أقلام

خطة من لا يملك إلى من لا يستحق

المواطن – غزة

الكاتب: ريما كتانة نزال

وهكذا طرحت خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومقترحاته القاضية بتهجير أهالي قطاع غزة بقضهم وقضيضهم إلى خارجها، واستلام الأرض البالغة مساحتها ثلاثمائة وخمسة وستين كيلومتراً مربعاً إلى الولايات المتحدة الأميركية لإعادة بنائها كمنتجع سياحي على الطريقة الريفييرية، قبل أن تتدفق المقترحات للمكان المرشح لاستقبال المهجرين الغزيين، لتصل الخفة الاستعمارية قمتها باقتراح رئيس حكومة الاحتلال المملكة العربية السعودية لإيوائهم كونها واسعة وممتدة جغرافياً.. إنها حكاية من لا يملك إلى من لا يستحق على يد بلفور سيئة الصيت والسمعة مرة ثانية، لكنها هنا تتم على يد من لا يملك إلى من لا يستحق في نسخة أميركية مجربة ومنقحة، عن إبادة الشعب الأصلاني وهويته القومية الخاصة وتشريد من تبقى منهم.

دائرة المقترحات المقدمة من قبل الاحتلال للمكان البديل للتهجير إليه متواصلة من قبل الاحتلال تباعاً، رغم أن حقيقة تفاصيل الخطة الترامبية لم تحظَ بتأييد أي دولة من دول العالم قاطبة باستثناء الاحتلال، بل ووجهت بالرفض والتشكيك في واقعيتها وقانونيتها وإنسانيتها، ووضعت برمّتها في نطاق عمليات التطهير العرقي المُجَرّمة قانونياً، عدا اتهامها بالهبوط الأخلاقي والقيمي؛ بسبب منحها الشرعية لارتكاب جريمة التطهير العرقي للشعب الفلسطيني في قطاع غزة، وتقديمها كأحد الحلول الإبداعية للصراع، بينما في الحقيقة تعبّر عن استمرار ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية وتوسيعها لإبادة الحقائق التاريخية باتجاه تبديد هوية الفلسطينيين وطمسها إلى الأبد.
لم تتوقف الحماقة الترامبية عند حدود خطة التهجير والتطهير العرقي والمشاركة الفعلية في حرب الإبادة الجماعية، بل تتواصل وتتطور مفاعيلها نحو أخذ القرار بفرض العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، معبرة عن مستوى الإرادوية السياسية المفرطة التي وصل لها رئيس الدولة العظمى منفرداً، جارّاً خلفه الدولة الأكبر والأقوى في العالم، ومعلناً الحرب على إحدى أهم مؤسسات تحقيق العدالة الدولية الموكل لها تحقيق العدالة للشعوب التي تعرضت لجرائم الحرب والإبادة، ومنع إفلات المجرمين من مرتكبي جرائم الحرب من العقاب، ومنهم نتنياهو ووزير حربه غالانت ممن جرّمتهم محكمة العدل الدولية وستطالهم يد المحكمة الجنائية، الذي حاول ترامب بقراره حمايتهم من المساءلة.
قضية الشعب الفلسطيني التي يتآمر عليها رئيس الولايات المتحدة لصالح الاحتلال هي قضية الإنسان الفلسطيني، وستبقى كإحدى القضايا الأساسية والجوهرية التي ستشغل العالم، خاصة بعد أن ظهرتها بجلاء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة على مدار أربعمائة وواحد وسبعين يوماً، ساهمت في رفع مستوى الوعي بأصل القضية ونشأتها، وأفشلت محاولات الصهيونية التمويه عليها وإخفاءها أو قلب الحقائق رأساً على عقب واستغلال السابع من أكتوبر/ تشرين الأول للعبث بالسردية الفلسطينية التاريخية وتشويهها، ليس هذا فقط، بل ويبدو بجلاء أن إدراج خطة ترامب وكل دعوات ومشاريع التهجير المطروحة في ذات السياق والمسعى لاستكمال ما تم خلال حرب السيوف الحديدية، وصولاً إلى فصل جديد من حلقات مسلسل القضاء على القضية الفلسطينية.
باختصار، ومن الآخر، يقف من الدول العربية كأطراف مساندة وفاعلة في الصراع مصر والأردن والسعودية وقطر، واضح أن لديها مهامها ومنطلقاتها والمسار، بينما الطرف الفلسطيني الرئيسي والمستهدف وجودياً، يعيش في حالة متردية من الفعل والتأثير والضعف؛ بسبب استمرار حالة الانقسام وعدم التوحد والشرذمة منذ ثمانية عشر عاماً، لدرجة غياب البعد الجماهيري في الشارع للتعبير الجمعي عن رفض خطة ترامب العنصرية، لأننا في محطة مفصلية للمواجهة التاريخية للإبادة الشاملة بشرياً وسياسياً، والوقوف موحدين لإسقاط المشاريع التصفوية، والتصدي لها من خلال وضع إستراتيجية موحدة للتصدي لمشروع ترامب وجميع ما يندرج في نطاقها، والبناء على الإجماع الدولي غير المسبوق للحراك في وجهه، يبدأ من تطبيق الاتفاقيات التوحيدية الموقعة بين القوى السياسية وآخرها تطبيق محددات اتفاقية بكين التوافقية، وأخيراً لا بد من التوجه بقوة آلة هيئة الأمم ومؤسساتها وفق تخصصاتها لتفعيل دورها لتوسيع دائرة عزل موقف ترامب دولياً.

مقالات ذات صلة
زر الذهاب إلى الأعلى