تعذيب وتجويع وإذلال.. شهادات لأطباء غزة في سجون الاحتلال

تعرض أطباء وجراحون كبار في مستشفيات قطاع غزة للتعذيب والتجويع والإذلال والحرمان من الرعاية الطبية، أثناء اعتقالهم واحتجازهم في منشآت اعتقال وسجون إسرائيلية خلال الحرب على غزة، من دون توجيه أي تهمة إليهم.
وبحسب افادات الاطباءالتي نشرتها صحيفة “ذي غارديان” اليوم، الأربعاء، ان مدير مستشفى الشفاء، د. محمد أبو سلمية (51 عاما)، اكد بأنه “في كثير من الأيام كنت مقيدًا إلى كرسي في غرفة الاستجواب لمدة 15 ساعة تقريبًا. ولم يُسمح لي بالنوم أو الأكل أو الشرب. لقد ربطوا ذراعي إلى الكرسي بشكل مؤلم للغاية وعندما كانوا يضربونني كانوا يضعون أيديهم أو أرجلهم على صدري لثني ظهري”.
ونقل بعد شهر من اعتقاله إلى سجن “عوفر”. وقال د. أبو سلمية إن “عملية النقل بأكملها كانت واحدة من أسوأ الأشياء التي أتذكرها. عندما تدخل لأول مرة سجنًا جديدًا، كشخص من غزة، فإنك تتعرض لحملة خاصة من التعذيب والإذلال. في ذلك اليوم كان هناك أربعة منا أطباء، ولم يكن أي منا شابًا وكان من الصعب تحمل ذلك”.
وأضاف أنه “مهما طال حديثي عما مررت به أثناء الاحتجاز، فإن هذا لا يمثل سوى جزء بسيط مما حدث بالفعل. فأنا أتحدث عن الضرب بالهراوات، والضرب بأعقاب البنادق، والهجوم بالكلاب. وبعد أن أعادوني في الليل إلى زنزانتي لم يسمحوا لي بالنوم أبدًا؛ مكيف الهواء يعمل ولا يطفئون الأضواء. هناك كاميرات في الزنزانة تصورك. إنه أمر مرعب. طوال الليل تسمع أصوات الناس من حولك وهم يصرخون. رأيت أشخاصًا يموتون هناك. كل يوم هو إذلال، كل يوم هو إهانة”.
وقال الجراح د. عصام أبو عجوة (63 عاما)، إنه “كان عليك أن تنام على الأرض التي كانوا يغطونها بصخور صغيرة حادة، مع ربط يديك ورجليك وعصب عينيك. وكانوا يسكبون عليك الماء البارد، ويشغلون المراوح ويجلبون مكيفات هواء قوية. وكانوا يشغلون الموسيقى الصاخبة على مدار 24 ساعة في اليوم”.
وأضاف أنه “أثناء التحقيقات كان الظلام يخيم على المكان وكانوا يقيدون يداي وقدماي. وكانوا يجعلونني أقف على أطراف أصابعي لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات ثم يرموني على الأرض ويرشونني بالماء. ثم يضربني ثلاثة أو أربعة حراس” من الجنود الإسرائيليين.
وبعد أشهر من اعتقال د. أبو عجوة، نُقل إلى سجن النقب الصحراوي. وأفاد بأن “الصيف كان حارًا جدًا. حبسونا داخل الخيام. كان علينا أن نطلب الإذن لاستخدام الحمام، لكن المرضى لم يُسمح لهم بذلك وأمروهم بالتبول. وقد أصبنا بالجرب لأننا لم نستحم أو نغير ملابسنا لمدة ستة أشهر. لقد شعرنا وكأن أجسادنا تشتعل، لكنهم لم يقدموا لنا العلاج”.
وتابع أنه “لم يكن بوسعنا شرب الماء الساخن من الأنابيب إلا مرة واحدة في اليوم. ولم يكن لدينا أحذية وكانوا يجعلوننا نقف على الأسفلت حفاة الأقدام لمدة ساعتين أو ثلاث ساعات في حرارة بلغت 37 درجة مئوية. وكان الطعام عبارة عن اللبن وقليل من الأرز. لقد فقدت نصف وزني. ولم يتهموني بأي شيء قط ولم أتمكن من مقابلة محامٍ طيلة سبعة أشهر من الحبس”.
وكان الجراح، د. خالد السر (33 عاما)، في مكان عمله في مستشفى ناصر، الذي شهد دمارا شديدا بعد هجمات شنها الجيش الإسرائيلي، عندما اقتحم القوات الإسرائيلية المستشفى. “أمرونا بالإخلاء عبر مكبرات الصوت المثبتة على طائرات بدون طيار. غادرنا المستشفى، حيث كانت المركبات المدرعة والجنود الإسرائيليون متمركزين وهم يوجهون بنادقهم ومدافع الدبابات نحونا”.
وأضاف أنه “أمرونا بخلع ملابسنا بالكامل، ثم اقتادونا في صف إلى حفرة تم إعدادها مسبقًا بجوار المستشفى. ووضعنا جميع أفراد الطاقم الطبي في الحفرة ثم ألقوا بنا في مركبة عسكرية ونقلنا عبر الحدود من قطاع غزة إلى إسرائيل. وأثناء ذلك تعرضنا لضرب مبرح ووحشي في جميع أنحاء أجسادنا. عانيت من كسور في عظام جانبي الأيمن، مما أثر عليّ بشكل كبير طوال الأشهر الثلاثة أو الأربعة الأولى من الاعتقال. ولم أتلق أي رعاية طبية”.
وتابع أنه “بعد ساعتين أو ثلاث وصلنا إلى السجن، حيث تم تسجيل أسمائنا وأرقامنا، وتم اقتيادنا معصوبي العينين ومقيدي الأيدي بالأصفاد المعدنية إلى معسكر اعتقال سديه تيمان. وتم نقلي إلى مكان مفتوح محاط بقضبان معدنية، أشبه بالمستودع. أعطونا حصيرة لا يزيد سمكها عن نصف سنتيمتر، ثم كان علينا الجلوس في نفس الوضع من الساعة الخامسة صباحًا حتى العاشرة مساءً. وكان التحدث ممنوعا تماما. كنا معصوبي الأعين طوال الوقت وأيدينا مقيدة بالأصفاد المعدنية”.
وقال د. السر إنه “كنت في حالة صدمة، وفي حالة إنكار تام لوجودي داخل ذلك السجن، وحاولت تجنب أي شيء من شأنه أن يعني العقاب. ولكن في اليوم الثالث، اقتحمت وحدة قمع السجون الإسرائيلية السجن بالكلاب والهراوات. وأمرونا بالاستلقاء على الأرض. وإذا رفع أحد رأسه، تعرض للضرب المبرح. وتعرضت للضرب حيث كنت مستلقيا، وسمعت صراخ السجناء الذين تم عزلهم. وأصيب العديد منهم بإعاقات دائمة”.
وأفاد رئيس قسم جراحة العظم في المستشفى الأوروبي، د بسام مقداد (58 عاما)، إنه “تم إخراجي من الصف عند نقطة تفتيش عندما كنت مع عائلتي نحاول مغادرة خانيونس التي كانت تحت الحصار. طلبوا مني أن أخلع ملابسي، باستثناء الملابس الداخلية، وتركت كل شيء على الأرض، بطاقة هويتي، وحتى جواربي، واضطررت إلى السير حافي القدمين”.
وأضاف أنه “سألوني عن اسمي ومهنتي، وحين قلت إنني طبيب، قيدوني بالأصفاد وعصبوا عيني. لم أكن أعرف ماذا يحدث. كنت أسمع صراخ الناس من حولي. ثم بدأ مجموعة من الجنود يضربونني. ووضعونا جميعاً في سيارة نقل حيث تعرضنا للضرب بالعصي. لقد تبول الجنود علينا، واستخدموا ألفاظاً بذيئة لا أستطيع أن أتحمل تكرارها”.
وتابع أنه “في سيارة النقل، أنت في كومة، والناس مستلقون فوقك. كنا جميعاً معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي. لقد طُلب مني أن أقفز إلى أسفل، وسقطت وكسرت كاحلي، ولكنني اضطررت إلى النهوض والمشي بهذه الإصابة وظهري مائل للخلف بزاوية 90 درجة”.
وقال رئيس قسم جراحة العظام في مستشفى ناصر، د. محمود أبو شحادة (42 عاما)، إنه “اصطف جميع أفراد الطاقم الطبي بين مبنى الإدارة ومبنى ناصر القديم، وأجبرونا على خلع ملابسنا، ثم نقلونا إلى مبنى الولادة، حيث فحصوا هوياتنا، وكبلونا بالأصفاد خلف ظهورنا، وعصبوا أعيننا، وأخذونا إلى الطابق الأرضي من المبنى، وأهانونا وتعرضنا للضرب المبرح، ومن وقت متأخر من ليلة الجمعة إلى ساعات الصباح الأولى من يوم السبت، تركونا عراة في البرد، مع رش الماء البارد علينا”.
وأضاف أنه بعد 17 يوما، “تم تحميلنا في شاحنات كبيرة مفتوحة ونقلنا إلى مراكز الاحتجاز في إسرائيل، ورشوا علينا الماء وضربونا بشدة أثناء عملية النقل هذه. تم نقلنا لاحقا إلى معسكر عوفر الذي كان يتكون من غرف تضم كل منها ما بين 15 إلى 20 معتقلا. وهناك استمر ضربنا وإذلالنا. كانت مجموعات من الجنود تدخل الغرفة مرتدين أقنعة، وكانوا يأخذون طعامنا وماءنا ويرمونه خارجا”.
وتابع د. أبو شحادة أنه “قضيت ما يقرب من ثلاثة أشهر في عوفر. كان الطعام الذي قدموه لنا عبارة عن قطع صغيرة من الخبز مع كمية صغيرة من اللبن وملعقة من المربى. لم يكن ذلك كافياً لإبقائنا على قيد الحياة”.
وأفاد طبيب الأطفال في المستشفى الأهلي، د. سعيد معروف (57 عاما)، بأنه “عندما بدأت الحرب واصلت العمل، وكان هناك الكثير من الإصابات والأمراض منتشرة ولكن كان عدد الأطباء قليلًا جدًا. كنت في مستشفى كمال عدوان وبقيت هناك حتى تلقينا أوامر من الجيش الإسرائيلي بمغادرة المستشفى. غادرت وذهبت إلى مستشفى الأهلي، وهناك تم اعتقالي مع ابني، الذي يدرس الطب في السنة الأولى من الجامعة”.
وأضاف أنه “منذ البداية تعرضنا للتعذيب. لمدة 45 يومًا كنت تحت قمع شديد وحرمت من الطعام في معتقل سديه تيمان. في هذه المرحلة كنت مرهقًا ومريضًا. لم يقدموا لنا أي علاج طبي. فقدت 25 كيلوغرامًا. ولم أكن أستطيع الوقوف أو الأكل أو الحركة”.
وقال أخصائي التخدير والعناية المركزة، د. أحمد مهنا (50 عاما)، إنه “تم نقلي إلى ثكنة عسكرية حيث قضيت 21 يومًا. خلال هذه الفترة، أخذوني إلى ما أطلقوا عليه تسمية ’الديسكو’، وهي غرفة استجواب مع موسيقى صاخبة ودرجات حرارة متجمدة. نمت على الحصى، مرتديًا بدلة رياضية رقيقة فقط. أخبروني أنه سيتم إطلاق سراحي في ذلك اليوم، ولكن بدلاً من ذلك، تم إرسالي إلى سجن النقب”.
وأضاف أنه “هناك ازداد الإذلال سوءًا. لقد أهانوا عائلتي وديني. كانوا يتركون الكلب يشرب من وعاء ماء ثم يسكبون الباقي عليّ. وسقطت على الأرض لأن رجليّ كانتا مقيدتين. ضحكوا وركلوني في جنبي. وفي إحدى المرات أجبروني على الوقوف في البرد لمدة ست ساعات، وذراعاي مرفوعتان ومقيدتان بالأغلال، قبل أن يستجوبوني. كنت أقول لهم نفس الشيء في كل مرة: ’أنا طبيب. لا أنتمي إلى أي شيء آخر’”.
وأكد د. مهنا أنه “لم تكن هناك رعاية طبية. وإذا أصبت بالحمى ليلاً، كانوا يرفضون إعطائي مسكنات للألم. وكانت الأمراض الجلدية منتشرة على نطاق واسع. وكانت الفواكه والخضروات غائبة تماماً تقريباً. وكانوا يعطوننا ربع خيارة أو جزرة، ولا شيء أكثر من ذلك. وكان كل يوم بمثابة معركة ضد التدهور”.
وادعى الجيش الإسرائيلي في تعقيبه على شهادات الأطباء الغزيين، أن “الجيش يتصرف وفقا للقانون الإسرائيلي والدولي من أجل حماية حقوق المعتقلين المحتجزين في مراكز الاحتجاز والاستجواب”.