السلاح المُنفلت يخدُم العدو…
بقلم: تمارا حداد
اندلعت جولة جديدة من الاشتباكات في مُخيم عين الحلوة في جنوب لبنان أسفرت عن قتلى وجرحى داخل المُخيم وتخريب في الممتلكات وخسائر مادية كبيرة في المباني السكنية والمحلات التجارية والسيارات وتدمير أنابيب المياه والكهرباء ونزوح قُرابة عشرون ألفاً من بينهم 12 ألف طفلاً من الفلسطينيين.
تُوصف هذه الجولة من أعنف الجولات إثر الاشتباك الذي وقع بين مجموعات من حركة فتح ومجموعات إسلامية ذات البُعد التكفيري لكنها لم تؤدي الى نتائج حاسمة لأي من الطرفين نظراً لتدخل أطراف ذات العلاقة خوفاً من تدهور الاشتباك من داخل المخيم إلى خارجه، وبالتحديد أن أزمة عين الحلوة ترتبط بالأوضاع السياسية المحلية والاقليمية والدولية وقضية حق العودة وترتبط بالصراعات القديمة والدائمة بين حركة فتح والمجموعات التكفيرية ووجود مطلوبين من عدة جنسيات مختلفة داخل المخيم وعددهم يفوق أكثر من خمسة آلاف مطلوب للدولة اللبنانية.
يقع عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين شرق مدينة صيدا في محور بين مناطق لبنانية سنية وشيعية ومسيحية على الاوتوستراد المؤدي الى جنوب لبنان وعلى مقربة الاكتشافات البترولية في البحر المتوسط ويضم المخيم قُرابة 80 الف نسمة.
عاش المخيم صراعاً نتيجة إيواء عناصر ارهابية من خارج لبنان يتبعون القاعدة سواء من جند الشام وفتح الاسلام والشباب المسلم وغيرها، الأمر الذي أدى بأن يعمل الجيش اللبناني على تطويق المخيم بشكل أمني وما زال حتى اللحظة دون دخول الجيش الى المخيم نظراً لحساسية قضية اللاجئين وناهيك ان الجيش يتصرف بحكمة لعدم دخوله المخيم اثناء الاشتباك حتى لا يجر لبنان الى صراعاً وحروباً اهلية يُريدها الكيان الصهيوني بالتحديد امام ازمات لبنان السياسية التي حتى اللحظة لا يوجد توافق وطنياً على اختيار رئيس للبنان امام التدخلات الاقليمية والدولية حول اختيار الرئيس وما يحدث في مخيم عين الحلوة ليس بعيداً عما يحدث في الداخل اللبناني.
ما يحدث في المخيم نتيجة وجود عناصر اساسية تلعب دوراً في أزمة المخيم أولها البُعد السياسي حيث يُعد المخيم أكبر المخيمات وهذا يعني ارتباطه بقضية العودة الى فلسطين ومرتبط بمفاوضات التسوية السياسية للقضية الفلسطينية وما يحدث في المخيم هو بروز دور خارجي لتصفية القضية الفلسطينية واسقاط حق العودة وفرض التوطين في لبنان.
اما العنصر الآخر الذي يلعب في ازمة عين الحلوة هو البُعد الامني فبعض الجهات الاقليمية والدولية يريد ان يحول ساحة لبنان للاقتتال الداخلي وتصفية الحسابات وتدمير لبنان وما يحصل في مخيم عين الحلوة من انتشار السلاح المُتفلت الذي يخدم العدو الاسرائيلي مع الأخذ بعين الاعتبار التفرقة عن سلاح المقاومة الذي يهدف مواجهة العدو الاسرائيلي فهناك جهات اسلامية معنية بترسيخ الهدوء في المخيم نظراً لحساسية الموقف اللبناني من اتجاه القضية الفلسطينية وان هدف سلاحهم تجاه المحتل وليس تجاه تعزيز الفوضى في لبنان كما تفعل الجماعات الاسلامية التكفيرية والمدعومة من احدى الدول العربية لفرض رئيساً للبنان.
اما العنصر الآخر في ازدياد الأزمة داخل المخيم هو غياب المرجعية السياسية والامنية والعسكرية، ناهيك ان عدم الاهتمام الفعلي لاوضاع اللاجئين الفلسطينيين حيث ان البُعد الانساني والاجتماعي في المخيم من اصعب الحالات نظراً لعدم قدرة الفلسطيني على العمل والتملك والتعليم ويُعاني المخيم من نقص في الرعاية الصحية والبنية التحتية السيئة ومعدلات البطالة والفقر والامية عالية جداً ما يُعزز التطرف الفكري.
كما ان العنصر الذي يُعزز ازمة المخيم وجود فكر مُتشدد داخل المخيم متأثراً بأجندات خارجية والمخيم يأوي المطلوبين، ويتواجد داخل المخيم مجموعات عاملة فيه مرتبطة باجهزة امنية محلية واقليمية ودولية وصهيونية، ناهيك ان اكتشافات النفط في البحر المتوسط قُبالة السواحل اللبنانية اثر على ازدياد الازمة لتفريغ المخيم من سكانه، وكما ان الجهات التكفيرية تُريد بسط سيطرتها على المخيم في حين حركة فتح تريد السيطرة الامنية كذلك ما يؤدي الى وجود صراعات وجودية في المخيم بغض النظر عن الايديولوجيا.
سناريوهات عديدة قد تحدث في المستقبل إما بسيطرة الجيش اللبناني على المخيم كما حدث في مخيم نهر البارد ومن المفضل ان الجيش بأن لا يتدخل حفاظاً على وحدة لبنان من الاقتتال الداخلي وتفتيت مُخطط المحتل الصهيوني الذي يهدف الى تقسيم لبنان من خلال الفتن والفوضى وجماعات التكفيرين كما حدث في سوريا والعراق واليمن وليبيا، كما ان هذا السيناريو مُستبعد لغياب الارادة الداخلية اللبنانية نظراً لحساسية مُستقبل اللاجئين من المُفضل علاج الارهاب والمطلوبين من خلال الحل الوقائي والتفاهم الحواري بين اللجان الامنية داخل المخيم بعيداً عن الاقتتال، وايضا هذا الخيار مُستبعد كون هناك علاقة جيدة بين بعض الفصائل الفلسطينية والجيش اللبناني وهناك تنسيق مستمر بين المخابرات اللبنانية واللجنة الامنية الداخلية.
قد يكون السيناريو الاقرب موقف فلسطيني موحد لانهاء الازمة ولكن هذا الامر مؤقت نتيجة التعقيدات السياسية والامنية في المخيم وتعدد اللاعبين واتساع نفوذ القوى المؤثرة واستمرار الخلافات الفلسطينية.
المتوقع في المخيم هو بقاء المخيم كما هو في حالة توتر بسبب ارتباطات المخيم بالاجندات الخارجية الاقليمية والدولية وتعنت الاطراف الداخلية نحو حسم المعركة عسكرياً لصالحه وهذا يعني ان المخيم ستتجدد فيه الاشتباكات وهذا يعني استمرار معاناة الفلسطينيين في المخيم والاساءة للقضية الفلسطينية وقد ينفجر المخيم في اي لحظة وقد يصعب ضبطه لينتقل لاخر وقد ينتقل في بقع لبنانية لا علاقة لها في المخيمات، امام امتلاك عناصر في المخيم اسلحة صاروخية ناهيك ان قُبيل عدة اشهر دخل مئات المسلحين وكميات كبيرة من السلاح والذخائر الى المخيم وقيادات العناصر التكفيرية تنتظر الضوء الاخضر الخارجي لتفجير الاوضاع الامنية في المخيم حيث دخل 500 عنصر الى الف مسلح وتم انفاق حوالي 3 ملايين يومياً لادخال السلاح والعتاد بهدف توريط الجيش اللبناني بالمعركة واجبار لبنان على دمج الفلسطيني في المجتمع اللبناني وشطب حق العودة.
قادم الايام خطيرة على لبنان نظراً للتحذيرات بسبب تحركات لبعض الخلايا والمجموعات داخل المخيمات، والتداعيات المستقبلية هو ما بعد الاشتباك الاخير امام تنشيط العامل الاصولي والخشية ليس بتكرار الاشتباك بل التعامل معه كحدث امني موسمي بمعنى عدم حله من الجذور ما يُعزز تكاثر ادوات الصراعات الداخلية ما يصعب تجاوز تداعياتها، الحل هو التعاون اللبناني الفلسطيني واطلاق حوار بعيداً عن استخدام السلاح وايجاد تسويات قانونية للمطلوبين واحترام القانون والسيادة اللبنانية، وايجاد حل تنموي للوضع المأساوي للمخيم لحين العودة.