كيف تؤثر سياسات منصة إكس على المحتوى الفلسطيني ؟
نشر مركز حملة – المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي، ومقره مدينة حيفا الفلسطينية، ورقة موقف حول تأثير سياسات الإشراف على المحتوى في إكس (تويتر سابقاً) على الحقوق الرقميّة الفلسطينيّة، وتناقش نهج المنصة في التعامل مع قضايا مثل خطاب الكراهية، التحريض على العنف، والأخبار المضللة بالإضافة إلى البحث في تأثير المنصة على سلامة المستخدم وحرية التعبير.
وتكشف الورقة، المنشورة الخميس، عن اتجاهات مقلقة في انتشار خطاب الكراهية والتحريض على العنف باللغة العبرية الموجّه ضد الفلسطينيين.
فبالنظر إلى الاستخدام الموثق لـ”إكس” للتّحريض على الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة – بما في ذلك من قبل أعلى مستويات القيادة الإسرائيلية – أضحت المنصّة حاضنة للمحتوى الضار والعنيف.
تقر الورقة بدور المنصة كمكان للحوار المفتوح والآراء المتنوعة، حيث كان هناك تفاؤل حذر حول المنصة بين المستخدمين الفلسطينيين؛ فوفقاً للبيانات من منصة حر، كانت وتيرة تقييد أو إزالة المحتوى الخاص بالفلسطينيين على “إكس” منخفضة مقارنة بمنصات الإنترنت الكبيرة الأخرى. ومع ذلك، تثير الورقة مخاوف بشأن قمع الخطاب الناقد لإسرائيل، كما أن المخاوف المتزايدة والأدلة التحليلية تشير إلى “تأثير مثبط” على المناقشات المتعلقة بحقوق الفلسطينيين.
ومن خلال البحث في الاعتبارات الأخلاقية المحيطة بالإشراف على المحتوى، تدعو الورقة إلى تحقيق شفافية على مدى أوسع، مساءلة، وحوكمة أخلاقية للتعامل مع التحديات المتطورة للحوار الإلكتروني.
لا تزال “إكس” منصة رائدة على الإنترنت لتبادل المعلومات، فهي الوجهة المفضلة للصحافيين ولمن يسعى للحصول على تحديثات الأخبار الحية، كما أنها الطريقة المفضّلة للعثور على البيانات العامة. في حين أن عدد مستخدمي “إكس” النشطين شهرياً، البالغ عددهم 556 مليوناً، ضئيل مقارنة بالمنصات الأكبر عبر الإنترنت، مثل “فيسبوك” و”إنستغرام” و”تيك توك”، فإنها في مكانة رائدة في النشر السريع للأخبار، وتظل مصدراً مهماً للمحتوى الأصلي. مع ذلك، تشير الورقة إلى أنه لا يزال هناك العديد من المشكلات على هذه المنصة، ما يشكك في التزامها بسلامة المستخدم وحماية الحقوق الرقمية.
هناك العديد من الأسباب للقلق، بما في ذلك الكم غير المسبوق من خطاب الكراهية والمعلومات المضللة التي تنتشر على منصة إكس. وهناك أيضاً أسباب للتفاؤل، لا سيما في سياق الحقوق الرقمية الفلسطينية، إذ تبدي انفتاحاً نسبياً على الأصوات الفلسطينية مقابل عمليات إسكاتها الملحوظة على المنصات الأخرى، وفقاً للورقة التي نشرها المركز.
وتساهم هذه المنصة في تعزيز الصحافة الفلسطينية الشعبية ومناصرة حقوق الإنسان كرد على وسائل الإعلام الرئيسية التي غالباً ما تسيء تفسير الرواية الفلسطينية وتخرجها عن سياقها، وتنشر عبرها الأدلة المتعلقة بالتحريض وغيره من انتهاكات حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي. من المحتمل أن تورط هذه الأدلة مسؤولين إسرائيليين في إجراءات محكمة العدل الدولية بشأن الانتهاكات البينة لاتفاقية منع الإبادة الجماعية أثناء العدوان المتواصل على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
منذ استحواذ إيلون ماسك على المنصة، كانت هناك مخاوف متزايدة بشأن ما يمكن أن تصبح عليه هذه. لم يضيع ماسك أي وقت في تنفيذ تغييرات جريئة على المنصة، من تعديل واجهة النظام الأساسي، إلى إصلاح سياسات الإشراف على المحتوى. كان قلق مستخدمي “تويتر”، كما قلق العديد من المدافعين عن الحقوق الرقمية، مبرراً. ومع ذلك، فإن الغياب النسبي لحملة قمع ممنهجة ضد الخطاب الفلسطيني، مقارنة بالمنصات الرقمية الأخرى، جدير بمزيد من التحليل.
عندما أعرب ماسك عن نيته الاستحواذ على المنصة، كان ذلك نابعاً من عدم رضاه الواضح عن تعاملها مع مسائل حرية التعبير والإشراف على المحتوى، وأعرب عن نيته إجراء تغييرات كبيرة، مؤكداً أنه يعتبر حرية التعبير ضرورة مجتمعية لتسود ديمقراطية فعّالة. استحوذ ماسك أخيراً على الشركة في أكتوبر 2022.
سياسات الإشراف على المحتوى والحقوق الرقمية الفلسطينية
تزامن دفع ماسك لزيادة حرية التعبير على منصة إكس مع تسريح جماعي لموظفين، ما أثر على العديد من الأقسام داخل الشركة. تظهر التقارير أن أكثر من 3 آلاف متخصص في الثقة والسلامة غادروا “إكس” منذ الاستحواذ، ما أدى إلى القضاء تقريباً على طواقم العمل المسؤولة عن إيقاف المحتوى الضار عبر الإنترنت. فككت طواقم عمل حقوق الإنسان والاتصالات، وأيضاً مجلس الثقة والسلامة، وهذا خلق ظروفاً مناسبة لعاصفة من المعلومات المضللة وخطاب الكراهية والتحريض والمحتوى الذي يجرد الإنسانية عبر الإنترنت.
أما في ما يتعلق بفلسطين، فقد وفر حر ــ مرصد انتهاكات الحقوق الرقمية لمحة عن موقف “إكس” من حرية التعبير مقارنة بالمنصات الرئيسية الأخرى على الإنترنت في عام 2023؛ من بين 1606 انتهاكات للحقوق الرقمية المتعلقة بالرقابة، كانت 26% فقط من هذه الانتهاكات على “إكس”. في الوقت نفسه، سيطرت منصات فيسبوك وإنستغرام وتيك توك، على التوالي، على قائمة الانتهاكات، إذ استحوذت على 93% من إجمالي الانتهاكات المتعلقة بالرقابة التي وثقها مرصد حر خلال الفترة نفسها.
في ما يتعلق بخطاب الكراهية، فإن الوضع أكثر قتامة. رصد مرصد حر أيضاً الانتشار المتزايد لخطاب الكراهية والتحريض على العنف على منصة إكس، مقارنة بالمنصات الرئيسية الأخرى. من بين إجمالي 2,740 حالة محتوى ضار وموثق في عام 2023، حدثت 33% من الانتهاكات على منصة إكس، والتي كانت في المرتبة الثانية بعد “فيسبوك”، وهي منصة أكبر بكثير على الإنترنت.
علاوة على ذلك، رصد مؤشر العنف – وهو نموذج لغوي مدعوم من الذكاء الاصطناعي يراقب انتشار خطاب الكراهية والعنف ضد الفلسطينيين باللغة العبرية – ما يقرب من 3 ملايين حالة من المحتوى العنيف و/أو التحريضي على منصة إكس بين 6 أكتوبر و31 ديسمبر/كانون الأول الماضيين.
تحريض على إكس ينقلب عدواناً
وثق مركز حملة خلال الأشهر الأولى من عام 2023 ارتفاعاً غير مسبوق في خطاب الكراهية والتحريض على العنف، لا سيما على “إكس”. وتزامن ذلك مع تكثيف الهجمات العنيفة التي يشنها المستوطنون الإسرائيليون على المجتمعات الفلسطينية في جميع أنحاء الضفة الغربية المحتلة.
بلغ هذا القلق ذروته ليلة 27 فبراير/شباط، خلال الاعتداء على قرية حوارة. وثق المرصد 15250 تغريدة نشرت باللغة العبرية خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الماضي، تضمنت تحريضاً مباشراً على الفلسطينيين، وتحديدا على قرية حوارة، حيث انتشرت وسوم تدعو مثلاً إلى “محو حوارة”. وأشار مركز حملة إلى أن التحريض الإسرائيلي على العنف ضد الفلسطينيين في الفضاء الرقمي يرتبط ارتباطاً مباشراً بالعنف الذي يتعرض له الفلسطينيون على أرض الواقع.
ودق مركز حملة ناقوس الخطر مرة أخرى محذراً من أشكال الكلام التحريضي باللغة العبرية على منصة إكس في سياق العدوان الإسرائيلي على غزة. إذ رصد المركز ما يقرب من 3 ملايين حالة محتوى عنيف باللغة العبرية تستهدف الفلسطينيين في “إكس” بين 6 أكتوبر و31 ديسمبر/كانون الأول. هذا النوع من المحتوى التحريضي من قبل الجمهور الإسرائيلي، وأيضاً تصريحات المسؤولين الإسرائيليين على “إكس” الذين يصفون أبناء الشعب الفلسطيني بأنهم “حيوانات بشرية” و”أبناء الظلام”، ترجم فعلياً إلى جرائم حرب في غزة.