الصادرات والواردات، إذ تستورد فلسطين من إسرائيل مباشرة بـ5.5 مليار دولار سنويا، وتصدر لها بـ1.3 مليار دولار بالسنة، وفق حليلة الذي كشف أن هذا الرقم تراجع 30% بسبب الحرب.

واستبعد تنفيذ تهديدات سموتريتش نهاية الشهر الجاري، لأن هناك أطرافا اقتصادية في إسرائيل ستحاول لجم هذا الوزير الذي يعمل على أساس سياسي وايديولوجي.

وألمح إلى وجود بدائل جاهزة في هذا الإطار لدى الجانب الإسرائيلي الذي أنشأ منذ ثلاث سنوات شركة تابعة للبنك المركزي الإسرائيلي كي تشرف على فتح الحسابات بين البنوك الفلسطينية والإسرائيلية.

رغم ذلك، قال حليلة: “حال نفذ هذا القرار، سوف نضطر لعمل استبدال واسع لمصادر الواردات ربما عبر ومن الأردن باستخدام عملات أخرى، ويتم اعتماد البنوك الأردنية بدلا من الإسرائيلية”، مستدركا: “لكن المشكلة الأكبر أن الجسر لا يتحمل تجارة أوسع من الحالية في ظل الظروف الراهنة”.

وحث التجار الفلسطينيين على البدء بالبحث عن مصادر أخرى، رغم أن إسرائيل أقرب وأكثر راحة”لكننا مضطرين”. بحسب حديثه.

وفي ما يتعلق بجلب الاحتلال عمال أجانب واسيويين بدلا من الفلسطينيين، ذكر أنه أنهى عمل حوالي 90% من عمالنا وأعاد هيكلة قطاع جلب العمالة من الخارج وخفض الرواتب.

ووفق المعلومات، هناك استياء واسع من أرباب العمل الإسرائيليين من العمالة الأجنبية الجديدة، إذ قدرة عامل فلسطيني واحد تضاهي 8 أو 9 من الجدد الذين لم يتمكنوا من سد الثغرة في الاقتصاد الإسرائيلي خاصة قطاع الإسكان والبناء وغيرها. كما تحدث حليلة.

ويعتقد حليلة أنه لا بد من بذل جهود فلسطينية مضاعفة وعلى وزارة العمل بالتعاون مع الجهات ذات العلاقة، تنظيم العمل في إسرائيل وتوفير فائض من العمالة في فلسطين.

وشدد على ضرورة المطالبة بتعويضات للعمال الفلسطينيين الذين فقدوا عملهم بسبب الحرب، لا سيما وأنهم كانوا مرتبطين بعقود عمل مع مشغليهم في إسرائيل.

ودعا للتفكير في حلول مناسبة لأزمة فرص العمل، مقترحا التشغيل بالشراكة مع القطاع الخاص في مشاريع إنتاجية عامة في البلديات والمجالس القروية.

ولفت إلى أهمية التوجه إلى الإسكان الاجتماعي للشباب وتنفيذه في فلسطين بأسعار مناسبة وسداد مريح، بالتعاون مع مختلف الجهات والشراكة مع القطاع الخاص في هذه المرحلة الصعبة.

وتحدث حليلة عن الإجراءات التي يجب على الحكومة الفلسطينية أن تتخذها لمواجهة الأزمة الراهنة.

وأشار إلى ضرورة العمل على ضبط النفقات أولا وليس الحديث عن التقشف فقط، داعيا إلى تصغير الحكومة.

ويعتبر أن التقاعد المبكر والضمان الاجتماعي مشروعان مهمين وأساسيبن، لتضمن للفلسطينيين العيش خلال السنوات العشرة المقبلة بشكل جيد.

وبحسب حليلة، يجب أن تجري مشاورات بين الفصائل في منظمة التحرير وأن يكون لهم كلمة للموافقة على إجراءات جوهرية لتصغير حجم النفقات بشكى أساسي وتخفيف الأزمة الموجودة والعجز السنوي.

وبخصوص الضرائب، قال حليلة ان هناك مشكلتين يجب النظر فيهن، الأولى أن دخل السلطة مبني على الجمارك وضريبة الشراء البالغة 65% وليس الدخل المحلي الذي يبلغ 35% فقط.

وشدد على ضرورة رفع الإيرادات المحلية لتكون أعلى بكثير، وأيضا تخفيف الواردات والاستهلاك وزيادة الإنتاج عبر سياسات موجهة، وكذلك تخفيف الاستيراد.

ونوه بأن 27% من الناتج المحلي الفلسطيني ضرائب، وهذا رقم كبير يقترب من إسرائيل وفرنسا!، مؤكدا ضرورة تخفيضه، وأيضا عدم القبول بـنسبة 2% فرق في ضريبة القيمة المضافة بين اسرائيل وفلسطين لأن هذا يرفع مستوى الحياة على الفقير والغني، خاصة مع ارتفاع مستويات الفقر بشكل كبير .

كما أشار إلى وجوب التفكير في تغيير السياسة الضريبية بناء على التوسع الذي نعيشه الآن، وأن يكون هناك وقفة جدية أمام التحديات الاقتصادية الجديدة ولا تترك لتسيير أعمال الحكومة والوزرات غير القادرة على معالجة هذه المسألة بنظريات التسيير العادية الموجودة في الحكومة.

زر الذهاب إلى الأعلى