وصل محطة السودان.. شرق أوسط جديد تشكله السعودية والإمارات
وكالات – المواطن
قال الباحث محمد حسين إن السعودية والإمارات تقودان جهودا لتشكيل نظام إقليمي جديد في الشرق الأوسط، معتبرا أن القتال الراهن بين الجيش وقوات “الدعم السريع” في السودان يمثل أحدث حلقة في تلك الجهود.
حسين أردف، في مقال بموقع “ميدل إيست الشرق الأوسط” (MEM) أنه “في حقبة ما بعد الاستعمار في الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، ربما كان النظام (الإقليمي السائد) هو الأيديولوجية المهيمنة للقومية العربية”.
وتابع: آنذاك “اجتاحت الثورات الموالية للناصرية (نسبة إلى الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر) وشبه الاشتراكية وثورات الضباط دولا مثل مصر وليبيا وسوريا والعراق، وجلب ذلك معه حقبة من الحماسة المعادية للغرب ولإسرائيل وعسكرة المجتمعات والاقتصادات وحكم طويل للأنظمة الاستبدادية، بينما قاومت الأنظمة الملكية في الأردن والخليج لمقاومة هذا النفوذ ومنع حدوث انقلابات”.
وأضاف: “ثم جاءت سنوات الربيع العربي من 2011 فصاعدا، والتي شهدت موجة من الغضب والمقاومة ضد الأنظمة في جميع أنحاء المنطقة. لكن في البلدان التي نجحت فيها الانتفاضات، انهارت معظم الحركات الثورية بسبب عدم وجود مبادئ وشخصيات قيادية متفق عليها. فالقادة المنتخبون ديمقراطيا في مصر وتونس مثلا تمت الإطاحة بهم في انقلابات وحلت محلهم أنظمة سلطوية جديدة/ قديمة”.
واستطرد: “فشل النظام الإقليمي الجديد المحتمل للحكومات الديمقراطية والقيادة المستوحاة من جماعة الإخوان المسلمين ومبادرات السياسة الخارجية الجديدة في ترسيخ جذورها، وحتى تركيا وقطر أُجبرتا على التخلي عن دعمهما العلني لجماعات المعارضة في مصر وسوريا وتونس والسعودية”.
السودان وليبيا وسوريا
و”الآن في 2023، يبدو أن تشكيل نظام إقليمي جديد والنهوض به يتم بقيادة السعودية والإمارات، ويمكن الكشف عن جهودهما في الصراع المسلح المستمر في السودان”، وفقا لحسين.
ومنذ منتصف أبريل/ نيسان الماضي، يشهد السودان قتالا بين الجيش، بقيادة رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق عبد الفتاح البرهان، وقوات “الدعم السريع” شبه العسكرية بقيادة نائب رئيس المجلس محمد حمدان دقلو (حميدتي).
وزاد بأن “دعم الرياض وأبو ظبي لقوات الدعم السريع، فضلا عن عدم وجود محاولات لكبح جماح الميليشيات، يشير إلى أن الأيدي الخليجية متورطة مباشرة في محاولة انقلاب الدعم السريع، لكن بدون دعم علني للحفاظ على الإنكار المعقول ونظافة الأيدي”.
وتابع: “لم يذهب الانقلاب إلى ما هو مخطط له (السيطرة على السلطة)، وجعلت مقاومة الجيش الناجحة من استراتيجية الخليج السرية خيارا طارئا مفيدا، وقد تكون محاولة السعودية التوسط بين الجانبين تكتيكا لإنقاذ قوات الدعم السريع وضمان استمرار وجودها ودورها النشط بالسودان لغرض مستقبلي”.
وأضاف أن “هذه ليست المرة الأولى التي تستخدم فيها السعودية والإمارات مثل هذه الأساليب في صراعات داخل المنطقة الأوسع، لقد رأينا وضعا مماثلا في ليبيا مع دعم أمير الحرب خليفة حفتر بشكل غير مباشر ضد الحكومة الليبية المعترف بها دوليا في طرابلس”.
وأردف أن حفتر “فشل في السيطرة على غرب ليبيا، لكن قواته نجت وظلت أداة محتملة ووكيلة لدول الخليج في أي أزمة مستقبلية، حتى بينما تروج الرياض وأبو ظبي لأنفسهما كوسطاء ومحايدين”.
أوروبا الجديدة
وبالنسبة لهدف السعودية والإمارات الغنيتين بالنفط والغاز اعتبر حسين أنه “ليس بالضرورة أن يكون تأجيج الصراعات أو دعم أمراء الحرب، كما أنهم يستخدمون سياسة التطبيع والمصالحة”.
واستشهد بأن “السعودية انسحبت من الصراع السوري المستمر (منذ عام 2011) واختارت استئناف العلاقات مع نظام (بشار) الأسد. كما أدت هذه الاستراتيجية إلى استعادة دراماتيكية وغير متوقعة لعلاقات السعودية مع إيران (عبر اتفاق بوساطة الصين) في مارس (آذار الماضي)”.
وتابع أن “السعودية والإمارات، باعتبارهما ملكيتين، تهدفان إلى الحفاظ على ازدهار مواطنيهما وإيجاد ظروف إقليمية تناسب مصالحهما، ولا يهم إذا كان هذا يعني أنهم يدعمون الديكتاتوريات، وهم حذرون بشأن عدم القدرة على التنبؤ بالحكومات المنتخبة ديمقراطيا في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا والتي تميل إلى أن تكون إسلامية بطبيعتها”.
ومضى حسين قائلا: عندما تحدث ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان علنا قبل خمس سنوات عن حربه لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، قائلا إن المنطقة يمكن أن تكون “أوروبا الجديدة”، كان يتحدث أساسا عن الاقتصاد والتنمية.
واستطرد: “وربما لم تكن المدن الضخمة الذكية المستقبلية ومشاريع الترفيه الكبرى هي الأشياء الوحيدة التي تدور في ذهنه. وربما كان يفكر أيضا في حدوث تحولات دبلوماسية وسياسية كبيرة بقيادة السعودية وجارتها ذات التفكير المماثل الإمارات”.
وزاد بأن بن سلمان قال السعودية والمنطقة المحيطة بها “ستكون مختلفة تماما خلال سنوات”، ويبدو بشكل متزايد أنه كان على حق.
وختم بأن “الشرق الأوسط الجديد الذي شكلته الرياض وأبو ظبي سيرحب بتطوير البنية التحتية والتحرر الاجتماعي، وسيكون عمليا من حيث التوازن بين الغرب ومنافسيه الصين وروسيا، لكنه سيكون أيضا في جوهره سلطويا ومعاديا للديمقراطية”.