غير مصنف

عن فرحة الناجين في غزة

المواطن – رام الله

الكاتب: مهند عبد الحميد

عن فرحة الناجين في غزة بعد 471 يوماً توقفت آلة الحرب الإسرائيلية عن حصد الأبرياء وتدمير منازلهم وخيامهم وحياتهم، توقف أهالي قطاع غزة عن انتظار الموت الآتي من الجهات الأربع  ومن فوقهم وتحتهم

توقفت أبشع الحروب وأكثرها دموية ووحشية لمدة قد تقصر وقد تطول. ما هو مؤكد أن أصحاب قرار الحرب منحوا  2.3 مليون شخص إجازة نجاة مدتها 42 يوماً قابلة للتجديد، وبعدها قد تتوقف الحرب تماماً بقرار سيد البيت الابيض، وقد تستأنف بقرار منه، والنتيجة الأخيرة يقررها التفاوض المحكوم بميزان القوى.
فرحة الغزيين بالنجاة أولاً، وبإتاحة الفرصة لعلاج جرحاهم المهددين بالموت ثانياً، وبتنسم عشرات النساء والأطفال لحريتهم وخروجهم من معامل التعذيب الكهانية ثالثاً، وبتخلص معظم الناس من ذل الحصول على لقمة العيش المغمسة بالدماء رابعاً. هذه الفرحة سرعان ما انطفأت بسبب الفقد المتواصل للابرياء وللمقاتلين الشجعان الذين قاوموا حرب الإبادة والحقوا الخسائر الكبيرة بالمعتدين المحتلين، وبسبب الفقد المؤجل للأحبة، فلا أقسى من البحث عن شهداء تحت الركام بعد طول انتظار! ولا أصعب من البحث عن البيت الذي تناثرت حجارته ومكوناته واختلطت بالدمار الشامل للمكان! وما أصعب ان يضل المواطن الطريق الى بيته أو مدرسته او مخبزه أو مزرعته بعد أن بعثرتها آلة الحرب! وما ابشع الانكسار النفسي والمعنوي وتلاشي القدرة على الحلم والثقة! وكيف يمكن لابناء القطاع «التعايش مع هذا الكم الهائل من الخراب الممتزج بالاشلاء والدماء!
مَن المسؤول عن فرحة النجاة المؤقتة او الدائمة الناجمة عن وقف الحرب؟ هل هو القرار الأميركي بوقف الحرب، ام  هي الجهود المصرية القطرية، ام بسبب استجابة قطبي الحرب لرغبة أكثرية شعبيهما في إنهاء الحرب، او لأن أحدهما فرض شروطه على الآخر، أو لأن الحرب استنفذت مبررات استمرارها؟ تتعدد العوامل، لكن رغبة ترامب واستخدامه اسلوب الإملاء المبطن بالتهديد والوعيد في وقف الحرب كان العامل الأقوى. في الجهة الأخرى قد لا يختلف احد حول المسؤول عن الموت والدمار والعذاب والويلات التي عاشها قطاع غزة طوال 471 يوماً؟ حكومة نتنياهو تتربع  على العرش بوصفها المسؤول الأول والمنفذ الحصري لحرب الإبادة، وهذا ما توضحه تقارير وقرارات وتوصيات محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية وسائر المنظمات الحقوقية، وتتشارك إدارة بايدن وكل الدول التي دعمت العدوان بالسلاح والأموال وبالسياسات في المسؤولية عن الكارثة.
بعد ذلك، توجد مسؤولية فلسطينية لا ينبغي تجاهلها او التقليل من أهمية تأثيرها على مسار الحرب. إن عدم التوقف عند الدور والمسؤولية الفلسطينية – مسؤولية حماس – سواء في المبادرة الى حرب شاملة غير متكافئة بأي مستوى، او في عدم تقديم مبادرات لإنهاء الحرب وإنقاذ المجتمع من الإبادة والدمار. عدم الاعتراف بذلك ينتمي الى سياسة التبرير والانكار وتحويل الهزيمة الى انتصار، والخسائر الى مكاسب وانجازات، إضافة الى الامتناع عن إجراء مراجعة وتقييم ونقد يحدد عناصر الضعف وعناصر القوة والإنجاز والفشل، ويحول دون تكرار الأخطاء في الفكر والممارسة، ويحاسب المسؤولين عن الأخطاء الكبيرة والصغيرة.
مع وقف إطلاق النار، أعلنت حماس عن انتصارها، وعن فشل إسرائيل في تحقيق أهدافها باستثناء الخراب والدمار والقتل، واعتبرت ان وقف العدوان هو «انجاز لشعبنا ومقاومتنا وامتنا واحرار العالم وهو محطة فاصلة من محطات الصراع مع العدو على طريق التحرير والعودة». وعزا بيان حماس الموافقة على الاتفاق الى مسؤولية الحركة تجاه شعبنا بوقف العدوان الصهيوني عليه ووضع حد لشلال الدم والمجازر وحرب الإبادة التي يتعرض لها». ولم ينس أبو عبيدة بإعادة التذكير بأن «معركة الطوفان غيرت وجه المنطقة، ودقت المسمار الأخير في نعش الاحتلال».
ثمة بون شاسع بين معاناة ومحنة السواد الأعظم من الغزيين التي لم تأبه لها حركة حماس طوال 15 شهراً وبين احتفالها بالنصر واستعراض قوتها داخل قطاع غزة. ما يعني ان أولوية حركة حماس هي البقاء في الحكم حتى لو تعارض ذلك مع سلامة المواطنين لجهة تعرضهم لعقوبات ولخسائر بشرية ومادية كبيرة. إن حركة حماس لم تتوقف عند رد الفعل الإسرائيلي العسكري والسياسي، ولا عند الخسائر والأثمان التي سيدفعها المواطنون الأبرياء، جراء افتقادهم للحد الأدنى من مقومات الصمود. وبعد معرفة ومعايشة الرد الوحشي الانتقامي الإسرائيلي، لم تتراجع حماس عبر تقديم التنازلات التي بدأت بتقديمها في المرحلة الأولى من صفقة التبادل الجديدة، والأنكى هو التنازلات التي يجري الحديث عنها كشرط لإتمام المرحلتين المتبقيتين. يقول مستشار ترامب للامن القومي مايك والتز: حماس لن تحكم قطاع غزة أبداً .. هذا غير مقبول تماماً ولن تستمر «حماس» ككيان عسكري. ويشترط جدعون ساعر وزير الخارجية الإسرائيلي تحويل وقف إطلاق النار الى وقف شامل بتفكيك حماس وإيجاد كيان حاكم في غزة. أما رون بن يشاي فيحدد في» يديعوت احرنوت» حجر الزاوية في التفاوض الإسرائيلي القادم 1- تفكيك البنية العسكرية لحركة حماس التي تشمل -أنفاقا، صواريخ، ومدافع وقذائف هاون، وأجهزة التفجير  وغير ذلك– اذا لم يتمكن الوسطاء من تحقيق ذلك فسوف يضطر الجيش الى الاضطلاع بهذه المهمة حتى لو استغرق الامر اكثر من عام. 2- إبعاد حماس عن السلطة – وهي تقبل بذلك- ولكن يجب ان نعارض احتفاظها بالسلاح. خلافاً لذلك يلاحظ وجود ما يمكن تسميته بالعشم المتبادل بين حكومة نتنياهو وقيادة حماس، في هذا الصدد يقول تسفي هارئيل في هآرتس: النتيجة السخيفة هي ان إسرائيل تخطط عمداً لإحباط فرص إنشاء هيئة حاكمة فلسطينية قادرة على تحييد نفوذ حماس، وهي مستعدة للتوقيع على اتفاق يسمح لحماس بالسيطرة على المساعدات والبنية الأساسية المدنية، وذلك حتى تظل غزة منفصلة عن الضفة الغربية، سابقاً، ساعدت إسرائيل كثيرا في إقامة دولة حماس في غزة وتفاوضت ووقعت معها على اتفاقات والآن هناك ظروف قد تسمح ببديل مختلف لإدارة قطاع غزة». طوال الأشهر السابقة وبخاصة يوم الإعلان عن وقف إطلاق النار ظلت حماس تقدم رسائل بأنها الطرف المسيطر على قطاع غزة والقادر على التهديد الأمني عبر التواجد المسلح واطلاق الصواريخ من الشمال، وأنها الطرف القادر في الوقت نفسه على وقف التهديد الأمني، الاستعراض العسكري في كامل قطاع غزة كدلالة على استطاعة البقاء في الحكم. هل يستمر التعاقد من الباطن بين نتنياهو وقيادة حماس، بوجود لاعبين وشركاء اقليميين فاعلين، وأولويات ترامب في الإقليم والتعارضات بين المؤسستين العسكرية والسياسية، وداخل المؤسسة السياسية، والندوب الناجمة عن 7 أكتوبر، بتأثير كل هذه العناصر قد يفرط التعاقد بين نتنياهو وحماس.

زر الذهاب إلى الأعلى