أقلام

من ينقذ نازحو غزة من المجاعة والمرض؟!

موت بالبطيء.. كلمتان تلخص المأساة التي يعيشها أهالي غزة منذ بدء الحرب الإسرائيلية على القطاع والتي دخلت شهرها التاسع على التوالي، وحصدت أرواح أكثر من 38 ألفاً من أبناء الشعب الفلسطيني وسجلت مئات الآلاف من الجرحى والمفقودين، ورغم ذلك مازالت غزة متعبة ومنكسرة وتستيقظ يوميا على المجازر.

ولاقت الأمراض بين أهالي غزة النازحين في رفح وغيرها من مخيمات الإيواء بيئة خصبة للنمو والانتشار، فبسبب سوء الأوضاع المعيشة وانتشار الجوع وسوء التغذية وتراكم أكوام القمامة والروائح الكريهة، انتشرت أمراض الجرب والجهاز التنفسي وسوء التغذية بين أبناء الشعب الغزاوي خاصة مع ارتفاع درجات الحرارة، كما تفاقمت أوضاع النساء الحوامل والمواليد الجدد نتيجة انخفاض المتابعة الدورية للحوامل ونقص المستشفيات العاملة والتي خرجت أغلبها عن الخدمة.

وواقعيا، تجتاح الأمراض والأوبئة غزة وسط صمت المجتمع الدولي، فسجلت مخيمات النازحين 26 ألف حالة جرب و3600 حالة تقمّل، وسط غياب الرعاية الصحية وفتكت الأمراض المعدية بالنازحين والتي أغلبها أمراض تنفسية ناتجة عن سوء الأحوال المعيشة، كما وقع حوالي 14 ألف حالة إسهال، وما يقارب 480 ألف حالة لأمراض الجهاز التنفسي، وهذه أرقام رسمية، وهناك عددا أكبر بكثير من هذا الرقم لم نعرف عنهم شيئا حتى الآن!

ربما يرجع أسباب انتشار مرض الجرب بين أبناء الشعب الغزاوي، إلى نقص المياه وانعدام النظافة الشخصية والازدحام الشديد في المخيمات، خاصة بعدما نزح ما يقرب من مليون ونصف المليون مواطن من شمال ووسط غزة وخان يونس إلى رفح، هذا بجانب شح الأدوية والنقص الحاد للرعاية الصحية.

أما عن وضع أطفال غزة، فلم ترحمهم الحرب، كما لم يرحم المرض أجسادهم الضعيفة، فأصيبوا بأمراض الإسهال وسوء التغذية بسبب غياب التطعيمات والأدوية والأجهزة الطبية خاصة للمبتسرين أو حديثي الولادة، فمثلا في مخيم دير البلح، يموت الأطفال بسبب انتشار الإسهال والنزلات المعوية وأمراض جلدية كالجدري والقمل والإنفلوانزا، وتحولت الحياة إلى مأساة كبيرة للصغير والكبير، ومازالت الحرب وتوابعها تبيد أبناء غزة بالبطيء.

الكبار والشيوخ لم يسلموا أيضا من تبعات الحرب، فأصيبوا بنزلات البرد وارتفاع درجات الحرارة بسبب غياب الرعاية الصحية وعدم وجود الأدوية، كما يقضي الناس حاجاتها في الشوارع، فأي حياة تلك، ومن يرحم ضعفهم؟!

كذلك، في مخيمات خان يونس، غابت المساعدات من الأدوية والمستلزمات الصحية عن النازحين، كما أن هناك أمراض لم تُشخص حتى الآن بسبب عدم توفر الفحوصات المخبرية، فتحول المخيم إلى مستشفى كبير للمرضى بدون علاج أو رعاية صحية، وبسبب اشتداد المعاناة هناك، تواصلت وزارة الصحة في غزة مع بعض المؤسسات الأممية لتوفير الأدوية، وتم توفير بعضها في حدود الحد الأدنى، لكنها بالتأكيد لا تكفي علاج النصف.

وكذا الأمر، في مخيم قريب من جامعة الأقصى، تكثر خيام النازحين الذين يعيشون وسط الذباب والثعابين والكلاب الضالة، كما تفاقم الازدحام الشديد في مراكز الإيواء هناك، حيث يتراوح عدد النازحين في كل غرفة نحو 50 شخصا، ورغم ذلك يوجد نقص شديد في المياه الصالحة للشرب، والمياه اللازمة للنظافة الشخصية، بجانب سوء ونقص الغذاء وعدم توفّر أغذية بكميات كافية، والغذاء المتوفّر معظمه معلبات تحتوي على مواد حافظة، حتى سجلت أكثر من 8 آلاف حالة عدوى التهابات الكبد الوبائي من نوع “A”، بينهم 6723 إصابة لأطفال.

إن أكثر الأمراض شيوعا التي تنتشر في جميع أنحاء غزة هي التهابات الجهاز التنفسي، والتي تتراوح من نزلات البرد إلى الالتهاب الرئوي، حتى الأمراض الخفيفة عادة يمكن أن تشكل مخاطر جسيمة على الفلسطينيين، وخاصة الأطفال وكبار السن وضعاف المناعة، نظرا للظروف المعيشية الصعبة، حيث أعلنت منظمة الصحة العالمية عن تسجيل 369 ألف حالة على الأقل من الأمراض المعدية منذ بدء الحرب، وانتشار الحمى الشديدة والإسهال والقيء المستمر بين الأطفال الأمر الذي يفتك بهم يوميا.

ويبدو أن الموت يحاصر أبناء غزة من كل اتجاه، فكشفت إحصائية رسمية مؤخرا أن 71% من سكان غزة يعانون من مستويات حادة من الجوع، و64% منهم يتناولون الحشائش والثمار والطعام غير الناضج والمواد منتهية الصلاحية لسد الجوع، وأكثر من 70% يعانون من الأمراض المعوية والإسهال والطفح الجلدي.. وأخيرا في ظل مواصلة إسرائيل ما تمارسه من سياسة الحصار والتجويع لمعاقبة المدنيين الفلسطينيين.. من ينقذ هؤلاء من المجاعة والمرض؟!

أمينة خليفة

زر الذهاب إلى الأعلى