ثورة البراق وما تلها من اعتراف دولي هل هو حقاً حائط البراق للمسلمين أم حائط المبكى لليهود؟
المواطن
أثناء الانتداب البريطاني على فلسطين اندلعت ثورة البراق عام ١٩٢٩م. ضد المستعمر البريطاني احتجاجاً على تسهيلات قدمها الانكليز لليهود للوصول والصلاة عند الحائط الغربي للمسجد الأقصى، ولم تهدأ الثورة إلا بعد أن قبل الانكليز إحالة النزاع إلى محكمة دولية للبت هل الحائط هو حائط البراق الإسلامي أم هو حائط المبكى اليهودي!
عيّن وزير المستعمرات البريطاني في ١٣ أيلول ١٩٢٩م. لجنة عرفت باسم لجنة شو، للتحقيق في الأسباب المباشرة للانتفاضة، ووضع التدابير لمنع تكرارها، ولتحديد الحقوق والادعاءات تجنباً لحدوث انتفاضات أخرى اقترحت الحكومة البريطانية على مجلس عصبة الأمم تشكيل لجنة لهذا الغرض، حيث وافق مجلس العصبة في ١٥ أيار ١٩٣٠م. على تشكيلها برئاسة وزير الشؤون الخارجية السابق في حكومة السويد رئيساً، وعضوية نائب رئيس محكمة العدل في جنيف، ورئيس محكمة التحكيم النمساوية الرومانية المختلطة، وحاكم الساحل الشرقي لجزيرة سومطرة السابق، وعضو برلمان هولندا، وهي لجنة دولية محايدة وعلى أعلى مستوى قضائي وتحكيمي.
وصلت اللجنة إلى القدس في ١٩ حزيران ١٩٣٠م. حيث أقامت شهراً كاملاً في فلسطين، وكانت في كل يوم تعقد جلسة أو جلستين، وأثناء الجلسات التي عقدتها اللجنة وعددها ٢٣ جلسة، استمعت اللجنة إلى شهادة ٥٢ شاهداً من بينهم ٢١ من حاخامات اليهود و٣٠ من علماء المسلمين، وشاهد واحد بريطاني.
قدم الطرفان إلى اللجنة ٦١ وثيقة، منها خمس وثلاثون مقدمة من اليهود، وست وعشرون وثيقة مقدمة من المسلمين.
تقاطرت الوفود من أنحاء العالم الإسلامي إلى القدس للدفاع عن القضية وإعلان تمسك المسلمين بملكية الحائط، فقد سافر من مصر أحمد زكي، ومحمد علي علوبة، ومحمد الغنيمي التفتازاني، ومن العراق مزاحم الباجهجي، ومن لبنان صلاح الدين بيهم، ومن إيران ميرزا مهدي، ومن أفغانستان السيد عبد الغفور، ومن أندونيسيا أبو بكر الأشعري وعبد القهار مذكر، ومن الهند عبد الله بهائي والشيخ عبد العلي، ومن بولونيا مفتيها الدكتور يعقوب شنكوفتش، إضافة إلى عدد من الشخصيات الفلسطينية البارزة: عوني عبد الهادي، أمين التميمي، أمين عبد الهادي، جمال الحسيني، محمد عزت دروزة، راغب الدجاني، والشيخ حسن أبو السعود، إضافة إلى شخصيات أخرى شاركت من مراكش والجزائر وطرابلس والمغرب وسوريا وشرقي الأردن.
ثبت للمحكمة الدولية أن حجة المسلمين كانت هي الغالبة، إذ استطاع دفاعهم أن يثبت أن جميع المنطقة التي تحيط بالجدار وقف إسلامي، بموجب وثائق وسجلات المحكمة الشرعية، وأن نصوص القرآن وتقاليد الإسلام صريحة بقدسية المكان عندهم، وأن زيارة اليهود للحائط ليس حقاً لهم، بل كانت منحة محددة بموجب أوامر الدولة العثمانية، وبموجب أوامر الحاكم المصري للشام، ولم تكن إلا استجابة للالتماسات المتكررة بزيارة المكان من دون السماح لهم بإقامة شعائر الصلاة في هذا المكان، ويكتفى بالدعاء بلا صوت ولا إزعاج ولا أدوات جلوس أو ستائر. وكان ذلك منحة من الحكومات المسلمة كنوع من التسامح الديني وليس حقاً تاريخياً ولا دينياً ولا عقارياً!
جاء قرار المحكمة بعد أكثر من خمسة أشهر من بدء جلسات اللجنة الدولية في القدس، وبعد أن استمعت إلى ممثلي العرب المسلمين وممثلي اليهود، واطلعت على كل الوثائق التي تقدم بها الطرفان، وزارت كل الأماكن المقدسة في فلسطين عقدت اللجنة جلستها الختامية في باريس من ٢٨ تشرين الثاني إلى ١ كانون الأول ١٩٣٠م.، حيث انتهت اللجنة بالإجماع إلى قرارها الذي استهلته بالفقرة التالية: للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي، ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءاً لا يتجزأ من مساحة الحرم الشريف، التي هي من أملاك الوقف، وللمسلمين أيضاً تعود ملكية الرصيف الكائن أمام الحائط وأمام المحلة المعروفة بحارة المغاربة المقابلة للحائط، لكونه موقوفاً حسب أحكام الشرع الإسلامي لجهات البر والخير.
إن أدوات العبادة وغيرها من الأدوات التي يجلبها اليهود ويضعونها بالقرب من الحائط لا يجوز في حال من الأحوال أن تعتبر أو أن يكون من شأنها إنشاء أي حق عيني لليهود في الحائط أو في الرصيف المجاور له.
وتضمن القرار عدداً من النقاط الأخرى أهمها منع جلب المقاعد والرموز والحصر والكراسي والستائر والحواجز والخيام، وعدم السماح لليهود بنفخ البوق قرب الحائط، وقد وضعت أحكام هذا الأمر موضع التنفيذ اعتباراً من ٨ حزيران ١٩٣١م.، وأصدرت الحكومة البريطانية كتاباً أبيض عن الموضوع اعترف بملكية المسلمين للمكان وتصرفهم فيه.
وقد حمل كل من الحكم الدولي والكتاب الأبيض اليهود على التزام حدودهم، ولم يلبث صوت اليهود أن خفت ظاهرياً بالنسبة لموضوع الحائط، كما أصدر ملك بريطانيا على أساس ذلك المرسوم الملكي المعروف باسم مرسوم الحائط الغربي لسنة ١٩٣١م. الذي نشر في حينه في الجريدة الرسمية لفلسطين.
مركز المعلومات الوطني الفلسطيني