الجزائر وحلم البريكس … بين الإمكانيات والتحديات
فادي حمدان الصاوى
كاتب وصحفي فلسطيني مقيم في لندن
لم تنضم الجزائر إلى مجموعة بريكس حتى الآن، وهناك عدة أسباب وتفاصيل تفسر هذا القرار. للبدء، يعتبر الجزائر من الدول الأفريقية الثقيلة ولديها تاريخ ثوري طويل في النضال من أجل الاستقلال والتحرر من الاستعمار، ولذلك قد يرى البعض أن الانضمام إلى مجموعة دولية مثل بريكس يمكن أن يقيد بعض السيادة والحرية القرارية للبلاد.
من الجوانب الاقتصادية أيضًا، تواجه الجزائر تحديات اقتصادية كبيرة بسبب اعتمادها بشكل كبير على صادرات النفط والغاز، وهو ما يجعلها ضعيفة في التعامل مع التقلبات في أسواق الطاقة العالمية. وفي هذا السياق، قد يرون البعض أن الانضمام إلى بريكس قد يعزز من تنويع اقتصاد الجزائر ويوفر لها فرصًا أكبر للتعاون الاقتصادي والتجاري مع الدول الأعضاء.
ومن الناحية السياسية، تعتبر الجزائر دولة غير متحالفة وتعتمد سياسة خارجية مستقلة. البعض من السياسيين في الجزائر قد يرى أن الانضمام إلى مجموعة بريكس قد يعرض البلاد للتدخل في شؤونها الداخلية ويقيد حرية الحكومة في اتخاذ القرارات.
إضافة إلى ذلك، يمكن أن يكون هناك أيضًا العوامل الثقافية والتاريخية التي تؤثر على القرار بعدم الانضمام. الجزائر لديها تراثاً غنياً ومنفصلًا عن باقي دول المنطقة بسبب تجربتها الاستعمارية وثورتها. قد يرى البعض أن الانضمام إلى مجموعة بريكس قد يؤثر على الهوية والتراث الجزائري، ويفضلون الحفاظ على استقلالهم وروح النضال الوطني التي دفعتهم إلى تحقيق الاستقلال.
بشكل عام، لا يمكن تحديد سبب واحد واضح لعدم انضمام الجزائر إلى مجموعة بريكس، ولكن يتفق الكثيرون على أن هذا القرار يعكس تفضيلات ومصالح الجزائر ورؤيتها السياسية والاقتصادية.
علاوة على ذلك، قد يتعلق الأمر أيضًا بالشروط والمتطلبات التي يفرضها “بريكس” على الدول المرشحة للانضمام. قد يكون هناك اعتبارات تتعلق بالقوانين والتشريعات الداخلية والقدرة على التكيف مع هياكل وآليات التعاون الاقتصادي والسياسي في “بريكس”. قد يحتاج الجزائر إلى وقت أطول لتلبية هذه المتطلبات والتحضير للانضمام إلى المجموعة.
مع ذلك، فإن غياب الجزائر عن قائمة الدول التي وافقت عليها “بريكس” لا يعني بالضرورة أنها لن تنضم في المستقبل. قد يكون هناك مشاورات ومفاوضات مستقبلية تجري بين الجزائر و”بريكس” لتحديد شروط وآليات الانضمام والتعاون المشترك. الجزائر تعتبر إحدى الدول الهامة في المنطقة ولها علاقات قوية مع الدول الأعضاء في “بريكس”، وقد تكون لديها مصلحة في الانضمام إلى المجموعة في المستقبل لتعزيز تعاونها الاقتصادي والسياسي في الساحة الدولية.
قادة مجموعة “بريكس” يضعون خطة لتوسيع التحالف واستقبال دول جديدة خلال قمتهم في جنوب إفريقيا. تعد هذه الخطوة طموحة حيث يطمحون في أن يصبحوا بديلاً جيوسياسياً للمجموعات الغربية مثل “مجموعة السبع”. تسعى العديد من البلدان للانضمام إلى مجموعة “بريكس” للاستفادة من المميزات الاقتصادية والسياسية التي توفرها. بالإضافة إلى الولوج إلى أسواق واستثمارات جديدة، فإنها تسعى أيضًا لخلق عالم متعدد الأقطاب لتحقيق التوازن في الاقتصاد العالمي. ومن خلال منافسة الولايات المتحدة والغرب وكسر هيمنة الدولار الأميركي، يتيح الوضع الراهن فرصة لمجموعة بريكس للاعتلاء المزيد من الساحة الاقتصادية العالمية وتقديم حلول بديلة وتمويلية جديدة من خلال بنك التنمية الجديد. ومع ذلك، ستواجه المجموعة تحديات كبيرة تحتاج إلى التغلب عليها.
وفيما يتعلق بالجزائر، كانت هناك توقعات كبيرة بأن تنضم إلى مجموعة بريكس بناءً على إمكاناتها الاقتصادية وجهودها في تنويع الاقتصاد والاستثمار. ومع ذلك، أثارت خيبة الأمل بعض التوجهات المحلية حيث تم استبعاد الجزائر ودعوة ست دول أخرى للانضمام إلى المجموعة ابتداءً من يناير/كانون الثاني 2024، وهي السعودية وإيران والإمارات ومصر والأرجنتين وإثيوبيا. تُعَد هذه القرارات حدثًا مهمًا في مسار تطور هذه المجموعة القوية، وقد تكون لها تأثيرات على الديناميات الجيوسياسية العالمية المستقبلية.
تعتبر إحدى المكاسب السياسية والاقتصادية الرئيسية للانضمام إلى بريكس هي تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع دول الاتحاد، والتي يمكن أن تؤدي إلى زيادة الاستثمارات وتبادل الخدمات والتكنولوجيا. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسهم الانضمام إلى بريكس في تعزيز صوت الجزائر في المحافل الدولية وأن يعطيها موقفًا أكثر قوة في القضايا السياسية والاقتصادية العالمية.
من ناحية أخرى، يمكن أن تواجه الجزائر خسائر سياسية واقتصادية بسبب عدم الانضمام إلى بريكس. قد يكون للجزائر صعوبة في تحسين الوضع الاقتصادي والمالي الحالي، وتعزيز علاقاتها مع الدول الأعضاء في الاتحاد. كما أنها قد تفوت على فرص استثمارية وتجارية مهمة، وتضعف موقفها في القرارات الدولية ذات الصلة بالاقتصاد والتجارة.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يسبب العدم الانضمام إلى بريكس ضعفًا اقتصاديًا دراماتيكيًا للجزائر. رغم الثروات الطبيعية الوفيرة التي منحتها الطبيعة، إلا أن الجزائر لم تتمكن من استغلالها بشكل فعال. ويُعزى السبب في ذلك إلى عدم فهم طريقة سير العالم الاقتصادي واعتماد الدعم الحكومي المعمم والاقتصاد الريعي والشعبوي. كما يشهد البلد انتشارًا كبيرًا للفساد في الإدارة واستخدامها لأغراض شخصية، بالإضافة إلى اتخاذ المسؤولين التنفيذيين لخيارات كارثية.
مع وجود عدة اعتبارات غير اقتصادية في اختيار شركاء بريكس الجدد، فإن حسابات الانضمام إلى هذا الاتحاد ليست واضحة على مستوى المعايير والشروط الموضوعية. وقد يكون للجزائر تحفظات بخصوص قبولها كدولة عضوة. ومن الواضح أن عدم الانضمام إلى بريكس يُعتبر خسارة للجزائر سياسيًا واقتصاديًا، وقد يعزز هذا القرار ضعفها الاقتصادي ويقوض تمكنها من تحقيق التقدم المطلوب.
عدم انضمام الجزائر إلى بريكس قد يتسبب في مكاسب وخسائر سياسية واقتصادية للبلاد. ويعزى السبب الرئيسي وراء ذلك إلى تحفظ الهند والبرازيل على اعتماد الجزائر الكبير على النفط. ولذلك، يطالب البعض بتحمل المسؤولية وفتح نقاش وطني حقيقي بدون أفكار مسبقة ولا حسابات انتخابية، لأن مستقبل البلاد يكون على المحك.
زيارة الرئيس عبد المجيد تبون إلى روسيا والصين قد لا تكون قد أثمرت في قمة جوهانسبورغ، حيث كشف وزير الخارجية الروسي عن المعايير التي تم اعتمادها لاختيار الدول الجديدة، ومن بين هذه المعايير الوزن السياسي والهيبة الدولية.
من المتوقع أن يتم رفض طلب الجزائر، نظرًا لعدة أسباب، بدءًا من أن الاقتصاد الجزائري ليس تنافسيًا ولا يمتلك القدرات اللازمة للانضمام إلى بريكس. كما أن عدم جدية النظام الجزائري وتلاعبه بالأرقام المتعلقة بالصادرات غير النفطية، إضافة إلى أعمال العدوانية مع جيرانه وعدم تلاحمه على المستوى الإقليمي، كلها أسباب أسهمت في رفض الجزائر.
يتزايد عدد الأصوات في الجزائر التي تدعو إلى تسريع وتعجيل عملية الإصلاح والتخلص من تجاوزات الجهاز البيروقراطي، الذي لا يزال يعتبر عائقًا أمام التحول الاقتصادي الفعلي في البلاد. ويجب أن يتم التركيز على تحفيز الاستثمار الأجنبي وتسهيل المشاريع الاقتصادية للمستثمرين المحليين، بالإضافة إلى رفع مستوى النمو في القطاعات الصناعية والزراعية لتحسين مؤشرات النمو التي لا تزال ضعيفة.
لكي تتوافق الجزائر مع معايير بريكس وتساهم في تحسين أوضاعها السياسية والاقتصادية، يجب عليها تصحيح بعض الأخطاء. ينبغي على الجزائر تبني سياسات خارجية متوازنة لتحقيق الاستقرار مع جيرانها وتطوير التعاون بشكل فعال، كما يجب عليها تحسين مناخ الأعمال وتشجيع الاستثمار الأجنبي. يجب أيضا أن تولي الجزائر اهتمامًا خاصًا بتنمية القطاعات الصناعية والزراعية، وتنفيذ إصلاحات هيكلية في الاقتصاد لتحقيق التنمية المستدامة.
من ناحية أخرى، فإن تقديم الدول الستة لطلبات انضمامهم إلى بريكس وتأجيل حسم الأخرى قد أثار بعض التساؤلات. على الرغم من توقع الكثيرين خلال القمة أن يتم قبول ملفات أخرى أو توسيع قدرة الاستحقاق، إلا أنه لا توجد إجابات واضحة بشأن هذه الأسئلة. يبقى موضوع تغيير اسم التكتل أيضًا مفتوحًا للنقاش مع دخول دول جديدة.
رغم غياب الإجابات النهائية، يتم التأكيد على أهمية خطوة استقبال الأعضاء الجدد وتوسيع قدرة التكتل بما يخدم مستقبل بريكس ويعزز مكانته الدولية بشكل عام. يجب أن يكون هناك تعاون وتواصل بين الدول الأعضاء للتوصل إلى قرار نهائي بشأن قبول الدول المترشحة وتوجيه السياسات والخطط المستقبلية لبريكس.
تعد الملفات العربية في بريكس، بما في ذلك السعودية والإمارات ومصر، من أقوى وأكثر الملفات قبولًا لدى أعضاء المجموعة. يعزز وجود هذه الدول العربية المهمة قوة سكانية واقتصادية قوية داخل المجتمع الدولي ومجتمع الجنوب. وقد أعرب السفير الجنوب أفريقي لشؤون بريكس، شيربا أنيل سوكلال، عن سعادتهم بانضمام الدول العربية إلى التكتل، مؤكدًا أن وجود قوى عربية مؤثرة مثل السعودية ومصر والإمارات ذات أهمية كبرى بالنسبة للمجموعة. وشدد على أن قرار التوسيع واختيار أعضاء جدد قد تم بعناية وتطلب الوصول إلى توافق كامل بين الأعضاء الخمسة الرئيسين.
مع تأكيد زعماء بريكس على دفاعهم عن مصالح الدول غير الغربية، فإن هذا يشكل جزءًا من تحول في تركيز المجموعة من اهتمامها بالاقتصاد إلى اهتمامها بالسياسة والجغرافيا. ومع ذلك، يشيرون المنتقدون إلى أن بريكس لا يزال أمامها طريق طويل لتحقيق هدفها في أن تصبح منظمة عالمية متحدة قادرة على تحدي الهيمنة الغربية على المنظمات الدولية مثل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. هذا يعني أنه لا يزال هناك حاجة لجهود مستمرة وتحسين العمل الجماعي لأعضاء بريكس من أجل تحقيق هدفها النهائي
بعد رفضها من بريكس، تحتاج الجزائر إلى اتخاذ بعض الإجراءات واتخاذ مجموعة من النصائح للتكيف مع هذا القرار. أولاً وقبل كل شيء، ينبغي على الجزائر تنويع اقتصادها والتحول إلى قطاعات أخرى بديلة للتعويض عن فقدان الفرص التجارية مع الاتحاد الأوروبي. يمكن أن تستكمل الجزائر تنمية قطاعات الطاقة المتجددة وتعزيز صناعة السياحة وتطوير القطاعات الصناعية الأخرى كوسيلة لتحقيق التنوع الاقتصادي.
ثانياً، تعد توسيع العلاقات التجارية مع الأسواق العالمية الأخرى خطوة هامة في تعويض الفقدان الحاصل مع بريكس. ينبغي أن تركز الجزائر على التطوير وتجويد العلاقات مع البلدان الأفريقية الأخرى والتوسع في تصدير منتجاتها إلى سوق أفريقيا المتنامية. يمكن أيضاً اتخاذ إجراءات للتعاون الاقتصادي مع الشركاء الأقوياء في أمريكا وآسيا والتوجه إلى توقيع وإبرام اتفاقيات تجارية مع هذه الدول.
ثالثاً، ينبغي أن تسعى الجزائر إلى تعزيز الاستثمار المحلي وتحفيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة. من خلال تقديم التسهيلات والحوافز وإزالة العقبات البيروقراطية، يمكن للجزائر أن تعزز من قدرة الشركات المحلية على التنافس في السوق المحلية والدولية. يمكن أيضاً تعزيز التعاون مع الجهات العامة والخاصة لتنفيذ مشاريع تنموية تعمل على تحسين بنية التجارة والبنية التحتية في البلاد.
رابعاً، يجب على الجزائر استكشاف فرص التعاون الاقتصادي والسياسي مع دول أخرى خارج الاتفاقية بريكس. يمكن أن يساهم ذلك في تعزيز قوة الجزائر الناعمة وتوسيع خياراتها الدولية. ينبغي على البلد استغلال قدراتها الاقتصادية والثقافية والسياسية لتكون لاعبًا مؤثرًا في المشهد الدولي.
في الختام، يجب أن تركز الجزائر على تعزيز البحث والتطوير وتعليم الكفاءات المطلوبة في القطاعات الحيوية المختلفة. من خلال تطوير المهارات وزيادة الاستثمار في البحث العلمي، يمكن للجزائر أن تصبح أكثر تنافسية وستتمكن من ابتكار منتجات وخدمات جديدة تلبي احتياجات السوق المحلية والعالمية.