أطفال للبيع والاستغلال الجنسي على ” فيسبوك ” و” إنستغرام “
وكالات – المواطن
كانت مايا جونز تبلغ 12 عاماً فقط حين تلقت رسالة عبر حسابها في “إنستغرام”، من رجل عمره 28 عاماً، أخبرها فيها أنها جميلة. بعد أخذ ورد، طلب منها إرسال صور لها وهي عارية، وقال إنه سيمنحها 40 دولاراً مقابل كل واحدة. كان لطيفاً ويطري عليها باستمرار، مما أشعرها بأنها مميزة وشجعها على مقابلته. حين التقيا، سألها: “هل يمكنك مساعدتي في جني بعض المال؟” وطلب منها خلع ملابسها، والتقط لها صوراً، ثم أراد الحصول على حسابها في “إنستغرام” حيث نشر هذه الصور، لتبدأ بتلقي الكثير من الرسائل من رجال يريدون ممارسة الجنس معها. الرجل تولى مناقشة الأسعار وتدبير اللقاءات في فنادق صغيرة حول العاصمة واشنطن. لم تكن تريد مايا ممارسة الجنس مع هؤلاء الغرباء، لكنها أرادت إسعاده، فلم تقاوم. بعد 3 أشهر من لقائهما الأول، وجدت مايا مطروحة على جانب الطريق نصف عارية ومرتبكة. في الليلة السابقة، اصطحبها “زبون” إلى مكان ما رغماً عنها، وتذكرت لاحقاً أنها تعرضت للاغتصاب الجماعي هناك لساعات، قبل أن تُلقى في الشارع. بعد 3 سنوات، وجدت مايا ميتة، جراء تناول جرعة زائدة من المخدرات منحها إياها الرجل نفسه على ما يبدو. في ذلك الوقت، كانت الصور والفيديوهات التي تكشف استغلالها جنسياً لا تزال منتشرة على “إنستغرام”.
مايا جونز ليست الوحيدة التي استُغلت من قبل تجار الجنس عن طريق منصات التواصل الاجتماعي وتحديداً “إنستغرام”، فهناك مئات الأطفال مثلها الذين لجأوا إلى “كورتنيز هاوس” Courtney’s House، وهو مركز أسسته تينا فرونت، لاستقبال ضحايا الاتجار بالأطفال واستغلالهم جنسياً في العاصمة الأميركية حيث توجهت صحيفة ذا غارديان لإجراء تحقيق، استمر عامين ونشر أمس الخميس، حول فشل شركة ميتا في حماية مستخدميها من الأطفال من الاتجار الجنسي بهم.
خلال السنوات العشرين الماضية، أصبح الاستغلال الجنسي للأطفال من أكبر التحديات التي يواجهها عمالقة التكنولوجيا. وفقاً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، يستخدم المتاجرون بالبشر شبكة الإنترنت كـ”مساحات للصيد الرقمي” تسمح لهم بالوصول إلى الضحايا والزبائن المحتملين على حد سواء، ويستهدف هؤلاء تحديداً الأطفال عبر منصات التواصل الاجتماعي. أكبر هذه المنصات هي “فيسبوك” المملوكة لـ”ميتا”، إذ يستخدمها أكثر من 3 مليارات شخص حول العالم. “إنستغرام” تملكها أيضاً “ميتا”.
وفقاً لمؤسسة مكافحة الاتجار بالبشر غير الربحية Human Trafficking Institute، ومقرها الولايات المتحدة، فإن “فيسبوك” كانت المنصة الأكثر استخداماً من قبل المتاجرين بالبشر لاستهداف الأطفال عام 2020، بنسبة 65 في المائة، تلتها “إنستغرام”، ثم “سناب شات”.
منصات التواصل الاجتماعي كما عرفناها انتهت
استدراج الأطفال والمتاجرة بهم جنسياً يناقشان دائماً كفعل واحد، لكنهما ليسا كذلك. “الاستدراج” يشير إلى فترة التلاعب بالضحية قبل استغلالها في الجنس أو لأغراض أخرى. “الاتجار بالأطفال جنسياً” هو استغلال جنسي لطفل كجزء من صفقة تجارية محددة. عندما كان القواد يمازح مايا ويثني على جمالها ويلاطفها، فإنه كان يستدرجها. حين كان يبيعها لآخرين ليمارسوا الجنس معها، فإنه عندها كان يتاجر بها جنسياً.
تعريف الاتجار بالبشر، وفقاً للأمم المتحدة، هو تجنيد أشخاص، أو نقلهم، أو تنقيلهم، أو إيواؤهم، أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة، أو استعمالها والاختطاف والاحتيال والخداع واستغلال السلطة واستغلال حالة الاستضعاف، أو بإعطاء وتلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له سيطرة على شخص آخر لغرض الاستغلال. ونظراً لأن الأطفال لا يمكنهم الموافقة قانونياً على أي فعل جنسي، فإن أي شخص يستفيد من فعل جنسي من طفل أو يدفع مقابله يُعتبر متاجراً بالبشر.
تتبع “ميتا” سياسات عدة في محاولة منها لمنع الاتجار بالبشر عبر منصاتها. ولكن على مدار العامين الماضيين، تكررت الادعاءات التي تتهم منصتيها، “فيسبوك” و”إنستغرام”، بأنهما تحولتا إلى مركزين رئيسين للاتجار بالأطفال. “ذا غارديان” البريطانية أجرت مقابلات مع أكثر من 70 مصدراً، بما في ذلك الناجون وأقاربهم والمدعون العامون والمتخصصون في حماية الأطفال ومشرفون على المحتوى في أنحاء الولايات المتحدة كافة، من أجل فهم كيفية استخدام المتاجرين بالجنس “فيسبوك” و”إنستغرام” ولماذا تستطيع “ميتا” إنكار مسؤوليتها القانونية عن الاتجار بالبشر.
“ميتا” تزعم أنها تقوم بكل ما في وسعها، لكن تحقيق الصحيفة وجد أدلة تشير إلى أنها فشلت في الإبلاغ أو حتى اكتشاف القصة الكاملة لما يحدث، وقال كثيرون إنهم عجزوا عن إقناعها بالتصرف. تقر “ميتا” بأن المتاجرين بالبشر يستخدمون منصاتها، لكنها تصر على أنها تبذل كل ما في وسعها لوقفهم. بموجب القانون الأميركي، يتعين على الشركة الإبلاغ عن أي صور اعتداء جنسي على الأطفال تشارك عبر منصاتها إلى المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغَلّين الذي يتلقى تمويلاً فيدرالياً. “ميتا” من الممولين الرئيسيين للمركز، وتشغل مقعداً في مجلس إدارته.
منذ يناير/ كانون الثاني إلى سبتمبر/ أيلول عام 2022، أبلغت “فيسبوك” عن أكثر من 73.3 مليون منشور يمكن إدراجه تحت خانتي “عري الأطفال والاعتداء الجنسي” و”الاستغلال الجنسي للأطفال”. وأبلغت “إنستغرام”، خلال الفترة نفسها، عن 6.1 ملايين منشور عن المحتوى نفسه. وفي هذا السياق، قال متحدث باسم “ميتا”، لـ”ذا غارديان”، إن “الشركة رائدة في استخدام التقنيات الأكثر تطوراً لرصد المحتوى الذي يتضمن استغلالاً للأطفال”.
لكن الغالبية العظمى من المحتوى الذي أبلغت عنه “ميتا” تندرج ضمن مواد الاعتداء الجنسي على الأطفال التي تتضمن صوراً ومقاطع فيديو لمحتوى إباحي، بدلاً من الاتجار بالجنس. على عكس صور الاعتداء الجنسي على الأطفال، لا يوجد أي شرط قانوني للإبلاغ عن الاتجار بالأطفال جنسياً، لذلك يجب على المركز الوطني للأطفال المفقودين والمستغَلّين الاعتماد على شركات وسائل التواصل الاجتماعي لتكون سباقة في البحث عن هذه المواد والإبلاغ عنها.