أقلام

هل استخدام القوة العسكرية ستحسم الصراع؟

بقلم: تمارا حداد
في أغلب مواقع الصراعات تأتي اتفاقيات وقف إطلاق النار ووقف العمليات العسكرية الدائرة بين طرفين أو دولتين لأسباب إنسانية وحماية المدنيين أو خفض واقع التوتر والبحث عن تسوية سلمية للصراع، إلا في ملف الصراع “الاسرائيلي_الفلسطيني” الذي يتم فيه الاستمرار المُتواصل في إطلاق النار وتزايد العمليات العسكرية سواء المحدودة أو المُكثفة واتباع سياسة الاغتيالات أو الاعتقالات أو حصار منطقة لتحقيق أهداف أمنية أو عسكرية أو سياسية.
وهذا إشارة إلى أن دولة الاحتلال تتعامل مع واقع الضفة الغربية بأنها ليست لواقع فلسطيني أو أنها قوة مُحتلة بل تعتبرها جُزء لا يتجزأ من دولتها وسيادتها كأمر واقع لذا تقوم بعملية الدخول والخروج وقتما تشاء عند الضرورة بعد جمع المعلومات الاستخباراتية، وكما أنها اشارة أخرى إلى تغافل وجود السلطة الوطنية الفلسطينية والتعامل معها ككيان ضعيف وكأنها غير متواجدة فعلياً، وكأن دولة الاحتلال تواجه صراعات أهلية تدور في داخل دولة واحدة والتي تشترك فيها القوات الحكومية مُتمثلة “بجيش الاحتلال” وقوات إحدى التنظيمات المُسلحة أو المعارضة أو المتمردة والتي يُطلق عليها سياسياً” الفاعلين العنيفين” في الدولة هكذا تُسوق دولة الاحتلال للعالم الغربي ما يحدث في الضفة الغربية وبالتحديد في جنين ونابلس، لذلك دولة الاحتلال تتعامل مع المسلحين الفلسطينيين بأنهم مُتمردين خارج نظام سياسة الاحتلال وليس “مقاومين” لقوة مُحتلة مُعادية، وتسوق دولة الاحتلال للعالم الغربي بأن هؤلاء المُسلحين هم مُعارضين لسياسة دولة الاحتلال وكأن فلسطين جميعها باتت عملياً وميدانياً وجغرافياً تحت سيادة دولة الاحتلال لذلك عند دخولها إلى جنين ونابلس تعمل على تعزيز الواقع العملياتي والميداني بشكل مُكثف لتمهيد الطريق والدخول مستقبلاً بشكل أسهل كما حدث في مخيم جنين.
دولة الاحتلال تتعامل مع الضفة الغربية بأنها جُزء لا يتجزأ من دولة اسرائيل الكبرى والتي تُعتبر أهم من “تل ابيب” دينياً وعقائدياً لذلك أي مبادرة عربية او اقليمية او دولية تسعى الى التخفيف من حالة الصراع لا تنجح في الواقع الفلسطيني بسبب ان الاحتلال لا يتعامل مع الضفة كجُزء فلسطيني وان هناك كيانة فلسطينية مُتمثلة “بالسلطة” بل يتعامل معها بكيان ديني عبري وان القاطنين الفلسطينيين هم مُقيمين “كإقامة مؤقتة” او اقامة سياحية” وانهم سيخرجون بأي لحظة قسرياً او طوعياً وعليهم احترام النظام المُتمثل بسياسة الاحتلال وكأنهم زائرون لدولة وعليهم أن يكونوا مُسالمين لا يُهددوا أمنياً.
كما ان الحالة التي تريد ان ترسخها دولة الاحتلال في تعاملها مع الضفة الغربية ساهم في ذلك عدة عوامل وهو ضعف الواقع الفلسطيني والتشرذم “الفلسطيني_الفلسطيني” وانعدام الثقة بين الاطراف الفلسطينية والخوف الاكبر ان تقوم الاحتلال بتحويل هذه الشرذمة من انعدام الثقة الى فوضى داخلية خلاقة لتستثمره سلطات الاحتلال بتسويق رواية ان الاطراف الفرقاء الفلسطينيين لا يستطيعون حُكم انفسهم وان علينا الدخول والخروج لتعزيز الامن والتخفيف من التهديدات الداخلية كون الضفة جزء لدى دولتهم حسب اعتقادهم.
لذا تسعى دولة الاحتلال الى تعزيز امكانية الحسم العسكري وهزيمة الخصم في ميدان جنين ونابلس واي بقعة يتواجد فيها فلسطيني مقاوم وحرمانه من تحقيق فوز عسكري حتى لا يفرض شروط مستقبلية بالرجوع الى طاولة المفاضات وايجاد حل سياسي لذا لا يقبل الاحتلال اي مبادرة لحل سياسي لحل الصراع “الفلسطيني_الاسرائيلي” لاعتقاده ان الحسم العسكري اقصر الطرق لفرض شروط وخيارات للطرف المهزوم بإما العيش مسالماً او الموت او التهجير القسري.
ان تعدد الفصائل في الضفة الغربية وعدم خضوعها لقيادة واحدة جعل واقع الضفة الغربية كواقع هش وفاشل يسهل فيه الانقسامات الاجتماعية بسبب غياب الانتخابات والتداول السلمي واختيار شعبي لقيادة مُوحدة تقوم على توحيد الجهود الوطنية وهذا ما يُسعد الاحتلال لوجود ضعضعة تنظيمية في الضفة الغربية رغم توحد ووجود حاضنة شعبية لخيار “المُجابهة” الا ان هذا الامر ينقصه قيادة تُوحد الجهود وتؤطر الشارع الفلسطيني نحو مجابهة الاحتلال من منظور وطني وبكافة السبل المتاحة.
وكما ان القوى الخارجية واكبرها الولايات المتحدة الامريكية غير معنية بوقف حالة الصراع وانهاء النزاع القائم فهي تتدخل لصالح المُحتل من خلال تزويده المال والسلاح والذخائر وتشجيع الاحتلال على عدم الانخراط في اي وساطة اممية او اقليمية لوقف حالة النزاع القائم وكأنه شان داخلي بين نظام ومعارضة.
فالولايات المتحدة الامريكية الوحيدة التي تستطيع ايجاد حل سياسي لما ما تملكه من اوراق الضغط والتاثير في سلوك دولة الاحتلال لكنها غير معنية لانها تعلم تماما انه اذا تم حل القضية الفلسطينية سياسياً يعني انتهاء وظيفة الاحتلال في منطقة الشرق الاوسط ولو كانت جادة بايجاد حل لوضعت نظام الرقابة والرصد لسلوك الاحتلال لوقف الانتهاكات العنصرية بحق المدنيين وفرض عقوبات ان ارادت من خلال قرارات الامم المتحدة لتعزيز واقعاً متوازناً بين اطراف النزاع الا ان الامم المتحدة كإحدى ادوات الولايات المتحدة لا تستطيع الضغط قانونياً بسبب حق النقض الفيتو الامريكي.
يرتبط نجاح الواقع الفلسطيني بدرجة هشاشة او قوة منظوره الداخلي فإذا ازدادت الانقسامات الاجتماعية والحزبية وشعور آخرين بالتهميش والاقصاء وعدم العدالة فان ذلك ازدياد التصدع الفلسطيني وتحللاً مستقبلا ًلاي كيان فلسطيني سياسياً وامنياً وهذا ما يُريده الاحتلال فعلياً وان طال الزمن فالعامل الزمني لصالح الاحتلال حتى اللحظة.
ان عملية بناء دولة هو ترك واقع انتقالي تم فرضه على الفلسطينيين بل يجب فرض أسس جديدة مُوحدة هدفها انتزاع حقوق سياسية قبل تثبيت الهيمنة الحزبية التي تعمل على اضاعة الحق السياسي، فالسبيل الوحيد ابرام جُهد وحدوي يبدأ من بناء الثقة بين الاطراف وايجاد بيئة لذلك ومن ثم الانتقال لفرض مؤتمرات دولية تتفق مع البند التاسع من مجلس الامن وتنفيذ قرار”2334″ وفق جدول زمني مُحدد لانهاء الصراع الدائم.

زر الذهاب إلى الأعلى