هل تخضع إسرائيل لقرار “العدل الدولية” بوقف الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية؟
كتبت: مسك محمد
فاجأتنا المحكمة العليا للأمم المتحدة هذا الأسبوع، بقرار حاسم تجاه الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، واعتبرته غير قانوني وأن سياسة الاستيطان الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية تنتهك القانون الدولي، وكذلك وجدت المحكمة أن استخدام إسرائيل للموارد الطبيعية يتعارض مع التزاماتها بموجب القانون الدولي كـ “قوة احتلال”.
وإذا بحثنا في تفاصيل هذا القرار وحللناه، نرى أن هذه هي المرة الأولى التي تصدر فيها محكمة العدل الدولية موقفاً بشأن الاحتلال الإسرائيلي للأراصي الفلسطينية المستمر منذ 57 عاماً، وعلى الرغم أن هذا الرأي يعتبر استشاريا إلا أنه قد يكون له تأثير أكبر على الرأي العام الدولي، وقد يعزز هذا القرار القضية الفلسطينية وحق أبناء الشعب الفلسطيني المعذب في أرضه، وقد يؤدي إلى نتائج إيجابية لن نتخيلها.. هذا بالنسبة لفلسطين.
لكن فيما يتعلق بإسرائيل، فيبدو أن هذا القرار لن يقدم ولا يؤخر شيئا ما دامت تل أبيب تفرض منطقها “الاحتلالي” بالقوة غير آبهة بحقوق هذا الشعب المسكين، وقد يؤدي ذلك إلى محاولة المحكمة العليا التنصل مما يجرى في غزة لعلها تحافظ على ما تبقى من سمعتها أمام العالم.
ولكن يتبادر لنا سؤال مهم: هل تملك الأمم المتحدة قوة القانون لإجبار إسرائيل بهذا القرار؟
الحقيقة أن سياسة الاحتلال الإسرائيلي لا تعترف بمحاكم دولية أو قوانين أو حتى أعراف دستورية ولا مواثيق حقوق الإنسان، فمازالت تل أبيب تواصل حربها على الشعب الفلسطيني في غزة لأكثر من عشرة أشهر، فقتلت أكثر من 70 ألف فلسطيني، كما جرح وفقد عشرات الآلاف، هذا غير ما أبادته من مستشفيات وبيوت ومدارس ومنشآت تقدر بحوالي 500 ألف وحدة سكنية في القطاع، وهجرت أيضا سكانها إلى مناطق الإيواء في رفح والتي يواجهون فيها كل ألوان العذاب ما بين الموت الوشيك برصاص الاحتلال أو الموت جوعا أو مرضا أو فقرا.
ورغم كل هذا، مازالت إسرائيل تواصل سياسية الاستيطان، فتبني مستوطنات جديدة في غلاف غزة والضفة وغيرها من المناطق، غير آبهة بقرار محكمة العدل الدولية أو قرار الأمم المتحدة بشأن وقف استيطان أو منح الفلسطينيين حقهم في جزء بسيط من أرضهم!.
وهذا يؤكد بالدليل القاطع على استمرار سياسية الاستيطان، التي بدأتها إسرائيل باحتلال الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة منذ عام 1967، وانسحبت من غزة في 2005، لكنها تفرض على القطاع حصاراً شاملاً براً وبحراً وجواً، ولذلك فإن الأمم المتحدة تعتبر غزة ضمن الأراضي الفلسطينية التي لا تزال تحتلها إسرائيل، ويلزم القانون الدولي إسرائيل باعتبارها قوة احتلال في الضفة الغربية والقدس الشرقية وغزة، بحماية السكان المدنيين في الأقاليم التي تحتلها، ورغم هذا أيضا لم يرحم الاحتلال ضعف المدنيين، فيحاول التخلص منهم بكل وسائل الإبادة الجماعية.. فهل يمكن إقناع إسرائيل بتسوية سياسية أو بالالتزام بإنهاء الاحتلال وضرورة حل الدولتين؟.
التاريخ يقول لا، وأبرز الدلائل على ذلك هو رفض إسرائيل حضور جلسات محكمة العدل الدولية الأخيرة، واكتفت بمرافعة مكتوبة، وقد أدلت 52 دولة برأيها في القضية، وكانت الأغلبية الساحقة منها ترى أن الاحتلال مخالف للقانون، أما الولايات المتحدة، أقرب حلفاء إسرائيل، فدعت المحكمة إلى توخي الحذر وإبداء رأي متوازن، وتجنب إصدار رأي يدعو إلى انسحاب فوري وغير مشروط لإسرائيل، لا يأخذ بعين الاعتبار حاجاتها الأمنية المشروعة. فكل هذه المعطيات تشير إلى استمرار السياسة الإسرائيلية الأمريكية في احتلال كل شبر في فلسطين وتهجير شعبها نهائيا حتى تصبغ الأرض بالصبغة الإسرائيلية بالكامل.
لكن قرار الأمم المتحدة هذا يضع في موقف قانوني حرج، فسيكون له تبعات واسعة على شرعية وجود إسرائيل في الضفة الغربية والقدس الشرقية بالإضافة إلى حصار غزة، وقد يكون هذا الموقف القانوني الواضح يشكل دعما قويا للحقوق الفلسطينية المشروعة ويلزم إسرائيل بإنهاء احتلالها غير القانوني بأسرع وقت ممكن مع ضرورة وقف جميع الأنشطة الاستيطانية فورا وإجلاء جميع المستوطنين والتعويض العادل الأضرار الناجمة عن احتلالها مع التزام جميع الدول بعدم الاعتراف بشرعية الوضع الناتج عن الاحتلال.
وأيضا على المجتمع الدولي، وخاصة الدول العربية زيادة الضغط الدبلوماسي والقانوني على إسرائيل لإنهاء احتلالها، كما يجب استخدامه كأساس لتعزيز المساعي الدبلوماسية لحل القضية الفلسطينية لأنه قد يكون لبنة أو خطوة في مسار طويل نحو تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني.