أقلام

عـيـد الـعـمـال فـي فـلـسـطـيـن .. بين ضياع الحقوق وغياب الأفق

كتب عقل ابو قرع :

في اليوم الذي يحتفل فيه العالم بـ»عيد العمال العالمي»، ويعمل على إكرام وتقدير العامل وإنجازاته ويراكم على حقوقه، ما زال الآلاف بل عشرات الآلاف من العمال اليافعين يجتازون الحواجز المنتشرة على جوانب الخط الأخضر، في الضفة وغزة، من الشمال إلى الجنوب، متكدسين في صفوف طويلة، وفي معابر ضيقة وبشكل أقل ما يقال عنه إنه مذل ومتعب وممل، ولا نشك أن معظم هؤلاء الشباب امضوا سنوات عديدة في التعليم، وان جزءا منهم يحمل شهادات جامعية مختلفة ومنها الشهادات العليا، وفي مجالات متنوعة. وان غالبية أعمار هؤلاء العمال تتراوح بين العشرين والأربعين عاما، أي أعمار الفئة الأهم والمتنافس عليها في المجتمعات، من القوى العاملة المنتجة أو القوة الفاعلة، أو القوة التي يعتمد عليها الاقتصاد والتنمية والبناء والتقدم في أي مجتمع، أو القوة التي تم أو يتم الاستثمار فيها من قبل المجتمعات للحفاظ على تطور وحيوية المجتمع، نشاهدهم مصطفين وينتظرون الدخول إلى الجانب الآخر للحصول على عمل، سواء فرادى أو بشكل اثنين أو ثلاثة، حيث يعبرون وهكذا دواليك، كل يوم تقريبا، وبشكل يدعو إلى الحزن والغضب.
ومن ضمن هذه التساؤلات حول هؤلاء العمال، من المسؤول عن استمرار استنزاف طاقات من الشباب، وفي بلد آخر غير بلادنا، يمكن من السهولة استغلالها بشكل أفضل، ولو نظرنا إلى الموضوع من حيث توفير البدائل من عدة زوايا، من الناحية الاقتصادية المحضة، ومن خلال الاستثمار في مشاريع محددة، مصنع مثلا، برأسمال يتطلب عشرة أو عشرين مليون دولار أو أقل مثلا، كفيل بتشغيل خمسين أو مائة أو مئات من هؤلاء العمال الشباب اليافعين.
ولو حتى بتكلفة اقل، سواء أكانت ثلاثة أرباع أو حتى نصف ما يتقاضونه من الجانب الآخر، مع الاحتفاظ بمعاني الكرامة والإنسانية والاحترام، ومع الشعور بأن ما يتم من العمل يتم لصالح البلد والتنمية، أي لصالح بلد العامل نفسه، وإذا لم يكن واقعيا إنشاء مصنع مثلا، فماذا عن العمل لإنشاء أو لتسهيل العمل في مشاريع في الزراعة مثلا، أو في المجالات الجديدة الصاعدة والواعدة، كمجالات التكنولوجيا والطاقة المتجددة والنظيفة، وغير ذلك من المجالات الممكنة وغير المكلفة.
وسمعنا ونسمع عن صناديق أو عن هيئات التشغيل سواء من قبل الجهات الرسمية أو غيرها، وبالأساس للشباب والشابات، وبالأخص لتوفير فرص عمل لمن يعمل من النساء الفلسطينيات في المستوطنات أو ما يتبعها، وسواء أكانت هذه الصناديق تنضوي تحت هيئات رسمية كوزارات أو غيرها، أو هيئات تنموية عامة، أو حتى نتاج مشاريع لمنظمات دولية متعددة، تعمل أو تهدف لتشغيل العاملات والعاملين الفلسطينيين، ولكن دون أي تقدم ملموس يخفف من معاناة العمال ومن التشتت وضياع الحقوق والأفق.
وهذه الصناديق أو هيئات التشغيل مدعوة لاستخلاص العبر والنتائج وإجراء عمليات التقييم وخاصة تقييم نتائج وتأثير ومدى فعالية ما قامت وما تقوم به، وبناء على ذلك إعادة جدولة برامج أو مشاريع، والاهم دراسة مدى جدوى ما قامت وتقوم به، من تشغيل ومن توفير معاني الكرامة والإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان لهذه الفئة أو الشريحة من الشعب الفلسطيني، التي تكدح ومن خلال الوسائل المتوفرة، لتوفير العيش الكريم، والتي وان وجدت بدائل أخرى وحتى بعائد اقل، لربما تكون مستعدة لترك عناء الانتظار والتكدس والاستجداء المتواصل والمحزن.
وفي «عيد العمال العالمي»، من المفترض أن تشكل هذه المناسبة الفرصة للحديث عن حقوق العمال في فلسطين وبالأخص العاملات أو المرأة العاملة الفلسطينية، سواء فيما يتعلق ببيئة العمل، أو بطريق التعامل، أو بقضايا الضمان الاجتماعي، ومنها قضية أو معضلة تطبيق قانون الحد الأدنى للأجور، تلك القضية التي ورغم إقرار القانون الفلسطيني بخصوصها ورفعها إلى مبلغ الـ 1880 شيكلا شهريا، إلا أن تطبيقها العملي ما زال بعيدا، وما زال الواقع المرير وبالأخص ما يتعلق بغالبية النساء العاملات موجودا في بلادنا.
وما زال الارتفاع المتواصل للأسعار وتكاليف الحياة في بلادنا، وبأنواعها، يتطلب ليس فقط الالتزام بتطبيق الحد الأدنى للأجور، ولكن العمل من اجل إيجاد آلية تعمل على ارتفاعه مقارنة مع ارتفاع الأسعار، هذا مع العلم أن تقارير قد أشارت قبل فترة، إلى أن معدلات الفقر في الأراضي الفلسطينية تبلغ حوالي 25%، أي حوالي ربع السكان، أما نسبة الفقر المدقع للفلسطينيين فقد بلغت حوالي 14%، وحسب الأرقام المنشورة الحديثة، تبلغ نسبة البطالة في الأراضي الفلسطينية حوالي 26%، أي أن تقريبا ربع الأيادي العاملة الفلسطينية لا تجد عملا، أي لا تحصل على دخل منتظم، والغالبية العظمى من العاطلين عن العمل هن من النساء الفلسطينيات.
وفي اعتقادي، أن جهات عديدة ومجتمعة تتحمل المسؤولية عن ذلك، أي عن عدم التطبيق الفعلي للحد الأدنى للأجور، وبالأخص في ظل الازدحام الشديد في عدد الجهات التي من المفترض أن تدافع، عن حقوق ومصالح العمال والعاملات وبالتحديد عن مصالح العاملات الفلسطينيات، وسواء كانت هذه الجهات، رسمية، أي حكومية، أو اتحادات عمال وهي كثيرة، أو الكثير من الهيئات والمنظمات والمؤسسات المدنية والأهلية، التي من المفترض أن يكون، من صلب عملها الدفاع عن الحقوق، وعن العمال والعاملات.
ومن ضمن الجهات الرسمية، هناك وزارة العمل، التي من المفترض أن تقوم بالإشراف على تطبيق القانون وبشكل كامل، وهناك وزارة شؤون المرأة، التي من المفترض أنها تشكلت، أو أنها موجودة للدفاع عن حقوق ومصالح وصحة المرأة الفلسطينية، وبالأخص المرأة العاملة، التي يتم الإجحاف في حقوقها المالية والمهنية والصحية، وهناك وزارة التنمية الاجتماعية، المفترض أن تعمل من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية للعمال، وبالأخص النساء العاملات، لكي يتمكنوا من العيش بكرامة وفي ظروف إنسانية، وهناك العديد من الهيئات والجهات الرسمية، التي يتداخل مجال أعمالها، في الدفاع عن حقوق العاملين والعاملات، وفي مجالات مختلفة.
وهناك اتحادات العمال، التي يمتلأ مجتمعنا بها، سواء أكانت هذه، اتحادات العمال العامة، وهي متعددة وحتى تنافس وتجادل وتعارض بعضها البعض، مثل اتحاد عمال فلسطين، واتحاد نقابات العمال، واتحاد النقابات المستقلة، وغيرها، أو النقابات المهنية المتخصصة، وهي كثيرة ومكررة ومتشعبة، وكل هذه النقابات من الواضح، وفي ظل الواقع الحالي من عدم تطبيق قانون الحد الأدنى للأجور، أو من عدم توفر ظروف العمل الصحية والسلامة المهنية، أنها لم تنجح في الدفاع عن حقوق العمال والعاملات، ولم تنجح حتى في تشكيل جسم قوي فاعل، يضغط في اتجاه تطبيق الحد الأدنى للأجور، وان ما تقوم به لا يتعدى البيانات والتصريحات والمؤتمرات الإعلامية وما إلى ذلك.
ومع انتهاء الاحتفال بـ»عيد العمال العالمي»، فإن من يتحمل مسؤولية المأساة المتواصلة التي يتعايش معها العمال والعاملات، هم العمال والعاملات انفسهم/هن أو جزء منهم/هن، والذين قبلوا بما قبلوا به لعدم وجود بدائل أخرى توفر لهم نوعا من الكرامة والعيش الأمن، وتعمل على استغلال طاقاتهم في البناء والتنمية لبلدهم، وتوفير الاحترام المطلوب أسوة بباقي المجتمعات، وبالتالي ومع مرور عام آخر للاحتفال بعيد العمال، يتواصل هدر الحقوق وغياب الأفق للعمال والعاملات في بلادنا.

زر الذهاب إلى الأعلى