نشطاء حراك «بدنا نعيش» ما بين عدة نيران!!
الكاتب: د. جهاد عبد الكريم ملكة
بعد دعوة نشطاء حراك بدنا نعيش في غزة عن مواصلة حراكها للخروج يوم أمس الجمعة 4 آب، واستكمالا لما حدث يوم 30 يوليو، استنفرت حركة حماس وحكومتها بكل أجهزتها الرسمية والموازية، وبدأت آلة الاعلام بشن حملة ضد هؤلاء النشطاء لشيطنتهم وجوسستهم وأن كل من يلبي دعوتهم بالخروج للتظاهر السلمي هو “عميل ومدسوس ويتبع لأجندات مشبوهة”، ولم يكتفوا بذلك بل دخلت المساجد على الحملة، وبما انه صادف الدعوة للخروج أمس الجمعة وكانت صلاة الجمعة، فاستغلت حماس “كعادتها” المساجد التي تسيطر عليها كلها وبدأ الخطباء بالتهديد والوعيد والتحذير من دعوات الحراك وبأنه فتنة كبيرة وأن الحراك يشبه فتنة “مقتل عثمان” وان شعار “بدنا نعيش” إلا واحدة من الفتن الشيطانية التي تطل برأسها ويوقدها أعداء الدين من المتربصين بالإسلام وانه (يجب على “أبناء الإسلام” كل في موقعه وعلى الثغر الذي يحسنه لرد كيد بغاة الفتنة من خلال المنابر الإعلامية ونشر مقالات فاضحة لأهدافهم ومقاطع فيديو ووثائق فاضحة لبغاة الفتنة، مستذكرين نداء النبي يوم أحد “من يردهم عنا وله الجنة”).
ومنذ ساعات الصباح الأولى انتشرت دوريات الشرطة في كل المفترقات والساحات وبمساندة من بقية الأجهزة الأمنية والموازية، واستجواب المارة وتفتيش جوالاتهم، حتى أرعب المشهد الناس ولم يخرجوا من منازلهم وكان الشارع يشبه (منع التجول) التي عهدناها أيام الاحتلال.
ومن ضمن الإجراءات أيضا منع الصحفيين من التصوير واداء عملهم واعتقال بعضهم ومضايقة البعض الاخر في محاولة لتكميم الافواه وفرض سياسة القبضة الأمنية عليهم، وكتب الصحفي فؤاد جرادة على صفحته على الفيسبوك: تهديد من (رقم خاص) لي أنا والزميل معمر أبو طبيخ بعدم ممارسة أي عمل صحفي حول الحراك.
المؤسف حقا، صمت بعض الفصائل ” الشعبية والديمقراطية وحزب الشعب وجبهة النضال” عن ما يجري، بل وتعميم بعضهم على عناصرهم بعدم المشاركة في التظاهر وكأن لسان حالهم يقول نريد أن يبقى الانقسام ونريد من حماس ان تزيد من تضييقها على الناس، وقيام البعض الاخر من الفصائل بتقديم الدعم والمساندة لحماس، سواء إعلاميا ام في الميدان.
حاول بعض الشباب الخروج للتظاهر ولكنهم لم يستطيعوا التجمع او الوصول للساحات العامة بسبب الإجراءات الغير مسبوقة ولكن ما حدث من استنفار لكل أجهزة حماس الرسمية والموازية يعتبر انتصار لهؤلاء الشبان الذي ليس لهم أي مطلب سياسي وكل مطالبهم حياتية تتعلق بلقمة العيش وبعض من ماء وكهرباء والحد من الضرائب التي تفرضها حماس، وأن رسالتهم قد وصلت لأعلى المستويات وانه مالم تحقق مطالبهم فإن القادم أصعب!.
وما مضت ساعات المساء التي كانت ثقيلة جدا على حركة حماس وذهبت الغيمة السوداء عنهم، وبدلا من أن يراجعوا سياساتهم ويحسنوا من شروط حكمهم، فرحوا وهللوا وصاروا يتهكموا على النشطاء ويطلقون عليهم النكات وأن عدم خروج الناس للتظاهر كان بسبب وعي الناس حيث كتب أحد مدراء الاعلام الحمساوي الرسمي: “الحالة العامة للوعي الجمي والجماهيري مستقرة ولا تتعاطى مع الشبهات ولا مع المشبوهين والمشوهين أخلاقيا وفكريا وسلوكيا ووطنيا”، ولم يشير هذا “الغير مشوه فكريا”، إلى ان حالة أشبه بمنع التجول كانت تسود جميع انحاء قطاع غزة وأن أي مواطن كان يمشي في الشارع كانت تلاحقه كل الأجهزة الرسمية والموازية!.
قد لا يعرف حكام غزة بأن استخدام القوة والتباهي بها من قبل افراد يتبعون لهم خطأ كبير يكبر يوم بعد يوم، وستكون أثاره ونتائجه كارثية، قد لا يستطيعون تحملها مستقبلا، لذلك لا يجوز الافراط باستخدام القوة وفرض القبضة الأمنية واستخدام لغة التخوين للآخر وتصدير خطاب الكراهية بين أفراد الشعب الواحد ولكنه منقسم.
السلطة الفلسطينية وحركة فتح كانت الغائب عن مشهد أمس المرعب وبدلا من أن تدين وتفضح الإجراءات التي قامت بها حماس وتطالب حماس بالكف عن هذا السلوك صمتت صمت الأموات وكأن لسان حالها يقول: “انتم وغزة اذهبوا للجحيم”، وبدلا من أن تسقط الإجراءات التي اتخذتها منذ عام 2017 ضد أبنا فتح في غزة من خصم على الرواتب إلى تقاعد مالي وتقاعد قسري وتقليص شديد بالنفقات على التعليم والصحة وعدم توظيف أي من أبناء غزة في الوظائف الحكومية بحجة الانقلاب الحمساوي، استمرت السلطة الفلسطينية بهذه الإجراءات ولم تقم حكومة محمد اشتية بأي اصلاح للأخطاء والجرائم التي ارتكبتها حكومة رامي حمد الله، الحكومة التي كانت قبل حكومة اشتية.
مطلوب من السلطة الفلسطينية وحركة ان تتدخل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في قطاع غزة، فقد وصل السيل الزبي، والناس أصبحت تحمل حركة فتح والسلطة بالإثم والتقصير جنبا الى جنب مع حماس بل واكثر من ذلك، فمنهم من يعتبرهم شركاء في الجريمة، لذلك يجب التدخل الفوري والعاجل لإنقاذ أبناء غزة وهناك الكثير ما يمكن للسلطة ان تقوم به إن توفرت الإرادة السياسية وإن لم يحدث هذا فإن القادم كارثي وسيكون الثمن المدفوع أكبر بكثير من المكاسب المحتملة.
تنويه خاص: قيام حركة الجهاد الإسلامي بعمل مسيرة بحجة رفض الحصار وانهاء الانقسام في نفس توقيت دعوة نشطاء بدنا نعيش للخروج، هو توقيت “غير بريء” خصوصا ان علمنا ان اخر مرة خرجت الحركة بمسيرة ضد الحصار كانت قبل سنوات، عيب مش هيك يا ابوعاشور!.