العداد الذكي وسيلة حل فاقمت أزمة الكهرباء سوءً
غزة- المواطن
ليست الأزمة الوحيدة التي يعاني منها قطاع غزة، ولكنها الأعقد والأكثر خطرا وصعوبة على حياة سكانه، شتاء وصيفا، تحولت من خدمة مجانية توفرها الحكومة لمواطنيها، إلى أداة من أدوات الحصار المفروض على القطاع منذ العام 2006.
“خدمة الكهرباء” أو كما يطلق عليها “أزمة الكهرباء”، يعاني منها قطاع غزة البالغ مساحته 365 كيلومترًا مربعًا، ولكن المعاناة تكتمل غداة فقر مدقع ومعيشة اقتصادية صعبة، تعيش وكأن الحياة بكافة صعابها تكالبت عليك تمتحن عزيمتك وصبرك الذي لم يتبق منه أقل القليل.
بين فكي كماشة تطبق على رقبته يعيش سكان القطاع فالحصار والمعيشة الصعبة وانعدام ظروف الحياة الكريمة وتيه كبير في توفير ادنى مقومات الحياة الكريمة كانت الكهرباء أزمة فاقمت أوضاع السكان فبدل أن تكون وسيلة رفاهية أصبحت أداة عذاب يتعرض لها سكان القطاع.
تعود بداية أزمة الكهرباء الحالية في قطاع غزة إلى منتصف عام 2006، حين قصفت إسرائيل محطة توليد الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة بتاريخ 28 يونيو/حزيران 2006 مما أدى إلى توقفها عن العمل بشكل كامل، ومنذ ذلك الوقت أصبح القطاع يعاني بشكل مستمر من عجز كبير في الطاقة الكهربائية.
وبلغت قيمة الأضرار الناجمة عن القصف الإسرائيلي للمحطة حوالي ستة ملايين دولار، وظلت المحطة في حالة توقف جراء ذلك القصف إلى أن تم إصلاحها وإعادتها للعمل عام 2009.
بعد إصلاح المحطة جزئيا عام 2009 قام الاتحاد الأوروبي بتمويل تكاليف الوقود اللازم لتشغيل المحطة، حيث ظل يدفع حوالي خمسين مليون شيكل شهريا وهو ما يعادل ثمن 8800 متر مكعب تكفي لإنتاج حوالي 60 إلى 65 ميغاواتا. بيد أنه أصبح -اعتبارا من 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2009- يحول المبلغ ذاته إلى وزارة المالية الفلسطينية في رام الله، على أن تقوم الوزارة بتولي مهمة دفع ثمن الوقود، وإثر ذلك تقلصت الكمية إلى نحو 4500 متر مكعب شهريا تكفي لإنتاج 30 ميغاواتا (مولد واحد فقط في المحطة)، مما تسبب في زيادة ساعات فصل الكهرباء خلال عام 2010.
وفي عام 2011 بدأت محطة توليد الكهرباء في غزة باستخدام الوقود المصري، وأصبحت تعمل بثلاثة مولدات لتنتج طاقة في حدود 80 ميغاواتا. وفي بداية عام 2012 بدأت أزمة شح الوقود المصري بالظهور بعد تقليل الكميات الموردة إلى القطاع، وهو ما أدى إلى اعتماد المحطة على مخزونها إلى أن نفدت كمية الوقود وتوقفت المحطة عن العمل بتاريخ 14 فبراير/شباط 2012.
وبالإضافة إلى ذلك، تعرضت المحطة للقصف الإسرائيلي خلال الحروب التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة في أعوام 2008 و2011 و2014، وهو ما ألحق أضرارا مادية كبيرة في مرافقها وأثر على عملية توليد الكهرباء.
في مارس/آذار 2014 برزت أزمة الضريبة المفروضة على وقود محطة التوليد، مع إصرار حكومة التوافق الفلسطينية في رام الله على تحصيل هذه الضريبة في ظل أزمات القطاع، وهو ما زاد من حدة الأزمة وفاقم من معاناة السكان.
وأبلغت السلطة الفلسطينية إسرائيل يوم 27 أبريل/نيسان 2017 بأنها ستتوقف عن دفع ثمن إمدادات الكهرباء لغزة، وذكر بيان صادر عن وحدة الاتصال العسكري الإسرائيلي أن السلطة الفلسطينية أبلغتهم أنها ستوقف فورا سداد ثمن الكهرباء الذي تمد به إسرائيل غزة عبر عشرة خطوط للكهرباء، تنقل 125 ميغاواتا أو ما يعادل نحو 30% من احتياجات غزة من الكهرباء.
ولاحقا قررت السلطة تقليص المبلغ الذي تدفعه لإسرائيل مقابل تزويد قطاع غزة بالكهرباء بنسبة 40%. وتحصل إسرائيل من السلطة الفلسطينية على أربعين مليون شيكل (11 مليون دولار) شهريا مقابل الكهرباء، وتحسم المبلغ من تحويلات عوائد الضرائب الفلسطينية التي تجمعها إسرائيل نيابة عن السلطة.
وفي 12 يونيو/حزيران 2017، وافق الطاقم الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية على تقليص تزويد قطاع غزة بالكهرباء بنسبة 40%، تماشيا مع قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خفض النسبة نفسها من مدفوعات تكلفة الكهرباء الإسرائيلية لغزة، بهدف الضغط على حركة حماس التي تسيطر على القطاع.
وحذرت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) من خطورة قرار سلطات الاحتلال الإسرائيلي تقليص كهرباء قطاع غزة، وأن من شأنه أن يعجل بتدهور الأوضاع وانفجارها في القطاع المحاصر منذ سنوات طويلة.
وقالت الحركة في بيان لها إن القرار الذي وافقت عليه الحكومة الإسرائيلية كارثي وخطير، لأنه يمس مناحي الحياة كافة في غزة. وحملت الاحتلال الإسرائيلي والرئيس الفلسطيني محمود عباس المسؤولية عن تداعيات هذا القرار، كما اتهمت عباس بالتعاون مع الاحتلال في هذا الدور الذي وصفته بغير الأخلاقي وغير المسؤول.
وفي المقابل، حمّل المتحدث الرسمي باسم حكومة الوفاق الوطني الفلسطينية يوسف المحمود أطرافا في حركة حماس المسؤولية عن أزمة الكهرباء في قطاع غزة، وعن مستجدات الأزمة وما يطرأ عليها.
وقد عزا ذلك إلى قيام تلك الأطراف في الحركة بجباية أموال اشتراكات الكهرباء من الفلسطينيين في غزة منذ عام 2007 وحتى اليوم، دون أن تعيدها إلى الخزينة العامة. وأضاف في بيان صحفي أن الحكومة الفلسطينية وحتى اليوم هي التي تسدد ثمن فاتورة كهرباء قطاع غزة، متهما حماس برفض إنهاء الانقسام والسعي لتنفيذ مخطط انفصال وصفه بالـ”جهنمي”.
كما قال إن الحكومة ملتزمة بتسديد مبلغ يقدر بستة ملايين وسبعمئة ألف دولار شهريا بدل الكهرباء الموردة من قبل شركة كهرباء إسرائيل إلى قطاع غزة، وطالب شركة التوزيع في غزة بتسديد باقي قيمة الفاتورة التي بموجبها يتم شراء الطاقة من الجانب الإسرائيلي، والتي تبلغ قيمتها 111 مليون دولار تسددها الحكومة.
احتياجات وحلول
وتتراوح احتياجات قطاع غزة من الكهرباء في الأيام العادية ما بين 450 إلى 500 ميغاوات، وتزداد هذه الاحتياجات في ذروة فصلي الشتاء والصيف لتصل إلى (600) ميغاوات، بمعني أن العجز تقريبا 50% من احتياجات قطاع غزة من الكهرباء.
ومن أهم أسباب أزمة الكهرباء في قطاع غزة: محدودية مصادر الكهرباء وعجزها عن تلبية كافة احتياجات القطاع، والحاجة لمصادر أخرى، والطلب المتزايد على الكهرباء وزيادة استهلاكها بمعدل يصل إلى 7% سنويا. وتحتاج المحطة 650 ألف لتر من السولار لتعمل بكامل طاقتها، كما أن المحطة بحاجة إلى صيانة وتطوير.
ومنها أيضا عدم توفر مصادر ثابتة لتزويد المحطة بالوقود بسبب العراقيل الإسرائيلية والسياسية من مختلف الأطراف وإغلاق المعابر، وعدم قدرة شركة توزيع الكهرباء على توفير ثمن الوقود اللازم لتشغيل المحطة كاملة، كما أن المناكفات السياسية بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس التي تدير قطاع غزة تعمق الأزمة.
ويعتمد قطاع غزة للحصول على الكهرباء على ثلاثة مصادر أساسية هي:
– محطة توليد الكهرباء: ويمكن أن توفر في أقصى طاقة إنتاجها 70 ميغاواتا في حال تشغيل جميع المولدات، ولكنها متوقفة عن العمل بعد قرار السلطة الفلسطينية إعادة فرض الضرائب على الوقود اللازم لتشغيلها.
– خطوط الكهرباء الإسرائيلية التي يمكن أن توفر طاقة تصل إلى 120 ميغاواتا.
– الخطوط المصرية التي يمكن أن توفر طاقة تصل إلى 23 ميغاواتا، وهذه الخطوط تتعرض للأعطال بشكل كبير وتحتاج صيانة دائمة.
ومن أهم الحلول المقترحة لحل أزمة الكهرباء في قطاع غزة:
– الربط الإقليمي مع مصر من خلال الشبكة الإقليمية التي انضمت إليها فلسطين عام 2008، وهي شبكة كهربائية تربط بين ليبيا ومصر والأردن وسوريا ولبنان وتركيا والعراق. ويتوقع في حالة تم الربط بها أن توفر طاقة مبدئية تقدر بـ150 ميغاواتا للقطاع، وبتوسعة المشروع ستصل إلى 300 ميغاوات لاحقا، ولكن المشروع معطل لأسباب سياسية.
– ومنها أيضا استبدال وقود المحطة الحالي السولار بالغاز الطبيعي، وهو ما سيخفض تكاليف تشغيل المحطة إلى حد كبير. وتم الاتفاق على استيراد الغاز من مصر لكن ذلك لم ينفذ لأسباب سياسية.
– إنشاء خط بقدرة 161 ميغاواتا لزيادة كمية الكهرباء الواردة من إسرائيل، لكن المشروع توقف منذ عام 2005 بسبب المماطلات الإسرائيلية.
وبذلت قطر وتركيا جهودا معتبرة لحل أزمة الكهرباء خلال السنوات الماضية، وقدمتا أكثر من مرة تبرعات للمساهمة في توفير الكهرباء وحل أزمتها في قطاع غزة.
وفي يناير/كانون الثاني 2017، أعلن أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أنه سيتحمل كلفة توفير الكهرباء لقطاع غزة بشكل عاجل لمدة ثلاثة أشهر، كما أكد رئيس لجنة إعادة إعمار غزة محمد العمادي أن الدوحة ستبدأ فورا تسديد نحو أربعة ملايين دولار أميركي شهريا لمدة ثلاثة أشهر لحساب السلطة الفلسطينية.
ودعا أمير قطر إلى التعاون الدولي لدراسة مشكلة الكهرباء في غزة، وتقديم مقترحات لحلها بصورة جذرية.
وفي الفترة ذاتها (يناير/كانون الثاني 2017) قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن تركيا وافقت على إرسال كميات من الوقود لتزويد محطة الكهرباء في قطاع غزة، مساهمة منها في معالجة الأزمة المتفاقمة.
وقالت الحركة في بيان “تلقى إسماعيل هنية نائب رئيس المكتب السياسي لحماس اتصالا من مؤسسة الرئاسة التركية، أُبلغ خلاله بالموافقة على إرسال كميات من الوقود بشكل عاجل للمساهمة في معالجة أزمة الكهرباء”.
العداد الذكي
أصدرت شركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة، قرارا بتركيب “العداد الذكي”، الذي اعتقدته حل لحل جزء أزمة طال عمرها عن 12 عاما.
وأشارت الشركة إلى أن المنح التي تقدم لكهرباء غزة، كالمنحة القطرية تقدم لخدمة الناس مباشرة ولا تستفيد منها الشركة أبدًا، ومشروع الـ 2أمبير هو مساهمة من شركة الكهرباء للتخفيف على سكان القطاع.
وتابع: “لا يمكن التغلب على مشاكل فاقد الكهرباء والسرقات إلا بمشروع العدادات الجديدة، وهو مشروع وطني لتطوير شبكة الكهرباء في القطاع وتحويلها لشبكة ذكية”.