أقلام

عن قواعد الاشتباك الفلسطينية

كتبت ريما كتانة نزال :

قواعد الاشتباك مصطلح جديد دخل القاموس الشعبي الفلسطيني، ربما كان محصوراً في السابق بالمختصين والعسكريين، فبات من المصطلحات الشائعة واليومية التي أبرزتها المعارك الكثيرة والظروف والتطورات الفلسطينية المتلاحقة، بفعل الحاجة في سياق النضال والصراع مع الاحتلال الخاص بأدواته وآلياته.
إلّا أنه مع استخدامه بقي مصطلحاً غير مُعَرَّف أو معمم أو تصنيفاً على نطاق أكثر شمولية في مناطق أخرى في العالم تشهد الصراعات أو الحروب. محتفظاً لنفسه بالصلة بالمصطلحات العسكرية بالدرجة الأولى.
قواعد الاشتباك مصطلح عسكري يعمل على استثمار عناصر القوة ورفع الكفاءة في استخدام الإمكانيات الشحيحة للاستعداد والجاهزية، وهو أيضاً يوفر مناخاً وفضاءً أكثر ملاءمة للتفاوض غير المباشر، وللدلالة كذلك على أحد أشكال المقاومة في ظروف تفتقر للتوازن، في ظل موازين القوى المختلة عسكرياً، وهو يشير إلى خلق ومراكمة عوامل ومعادلات لبناء عناصر قوة تتمكن من صنع التكافؤ والنديّة التفاوضية على قاعدة الحقوق المشروعة في استخدام جميع أشكال النضال، تمنع الاستسلام والهزيمة أمام آلة عسكرية متفوقة مادياً وتقنياً، يتيح هذا المصطلح تسليح الطرف الأضعف مادياً بأسلحة وإمكانيات هي مزيج من الكرامة والعنفوان والإرادة والإيمان بالقضية والمبادئ، ويعتمد على التزام الوحدات العسكرية بتعليمات القيادة والتصرف بمسؤولية، وعلى بناء وتعميم حالة معنوية إيجابية شعبية مسؤولة، قادرة على الاحتمال والصبر والصمود. بل وتعتادها لأنها لا تختلف عن ممارسة الأفراد والجماعات لعلاقاتهم الإنسانية في وقت تعرضها للأزمات، والوقوف أمام معادلة قواعد الاشتباك وأخلاقياته ومقاومة الظلم الواقع من الطرف الأقوى والأكثر نفوذاً.
قواعد الاشتباك الفلسطينية هي حالة تمرّدنا على قواعد اشتباكهم المادية الصمّاء وعدم خضوعنا لاشتراطاتها العسكرية، قواعد تثبت حقنا في أرضنا التاريخية ومواردنا وحقنا في الدفاع عن كرامتنا وتحديد مصائرنا وحياتنا وحريتنا وتمتعنا بمواردنا وثرواتنا وبحرنا وشجرنا وسمائنا ومقدساتنا ودور عبادتنا وشوارعنا وحرية تنقلنا. دون ذلك يحولوننا إلى إرهابيين لا ننتظر سوى القتل والتنكيل والاعتقال والمؤبدات والتهجير والطرد والتشريد والإبعاد.
قواعد الاشتباك متغيرة، ثابتها في إرادة المقاومة وصلابة الموقف والدفاع من أجل صناعة الفرق، هي الوحدة الوطنية والصمود وتماسك جبهتنا الداخلية، والوقوف موقف الندّ والكرامة، تحقيق الإنجازات التراكمية، عدم تسليمنا باستمرار خسائرنا البشرية كتحصيل حاصل، مكان المفاوضات فيها أداة لتحقيق العدالة وانتزاع الحقوق الثابتة والمشروعة وليست غاية في حد ذاتها ولا هي الشكل النضالي الوحيد، تبادل شروط التفاوض والعضّ على الأصابع.
لنتذكر سرديات تاريخية ما زالت ماثلة أمامنا، مصطلحات لم نتأمل بها كفاية مرت مرور الكرام وتكرست، من مثل الهدوء مقابل الهدوء، الأمن مقابل الأمن، السلام مقابل السلام، والسلام مقابل الغذاء، في العراق واليمن والسودان وسورية، سنجد دون عناء أن مثل هذه المصطلحات تحمل قدراً كبيراً من الإهانة لشعب يناضل منذ أكثر من قرن وما زال صامداً وما زال يناضل!
ماذا ننتظر: بيانات الإدانة العربية والدولية على ما يفعلونه بنا، هل نقف بانتظار تصريحات الأمين العام في الأمم المتحدة يعبر بها عن قلقه المعتاد بجميع تدرجاته، هل ننتظر بيانات من الدول التي صنعت النكبة تبارك وتهنئ الاحتلال على إنجازاته الدموية في احتلالنا وتهجيرنا، هل ننتظر اعتذارهم الذي لن يأتي ما دمنا ننتظره.
هل علينا أن نقابل الحرق والقتل والاستيطان والتهويد والاجتياحات والحصار وكبت الأنفاس والصفعات بالبكاء والاستنكار كل الوقت، وهل علينا طلب أو انتظار الرد من هيئات لا تكترث أصلاً بنا كل الوقت، أم أن نعتبر بأن علينا الرد المناسب بما هو الفعل المناسب والشكل المناسب وحجم مناسب وفاعلية مناسبة وتوقيت مناسب، ضمن الواقع المناسب والاشتراطات المناسبة في إطار مناسب، أو ربما عدم الرد أو تأخيره!
قواعد الاشتباك المتطورة، تحتاج دائماً إلى الشجاعة المستندة إلى قوة الإيمان بالحق في الحرية والاستقلال والحياة الكريمة في بلادنا، تحتاج إلى إعادة المعاني إلى اللغة، والدفاع عن الحق بكل السبل المتاحة.

زر الذهاب إلى الأعلى