لم تكن التفجيرات التي استهدفت عناصر حزب الله اللبناني محض صدفة أو مفاجأة للمتابعين للتصعيد السياسي والإعلامي بين الموساد الإسرائيلي من جهة والجانب الإيراني وحزب الله من جهة أخرى، وتطلق إسرائيل تهديداتها ضد إيران وحلفائها في الإقليم منذ سنوات لكن واقعة الهجوم السيبراني الإسرائيلي الأخيرة، تؤكد أن حكومة الاحتلال لجأت لاستخدام التكنولوجيا والهجمات السيبرانية لاستهداف عناصر حزب الله في رسالة استخباراتية قاسية لقيادة حزب الله اللبناني.
الغريب أن العملية السيبرانية الموسعة التي أطلقتها إسرائيل تحدث عنها رئيس جهاز الموساد الإسرائيلي السابق يوسي كوهين في مقابلة مع سبتمبر 2023 أن الموساد يسعى لاختراق شحنات من أجهزة الاتصالات والأسلحة التي ستورد لإيران من أوروبا، ورغم تحدث كوهين عن الأمر لكن يبدو أن أحدا لم يلتفت إلى حديثه الذي لو استمعت إيران وقيادة حزب الله له لغيرت خططها على الفور.
وهدد رئيس الموساد الإسرائيلي بشكل مباشر إيران في سبتمبر 2023 وأكد أن الموساد يسعى لاختراق شحنة توريد إلى إيران دون أن يفصح عن نوعية الشحنات التي ستصل إلى طهران، وهو ما يؤكد أن عملية تفجير أجهزة لاسلكية في لبنان ليست وليدة اللحظة وإنما خطط لها الموساد منذ سنوات.
تواجه منطقة الشرق الأوسط منذ 7 أكتوبر الماضي توترات وصراعات جيوسياسية تخلف مخاطر جديدة على الأمن السيبراني، ويتم استخدام الهجمات السيبرانية بشكل متزايد كأداة للحرب والتجسس، مما يجعل المنطقة هدفا للهجمات السيبرانية التي ترعاها الدول.
بدأت عملية الصراع التكنولوجي في المنطقة بين إسرائيل وإيران وحلفائها في الإقليم منذ عام 2010 بالتركيز على تطوير تكنولوجيا الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار “درون” والتي استخدمت في اغتيال قيادات فلسطينية ولبنانية وإيرانية، وصولا إلى الهجوم السيبراني الإسرائيلي الأخير على عناصر حزب الله في لبنان.
شهدت منطقة الشرق الأوسط خلال الأعوام الماضية صحوة كبيرة في عالم الإلكترونيات، وحظيت التوترات والنزاعات السياسية السائدة في المنطقة بساحة إضافية، ما يفسح المجال أمام مزيد من التصعيد السريع، ويعد السلاح السيبراني أحد أرخص الأسلحة التي تلجأ إليها إسرائيل ويعد ناجعا في تحقيق أهداف أوسع وأشمل.
منحت الحرب السيبرانية دول الشرق الأوسط وسائل تجسّس وقدرات هجومية كانت في كثير من الأحيان غير متوافرة لديها في المجالات التقليدية غير المتصلة بالإنترنت، ورغم أن لبنان عمل على تدشين بنية تحتية لتنفيذ عمليات تجسس واسعة النقاط لحماية الامن القومي إلا أنها فشلت في حماية شبكاتها وهواتفها وأجهزتها اللاسلكية، والتخوف الآن في الإقليم هو احتمال اندلاع حروب سيبرانية، ما يتطلب تحركا عاجلا لتأمين كافة الدول لشبكاتها وأجهزتها المتنقلة وسن تشريعات جديدة وسياسات تحقق الأمن السيبراني، ويجب أن تركز هذه السياسات على حفظ البنى التحتية الخاصة بالاتصالات والعمليات البنكية وقطاع الطاقة وحماية الحقوق الرقمية لمواطنيها.
شهد العالم خلال الفترة من 2010: 2020 نقلة نوعية في بنية تكنولوجيا المعلومات التحتية، شملت زيادة في تطبيقات البرمجيات بوصفها خدمة، والحوسبة السحابية، وسياسات استخدام الجهاز الخاص، وتوسيع تكنولوجيا معلومات الظلّ لمساحة الاعتداء أمام المنفّذين.
ومع تركيز الدول على الذكاء الصناعي بات هذه التكنولوجيا سلاح ذو حدين يستخدمه طرفان أحدهما يسعى للدفاع عن شبكة اتصالاته والآخر يعمل على شن هجوم سيبراني على دول أخرى، يلعب الذكاء الاصطناعي الآن دورٍ مزدوج فقد بات الدرع والسيف، ومنطقة الشرق الأوسط التي تتواجد بها إسرائيل والتي تسعى للتوسع على حساب الدول الآخرى باتت معرضة بشكل خاص للهجمات السيبرانية بسبب أهميتها الاستراتيجية ووجود البنية التحتية الحيوية مثل منشآت النفط والغاز، والمؤسسات المالية، وكذلك الوكالات الحكومية.
المشكلة في منطقة الشرق الأوسط عدم وجود اهتمام بمجال الأمن السيبراني مثل باقي دول العالم نتيجة عدم إفراز مواهب متخصصة في هذه المجال، مما يصعب المشكلة على مؤسسات الدولة لإدارة احتياجاتها الأمنية وإدارة المخاطر بشكل فعال، ورغم أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا موطنا لأكثر من 150 شركة ناشئة بمجال الأمن السيبراني إلا أن ذلك لا يعد مؤشرا على نجاح دول المنطقة في توفير الأساليب الدفاعية اللازمة للتصدي لأي هجوم سيبراني.